هل يجد المسؤولون في لبنان، رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة، والحكومة بوزرائها كلهم، والمسؤولون الكبار في إدارات الدولة ومؤسساتها، متسعا من الوقت، أو حيزا من الإنتباه ليصغوا إلى صرخة أمهات لبنان: “صحتنا وصحة ولادنا خط أحمر”؟
أم أنهم في موقع المسؤولية ولا يريدون أن يتحملوا تبعات سياساتهم واستراتيجياتهم وخططهم وممارساتهم، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من خراب بيئي شامل، ومن تهديدات صحية وصلت إلى حد الإنهيار الكبير للأمان الصحي لشعب لبنان ولكل المقيمين فيه؟
ففي مجال تأمين الطاقة الكهربائية للشعب اللبناني وتلبية حاجاته المنزلية وحاجات القطاعات الاقتصادية بكل تنوعها، ماذا فعلتم منذ 27 عاما على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان؟
أنتم تركتم لبنان وشعبه في العتمة، وقطاعاته الاقتصادية أمام تحدي توفير الطاقة بأعلى كلفة مقارنة مع كل بلدان المنطقة، وهذا ما ينعكس سلبا على القدرات التنافسية لكل قطاعات الإقتصاد الوطني، ويفاقم في أزمة البلد متعددة الوجوه والأبعاد.
أنتم تخليتم عن مسؤولياتكم بتطوير استراتيجية إنتاج الكهرباء ونقلها وتوزيعها، كما تفعل كل بلدان العالم التي تحترم نفسها، بما فيها البلدان النامية والفقيرة. فهذه هي مصر، التي تئن تحت صعوبات اقتصادية كبيرة، تضع وتنفذ خططا عملاقة في إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، وتعمل على تنويعها من مصادر نظيفة ومتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وترسم الاستراتيجيات القصيرة والمتوسطة وبعيدة المدى لقطاع الطاقة، ولا تر في كل أنحاء مصر مولدا واحدا يقض مضاجع سكان أحياء المدن أو القرى أو المزارع.
أنتم استبدلتم هذه المسؤولية، التي تضطلع بها كل حكومات العالم، بترك شعبكم ضحية سائبة تنهش بها مافيات المولدات، وتتحكم بساعات التغذية وأسعار الطاقة، المتقطعة من حين لحين، مع كل ما يترافق ذلك من قلق وإزعاج وإضرار لمصالح الناس.
أنتم بتخليكم عن مسؤولياتكم بإنتاج ما يحتاجه لبنان من طاقة، تركتم مافيا المولدات تزرع الأحياء في البلدات والقرى والمدن تلويثا خطيرا لهواء البيئات السكنية، وتبث سمومها المسرطنة والمسببة للعديد من الأمراض المزمنة على مقربة من غرف نوم الأطفال والرضع والأمهات الحوامل والمرضى وكبار السن.
ماذا فعلتم على مدى 27 عاما لقطاع النقل؟ فلا تزال الخطة الوطنية للنقل العام، المرمية في أدوار وزارة الأشغال والنقل منذ أكثر من عقد ونيف من الزمن، لم تبصر النور، لا على مستوى التشريع، ولا على مستوى الخطط التطبيقية، ولا على مستوى الممارسة. فماذا تكون نتيجة فوضى قطاع النقل وانعكاساتها على صحة المواطنين؟
في ظل غياب النقل العام في عاصمة لبنان ومدنه وما بين المدن والمناطق، يتزايد عدد الآليات بشكل مضطرد لكي تختنق بها شوارع وطرقات كل البلد. ماذا ينتج عن هذه الواقع المرير؟ إضافة لكل التبعات الاقتصادية لواقع أزمات السير، وهدر الوقت المرافق له، تتزايد نسب تلوث الهواء في المدن والمجمعات السكنية مئات المرات، وبالنسبة لبعض المؤشرات عالية الخطورة على الصحة العامة والمسببة لأمراض خطيرة، مثل الجسيمات الصغيرة ومتناهية الصغر، والمركبات العطرية متعددة الحلقات، أمراض سرطانية ومزمنة أخرى، تزايدت هذه المؤشرات ألوف المرات مقارنة بالسنوات السابقة.
ماذا فعلتم في تنظيم قطاع المقالع والكسارات والمرامل؟ ولماذا تتجاوزون في الممارسة قواعد تنظيم هذا القطاع، التي نص عليها مرسوم إنشاء المجلس الأعلى للمقالع والكسارات والمرامل؟ وهل بتعميم “المهل الإدارية” والإلتفاف على الأنظمة القانونية، يدار هذا القطاع لصالح التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية؟ أم أنه يستجيب لمصالح بعض الفئات والمستفيدين والفاسدين داخل الإدارة وخارجها، على حساب بيئة لبنان، وطبيعة لبنان، وغابات وأحراج لبنان، وصحة اللبنانيين في كل المناطق.
أنتم مسؤولون عن ما أدت إليه سياساتكم وممارساتكم في موقع القيادة في مختلف قطاعات وإدارات ووزارات لبنان، من تدهور خطير، تجاوز الخطوط الحمر في مجال الأمان الصحي والبيئي، ورفاه عيش اللبنانيين.
ماذا فعلتم في قطاع الصرف الصحي في لبنان؟ هدرتم مئات ملايين الدولارات في شبكات تصب في البحر أو الأنهر، وهذا نهر الليطاني وبحيرة القرعون شاهدا ونموذجا لكارثة تلوث وطني للثروة المائية، وفي محطات لا تعمل، أو أنكم لم توفروا لها شروط التشغيل المستدام. وتركتم ملايين الأمتار المكعبة من المياه المبتذلة، المنزلية والصناعية، تصب دون معالجة في البحر وفي الأنهر والطبيعة، فتحيلها أوساطا ملوثة، تشكل خطرا على صحة المواطنين، ومصدرا لتلويث السلسلة الغذائية، ومسببة للأمراض بكل أشكالها ومستويات خطورتها.
نحن معكم يا أمهات لبنان، في صرختكم المدوية: “صحتنا وصحة أولادنا خط أحمر”. فهل يسمع المسؤولون؟ وهل إذا سمعوا يستجيبون؟