انطلقت الإجتماعات التشاورية الإقليمية التحضيرية للمؤتمر الأول لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، حيث اختتم نهاية الأسبوع الفائت الإجتماع الإقليمي لآسيا والباسفيك، الذي عقد في بانكوك، العاصمة التايلاندية، أيام 5-7 تموز (يوليو) 2017.
يأتي هذا الإجتماع باكورة سلسلة إجتماعات تشاورية إقليمية تشمل كل الأقاليم العالمية وفقا لتقسيمات الأمم المتحدة، حيث ينطلق اليوم أيضا الإجتماع التشاوري الإقليمي لإفريقيا (11-13) تموز (يوليو)، وسيعقد إجتماع إقليم وسط وشرق أوروبا يومي 12-13 تموز (يوليو)، وإجتماع إقليم أميركا اللاتينية والكاريبي من 25-28 تموز (يوليو).
هدف اتفاقية مياناماتا بشأن الزئبق، وفق المادة الأولى منها، هو حماية الصحة البشرية والبيئة من انبعاثات وإطلاقات الزئبق ومركباته الناتجة عن النشاط البشري. كان لبنان قد صادق على هذه الاتفاقية في القانون رقم 2 بتاريخ 3 شباط (فبراير)، والمنشور في الجريدة الرسمية في يوم 9 شباط (فبراير) 2017. ولكن للإسف الشديد، ورغم كل مناشداتنا المتتالية، لا تزال وزارة الخارجية اللبنانية متمادية في تقصيرها بإيداع وثائق التصديق في المكتب القانوني للأمم المتحدة في نيويورك، كي تكتمل إجراءات مصادقة لبنان عليها، ويصبح طرفا كامل الحقوق والواجبات في هذه الاتفاقية.
إن تقصير وزارة الخارجية اللبنانية في إكمال إجراءات التصديق تنفيذا لقانون الإبرام، الذي صادق عليه المجلس النيابي اللبناني يوم 3 شباط 2017، يحرم لبنان من اكتمال عضويته في الاتفاقية، حيث يكون حضور لبنان في المؤتمر الأول القادم بصفة مراقب، بدل صفة طرف كامل الحقوق والواجبات. وهذا ما لا نراه مبررا على الإطلاق.
كان على وزارة الخارجية أن تقوم بواجباتها بإيداع الوثائق الضرورية لدى الأمم المتحدة قبل يوم 23 حزيران (يونيو) 2017 لكي يصبح لبنان طرفا كامل العضوية، ويشارك في المؤتمر الأولCOP1 ، الذي سيعقد في جنيف من 23 حتى 29 أيلول (سبتمبر) 2017، بمشاركة عدد من وزراء الدول الأطراف، حيث ستعقد طاولة مستديرة رفيعة المستوى للبحث بالقضايا عالية الأهمية المتعلقة بالاتفاقية وتطبيقها.
إختتم نهاية الأسبوع الفائت الإجتماع التشاوري التحضيري لإقليم آسيا والباسفيك، بمشاركة مندوبين عن حكومات دول آسيا، ومنها لبنان، حيث تمثل بمندوب من وزارة البيئة، وهي جهة الاتصال الوطنية، والوزارة المعنية بمتابعة الاتفاقية وتنفيذها، بالتعاون والتنسيق مع الوزارات الأخرى. وبمشاركة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني المتابعة للاتفاقية والشؤون المتعلقة بالكيماويات والنفايات، حيث شاركت منظمة آيبن IPEN العالمية، ومنظمة “مجموعة العمل من أجل صفر زئبق” ZMWG العالمية، ومنظمة إندي آكت IndyACT من لبنان، الناشطة في مجال مكافحة التلوث الكيميائي والسلامة الكيميائية والإدارة السليمة للنفايات.
تدوال المشاركون الرأي وتشاوروا حول عدد كبير من القضايا البنيوية والإدارية والمالية والإجرائية، وآليات رفع القدرات والمساعدة التقنية والمالية والآليات التطبيقية للاتفاقية، وسبل تقييم فعالية الاتفاقية وتحضير الدلائل التقنية المتعلقة بمختلف الجوانب التقنية لتطبيق الاتفاقية ووضع الجردة الوطنية والإبلاغ وتطبيق أفضل التقنيات المتاحة والممارسات البيئية الأفضل، وكذلك شروط التخزين المؤقت الآمن للزئبق، ومعايير تحديد النفايات التي تحتوي على زئبق، وإدارة نفايات الزئبق والنفايات المحتوية على الزئبق أو الملوثة بالزئبق، وكذلك معالجة المواقع الملوثة. من أهم القضايا التي تناولها الإجتماع آليات مراقبة التداول التجاري بالزئبق وضوابطه، وآليات الإبلاغ والتقرير ومكافحة الإتجار غير المشروع.
معظم مشاريع القرارات التي سيبحثها المؤتمر الأول للاتفاقية قد أصبحت جاهزة للإقرار، ولا يزال النقاش دائرا حول عدد آخر، ولا سيما مسألة البلد المضيف للسكرتارية الدائمة للاتفاقية، حيث تقدمت سويسرا بعرض لهذا الأمر. ويبدو أن اليابان راغبة بذلك أيضا، وهي بلد المدينة التي تحمل إسمها الاتفاقية تكريما لضحايا التسمم بالزئبق في مدينة ميناماتا اليابانية، في حادثة التسمم الجماعي التي صدمت العالم في شهر أيار (مايو) من العام 1956. ولا تزال أعراض هذا التسمم تحمل إسم “مرض ميناماتا” Minamata disease. ويظهر أيضا أن تايلاند، البلد المضيف للإجتماع الاستشاري لآسيا والباسفيك وللعديد من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات الدولية في مركز الأمم المتحدة للمؤتمرات في بانكوك، مرشحة أيضا لاستضافة السكرتاريا الدائمة.
وتبقى القضايا المالية وآليات الدعم المالي وشروطه موضوعا مستمرا للنقاش والبحث عن توافقات عالمية بشأنه ترضي كل الأطراف المانحة والمستفيدة على السواء.
ندعو الحكومة اللبنانية، بكل وزاراتها المعنية، للقيام بكل ما يلزم من إجراءات التحضير لتطبيق هذه الاتفاقية، التي ستدخل حيز التنفيذ يوم 16 آب (أغسطس) القادم، خصوصا أن هناك لائحة من المنتجات التي تحتوي على الزئبق ستصبح ممنوعة من الإنتاج والاستعمال والتداول التجاري بها في العام 2020، وهذا الأمر له تبعات اقتصادية هامة، عند المستوردين والمستهلكين والمستعملين على السواء، لا بد من التحضر لاستيعابها.