تفوق كميّة الأشجار على كوكب الأرض، عدد النجوم في مجرة درب التبانة. وبينما تشير دراسة أجريت إستناداً إلى الأقمار الصناعية ونشرت مؤخراً، أن عدد الأشجار يبلغ قرابة 3 تريليونات شجرة، أي بمعدل 400 شجرة لكل شخص، إلا أن الكوكب الأخضر يفقد أكثر من 15 ملياراً منها كل عام، أي بمعدل 56 فداناً من الغابات كل دقيقة.
هذه المعلومات ليست جديدة، فالخطر المحدق بالغابات والأشجار، لأسباب متعددة بشرية وبيئية، شكّل محور الأبحاث العلمية في السنوات الأخيرة، بسبب تضاؤل المساحة الخضراء بشكل كبير.
الجديد في الأمر، ما توصّلت إليه الدراسة التي أعدها برنامج الإفصاح عن إنبعاثات الكربون، أن نحو 906 مليارات دولار من عائدات الشركات، مازالت مرتبطة بإزالة الغابات في العالم، على الرغم من التقدم الحاصل في هذا الصدد.
فبعد ان كانت الغابات تغطي في الأصل، 30 في المائة من مساحة اليابسة، على سطح كوكب الأرض، باتت تقطع بسرعة كبيرة لأغراض مختلفة، منها تفريغ مساحات لإتاحة توسّع المدن، أو زرع العشب لتأكله الماشية، أما الأشجار المقطوعة، فتباع لكي تُصنع منها أوراق الكتابة والطباعة، أو أثاث منزلي متنوّع.
كما تظهر الدراسة أن نحو ربع عائدات الشركات، يعتمد على سلع ذات صلة بعملية إزالة الغابات، مثل منتجات الماشية، فول الصويا، زيت النخيل ومنتجات الأخشاب. وتم التوصّل إلى هذه النتيجة إستناداً إلى معلومات كشفها 365 مستثمراً في أعمال تصل قيمتها إلى نحو 22 تريليون دولار.
زراعة الصويا
الأمثلة على ذلك عديدة، فشركة كارغيل التي تتخد من الولايات المتحدة الأميركية مقراً لها، تعمد إلى إحراق وقطع مساحات شاسعة من الغابات المطيرة، من أجل التحضير لزاعة الصويا.
ويقول الخبراء إن معظم أنشطة قطع الأشجار تجري لتهيئة الأراضي لزراعة المحاصيل، الامر الذي يشكّل حلقة مفرغة من خلال زيادة درجة حرارة الأرض وخفض الإنتاج الغذائي في المزارع، وهو ما يجبر المزارعين على قطع المزيد من الأشجار لزراعة الأرض.
وكانت الدراسات الاخيرة التي أوردتها دورية تغير مناخ الطبيعة في العامين الماضيين، قد أشارت إلى أن استمرار عملية قطع الغابات بمعدلاتها الحالية في المنطقة المطيرة في الأمازون، فإن محصول فول الصويا الذي تنتجه المنطقة قد يتراجع بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2050 .
ألعمليات الزراعية ليست بريئة من إقتطاع الأشجار، فتشير الدراسات إلى أن العقود الماضية شهدت تدمير عدة أميال من أراضي الغابات المطيرة تقدر بالآلاف، بغرض تسوية مسطحها وتمهيده حتى يصير صالحاً للزراعة، وبعد أن كان الأمر في السابق مقتصراً على فقراء المزراعين، إنتبهت المؤسسات الاستثمارية أيضاً إلى هذه الغابات، وتوسعت في عمليات التدمير، وخلال السنوات الأخيرة قامت بإخلاء مئات الأميال من الأشجار في غابات الأمازون لاستغلالها في زراعة فول الصويا.
17 شجرة للطن
في مقلب آخر، إن نسبة إستهلاك الورق في العالم العربي، قد تعطي فكرة واضحة عن إقتطاع الأشجار، فمتوسط حصة الفرد من إستهلاك الورق سنوياً في الدول العربية، يبلغ حوالى 13,5 كيلوغراماً، يستهلك منها لبنان 11كيلو سنوياً، بينما يحتاج إنتاج طن من الورق إلى قطع 17 شجرة!
في الإطار نفسه، تأتي أعمال الإحتطاب على رأس قائمة الأسباب التي جعلت إنقراض الغابات المطيرة إحتمالاً قائماً، فالأخشاب التي تتم الإستعانة بها في صناعات الأثاث المنزلي والأرضيات وغيرها من الإستخدامات العديدة، نسبة كبيرة منها يتم تأمينها، عن طريق قطع أشجار الغابات المطيرة وتقسيم أخشابها إلى ألواح. وقد وصلت معدلات قطع الأشجار إلى أرقام عالية جداً، مع التضخم السكاني حول العالم، بمعدل هكتار في كل ثانية. مما يعني أن غابة مساحتها تعادل مساحة مدينة طوكيو اليابانية، يقطع منها كل يوم 250 كم مربع تقريبا، وهذا يساوي مساحة 320 ألف كم مربع في العام.
زيادة الطلب
بالعودة إلى الدراسة، فقد عرضت رئيسة وحدة الغابات في برنامج الإفصاح عن إنبعاثات الكربون، كاتي ماكوي، تفاصيلها، مشددة على أن ما تم التوصل إليه عام 2016 يتعلق بشكل مباشر بالتأثير على عملية الإحترار المناخي، لأن نسبة كبيرة جداً من دخل الشركات، تعتمد على سلع ذات صلة بمخاطر إزالة الغابات. وعندما أجريت الدراسة، كانت النتيجة أن متوسط ربع العائدات يعتمد على تلك السلع.
في هذا الاطار، أوضح تقرير “مؤشرات التنمية في العالم 2016″، أن العالم فقد نحو 1.3 مليون كيلومتر مربع من الغابات، منذ العام 1990، أي ما يعادل مساحة تزيد على مساحة دولة جنوب إفريقيا. وأن ما تبقى من غابات، يغطي ثلث اليابسة على الأرض. وهذا يعني أنه منذ العام 1990 كان العالم يفقد مساحة من الغابات تقدر بحوالى 1000 ملعب كرة قدم كل ساعة. وأن مساحة الغابات على الأرض في بداية القرن 20، بلغت 50 مليون كيلومتر مربع، قبل أن تنحسر إلى 40 مليوناً جراء الطلب على الأشجار والأوراق، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الأراضي الصالحة للزراعة.
رسائل للشركات
وبالإستناد إلى تلك التقديرات، وجّهت ماكوي في دراستها الأخيرة، رسائل متعددة الإتجاهات للشركات، كي تتعامل بجدية مع قضية إزالة الغابات، بوصفها مصدراً لتوريد الخامات لها، على أن يكون تأثير هذا الأمر إيجابياً في تحقيق الإيرادات. واعتبرت أن تلك الشركات تغفل عن تأثير إزالة الغابات، في سبيل تحقيق النمو. وأن نحو ثلث الشركات لا يناقش هذه القضية على مستوى إجتماعات مجالس إداراته.
ومن أجل ضمان حسن إستغلال الفرص وتقليل الخسائر بقدر الإمكان، طالبت الشركات بالتفاعل بصورة ذات مغزى أكثر، مع مصادر التوريد. ومناقشة مخاطر إزالة الغابات، في غرف الإجتماعات. واعتبرت أن هذا الأمر سيساعد في تطوير نموذج طويل الأجل للقضية، مما يجعلها أكثر استدامة. وأكدت بالتالي، أن زيادة مستويات الشفافية والإفصاح عن مصادر توريد الشركات، سيكون مفيداً.
وفي حين أملت ماكوي في أن يتحرك عالم الشركات في الإتجاه الصحيح، أشارت إلى أن الدراسة التي أعدها برنامج الإفصاح عن إنبعاثات الكربون، توصّلت إلى أن المؤشرات التنظيمية في إتفاقيات بارزة مثل إتفاقية باريس للمناخ، تجعل الحد من الإنبعاثات في الأنشطة الإقتصادية والمالية؛ وكذلك، إقتصاد ما بعد عام 2020، يعتمد بشكل كبير، على طرق مغايرة بعيدة تماماً عن إزالة الغابات.
وبفضل الجهود المستمرة في هذا المجال، أشارت ماكوي، إلى أنه منذ عام 2016، أظهر حوالى 20 في المائة من المستثمرين، إهتماماً في القضية. وأعربت عن تفاؤلها بشأن اهتمام الكثير من الشركات، بقيمة القضية وشفافيتها في كيفية التصدي لها.