يصبً تنشيط القطاعات الصحية المتعددة الإتجاهات من أطباء، صيادلة، ممرضات ومستشفيات، في أساس دعم الصناعة الصحيّة في لبنان، لتأمين خدمة أفضل للمرضى ولإعادة لبنان إلى الواجهة الأساسية الطبية في الشرق الاوسط.
في حديث لـ greenarea، يشير وزير الصحة غسان حاصباني إلى أن “لبنان احتلّ المرتبة الأولى في جودة الخدمات الصحية، في البلدان العربية”. ويشدّد على أهمية تزويد الناس برقم 1214 للاتصال ومعرفة وجهة المستشفى الأقرب والأفضل لعلاج الحالات الصحية الطارئة.
لكن المشكلة الابرز، التي توقفت عندها المستشفيات، ليست فقط التأخر في دفع المستحقات، إنما الاعتداءات المتكررة على العاملين الصحيين في اقسام الطوارىء. وهذا يؤخر العمل الاستشفائي الواقع تحت التهديد المستمر.
أمام هذا الواقع الصحي الدقيق، كيف ستترجم الصناعة الصحية تنافسها مع الخارج؟
حاصباني
يرى وزير الصحة غسان حاصباني: “أن الصناعة الصحية تعني كل ما يتعلق بالاستشفاء، بدءأً من الدواء والتمريض وشركات التأمين؛ وصولاً إلى الصحة العامة. لذلك، نحاول تسليط الضوء وإطلاق استراتيجيات جديدة لتأمين الإستشفاء الكامل لكل الناس، خصوصاً من ليس لديه تغطية صحية، من خلال تعزيز البطاقة الإستشفائية، التي تشكّل الركيزة الأساسية للقطاع الإستشفائي. فضلاً عن أن الصناعة الصحية متقدمة في لبنان، من ناحية نوعية الأطباء والمؤسسات الإستشفائية، على الرغم من تواجد بعض الشوائب التي نعمل على تحسينها”.
ويؤكد أن “وزارة الصحة هي من أبرز الداعمين للصناعة الصحية. وقد سجّلت المؤشرات الأخيرة، التي صدرت منذ حوالى شهرين، أن لبنان إحتل المرتبة الأولى من بين أهم الدول العربية. والمرتبة 32 عالمياً، في جودة الخدمات الصحية. فالصناعة الصحية لا تتوقف فقط على نوعية الخدمات الصحية، بل تطال دراسة كيفية إستقطاب الإستثمارات الخاصة والعامة. وتطوير التكنولوجيا، لتحسين التغطية الإستشفائية، من ناحية الأكلاف. ومتابعة الملفات الصحية للمرضى الكترونياً”.
يضيف: صار بإمكان الطبيب المعالج، أن يطلع على الملفات ساعة ما يشاء، فضلاً عن تطوير المراكز الصحية في المناطق النائية؛ وبناء شبكة رعاية صحية أولية متكاملة، على كل الأراضي اللبنانية، تؤمن الفحوصات المجانية والعلاجات الإستباقية والتوعية وتوجيه الناس اليها، لتشكّل مدخلاً للإستشفاء المجاني على حساب وزارة الصحة”.
يتابع حاصباني: “في المبدأ، نحن مع التعاضد الاجتماعي. وعندما تكون لدينا مراكز رعاية صحية أولية، لن نحتاج إلى العمليات الجراحية ودخول المستشفيات. بالتالي، نخفض الكلفة المادية. كما أن التمويل مصدره البنك الدولي ومؤسسات أخرى. جميعها تساعد القطاع الإستشفائي على تطوير نفسه. وأن يقدم الافضل في الخدمات الصحية للمجتمع. ومن جهة أخرى، ما تقدمه الدولة من خدمات صحية، يبقى قليل، مقارنة مع بقية الدول. وسبب ذلك العجز في الميزانية. وفي حال تمت معالجة جزء صغير من العجز، تعالج المشاكل في القطاع الصحي والإستشفائي”.
ويشير حاصباني إلى إن: “في لبنان 700 ألف شخص يدخلون سنوياً إلى المستشفيات. أقل من 50 في المائة منهم، لديه مشاكل صحية، بعضها أخطاء طبية وغير ذلك من المشاكل صحية غير الصحيحة. كما يدخل على حساب وزارة الصحة 100 ألف مريض للمعالجة والإستشفاء الكامل، من دون أن يواجهوا أي مشاكل في تأمين التغطية الصحية الكاملة لهم. حيث يدخل المريض بعد ثلاثة أيام من إتمام تحضير أوراقه للمعالجة الإستشفائية. على عكس ما هو عليه الحال في بريطانيا، إذ ينتظر المريض من ثلاثة إلى أربعة اشهر، قبل أن يدخل إلى المستشفى للمعالجة. فنحن في لبنان من البلدان الأسرع في تلبية العلاج الاستشفائي. ووزارة الصحة، تعالج المرضى في المستشفيات الخاصة والعامة. ولدينا أسرة كافية للمعالجة. كما نعتمد الإستراتيجيات الجديدة في دعم العمليات الجراحية النهارية، لأن هناك مرضى يدخلون المستشفى من دون أي سبب طارىء. وهذا يجب ضبطه، لأنهم يأخذون مكان مرضى آخرين هم في أمس الحاجة إليها. أما تعريف المواطن على ضرورة الإتصال بالرقم 1214، فهو لتوجيهه إلى أي مستشفى عليه الذهاب في الحالات الطارئة، تكون الأقرب له وتتوفر فيها أسرة خالية، لأننا لا نريد للناس أن تستعين بالمحسوبية السياسية، للدخول إلى المستشفى، بل تدخل بكرامتها وتحصلعلى العلاج”.
الصايغ: تعزيز الثقة
ويشدد نقيب الأطباء ريمون الصايغ، على عامل الثقة ويقول: “رغم المشاكل التي يواجهها الأطباء في القطاع الطبي، التي تختلف من طبيب إلى آخر، فهذا لا يعني أن المستوى الطبي هابط، بل على العكس، مازال محافظاً على مستواه الطبي العالي. فالطبيب يشكل العنصر الأساسي في الصناعة الصحية، كمرجع علمي طبي موثوق به. ومازالت لدينا الكفاءات العالية. والأهم تعزيز الثقة بين الطبيب ومريضه، من خلال محافظة الطبيب على مستواه العلمي. ويجب أن يكون دائماً متابعاً ويخضع لدورات تدريبية مستمرة”.
سيلي: “مش شايفينا”
لكن موقفاً حاداً أعلنه نقيب الصيادلة، جورج سيلي، بقوله: “من الآخر، أقول إن وزارة الصحة [مش شايفتنا] في مكان ما. وأنا مسؤول عن كلامي، لأن من المفروض أن تغير الوزارة سياستها تجاه الصيادلة، من ناحية وجهة نظرها للصيدلي، الذي مازالت ترى دوره على هامش القطاع الصحي. والمشكلة نفسها مع الاطباء، الذين لا يعرفون أن الصيدلي هو نصف علاج المريض في مداواته. وأن المنظومة الصحية مؤلفة من ثلاثة عناصر أساسية: الطبيب، الصيدلي والممرض. كما أن الدولة اللبنانية لا تنظر بعين الصواب للصيدلي، فكيف يمكن تحقيق نظام صحي سليم؟”.
يتابع سيلي: “بكل أسف، يتعامل المعنيون بالصحة، مع الدواء فقط، بتخفيض سعره لتخفيض كلفة الفاتورة الصحية. وهذا خطأ كبير. وأكبر دليل على ذلك، أنهم سنة 2013 ، خفضوا سعر الدواء، لكنهم فشلوا في خفض الفاتورة الصحية، التي مازالت مرتفعة. وحده الصيدلي دفع الثمن لهذا المنطق الخاطئ. مع العلم أن كلفة الفاتورة الصحية، ناتجة عن الممارسة غير السليمة في لبنان، بوصف الدواء والإستهلاك غير العقلاني له. فإذا لم تعطى للصيدلي الصلاحيات، مثل الدول في الخارج، كالصيدلي السريري، فلا علاج لكلفة الفاتورة الصحية. لكن بكل أسف، تركوا تاجر الدواء وضربوا الصيدلي، صاحب المهنة. علماً أنه يجب التركيز على الدور الرشيد للصيدلي، الذي يشكل 50 في المائة من العلاج، في الحد من الإستهلاك العشوائي للدواء”.
يضيف: “المهم، دعم برنامج صحي دوائي وتعزيز صلاحيات الصيدلي، بقرار صادر عن وزير الصحة، حاصباني. لأننا مانزال نمارس مهنتنا كما هو الحال سنة 1950، باستنثناء الصيادلة العاملين في المستشفيات، الذين يواكبون التطور العلمي بشكل دائم. علماً أنهم مقارنة مع دول الخارج، هم أيضاً غير مواكبين للتطور كما يجب، لأن النظام الصحي لدينا، مازال متخلفاً. من هنا، نطالب بتعزيز وإدخال الصيدلة السريرية في المهنة. مع أهمية العمل على برامج التدقيق في الفاتورة الدوائية والوصفات الطبية، كون الصيدلي اليوم، لا يمارس عمله كصيدلي، بل يقوم بدور الطبيب في وصف الأدوية للناس. وهناك أطباء يعملون كصيادلة، لذا يشهد أن في القطاع الصحي فلتان. وقد طالبنا بأن نسترد جهاز التفتيش، الذي أخذ منّا منذ 3 سنوات. فبحسب رأيهم، ممنوع على نقابة الصيادلة أن تقوم بالتفتيش عن المخالفات الدوائية”.
أبي كرم
وتدعو نقيبة مصانع الأدوية في لبنان، الدكتورة كارول أبي كرم لأن يكون: “من ضمن إستراتيجية وزارة الصحة، دعم قطاع صناعة الدواء، على مدى خمس سنوات مقبلة، لأن صناعة الدواء باتت من الركائز الهامة في النظام الصحي اللبناني. كما أن الصناعة الصحية في لبنان، لم تعد خياراً بل ضرورة أساسية لنؤمن الدواء والأمن الدوائي في لبنان للجميع، بما فيه الأمراض المزمنة، لأن صناعة الدواء بدأت العمل على علاج دوائي للامراض المستعصية، كالسرطان. عدا أن التكنولوجيا الحيوية، مهمة ولها دور أساسي في القطاع الصحي في لبنان، خصوصاً أننا اليوم ننقل صناعة التكنولوجيا عبر صناعة الدواء، فنساهم مباشرة بهذه الطريقة، في رفع مستوى القطاع الصحي. وتتوجه الأنظار اليوم إلى المختبرات الدوائية العالمية، المهتمة بهذا المجال، لأن للصناعة الصحية أهميتها في بناء مجتمع سليم. وصناعة الدواء ركن أساسي في المجتمع، لخلق فرص عمل تساهم في تطور البلد”.
وترى ابي كرم، أن “من يشكك في صناعة الدواء، يجهل حقيقة هذه الصناعة المدعومة اليوم بقوة من الدولة. وكذلك، من الأمم المتحدة. ويجب أن نتكاتف جميعاً، في كل القطاعات الصحية، لإعادة لبنان إلى ما كان عليه على الخارطة الصحية. فإذا كانت الدول العربية لا تقبل بالدواء اللبناني، لانها تخاف من المزاحمة. إلا أننا في المقابل، نحن الأقوى، لأن أبوابنا مشرعة أمام الإستيراد. كما لدى صناعتنا الدوائية قدرات وكفاءات بشرية لا يجب الاستهان بها. بل يجب الإستفادة منها لتخفيف كلفة الفاتورة الدوائية وإيجاد فرص عمل للشباب، وقف الهجرة والتركيز أكثر على تصدير الدواء اللبناني إلى دول الخارج، مع أهمية إعادة صياغة بعض القوانين لإيجاد توازن بين الدواء المستورد والدواء المصنع محلياً. فنحن لا نريد الغاء أحد، بل نريد أن نحصل على حقنا. ووزير الصحة حاصباني، إستطاع في إتفاقية مع مصر، إدخال الدواء اللبناني إلى مصر قريباً. والمهم خلق حوافز لدعم الصناعة الدوائية في لبنان”.
هارون : الإعتداء على المستشفيات
ويعرب نقيب أصحاب المستشفيات، سليمان هارون، عن حزنه الشديد ما تتعرض له أقسام الطوارئ في المستشفيات، من إعتداءات تزيد من شلل العمل الإستشفائي. ويقول: “الإستشفاء جزء أساسي من الصناعة الصحية. لكن هناك معاناة من إستقبال المرضى على حساب الأجهزة الضامنة الرسمية، نتيجة المشاكل المادية. على عكس ما هو عليه الحال عند الأجهزة الضامنة الخاصة، التي تؤمن بإستمرار مستحقاتها. كما نواجه صعوبات وتقصيراً في تقديم الخدمات الاستشفائية، في غرف العناية الفائقة، نتيجة نقص الموارد المالية. عدا عن النقص في الموارد البشرية، كالتمريض، الذي يتطلب عدداً أكبر من الممرضين، من الأسرّة العادية، أي تقريباً أربع مرات زيادة. وهذا غير متوفر، لذا لا نستطيع تلبية جميع الطلبات الإستشفائية في العناية الفائقة, كما أن أقسام الطوارئ تواجه صعوبات اليوم، لعدم توفر عناصر بشرية تعمل في الطوارئ، نظراً للمشاكل الاخيرة التي واجهتنا، من إعتداءات متكررة على أقسام الطوارئ، في عدد من المستشفيات، خصوصاً في الليل، لأن لا شيء يضمن حيات هؤلاء العاملين. على سبيل المثال، ما حصل في قسم الطوارئ في مستشفى بحنس، حيث اعتدي على العامل في قسم الطوارئ وأصيب بكسر في عظمة عينه، عدا عن إهانة الممرضات. فكيف نستطيع بعد اليوم أن نقنع أي ممرض بالعمل في قسم الطوارئ”.
يزبك : تأهيل الممرض
وتشدد نقيبة الممرضات والممرضين، نهاد يزبك، على أهمية التأهيل العلمي للممرضات والممرضين. وتقول: “كنقابة ممرضات وممرضين، بدأنا بطريقة علمية مسح حاجاتهم ومدى إستعدادهم، ليس فقط للعناية التمريضية الروتينية وتحسين نوعيتها، بل أيضاً، لمدى إستعدادهم للتجاوب في الحالات الطارئة والحاجات الصحية غير المألوفة والصعبة، في الوقت نفسه. وإلى أي مدى يمكن إستقطاب السياحة الصحية، بالنسبة للممرضات والممرضين. فمن المعروف أن الممرض والممرضة اللبنانيين، مطلوبون ومرغوبون في الخارج، نظراً لنوعية العناية التي يقدمونها والمرتكزة على معلوماتهم الجيدة ومهارتهم وكفاءتهم. من هنا، يجب تفعيل هذه السمعة الجيدة في لبنان، للمحافظة على هذا المستوى التمريضي العالي. فصحيح أن الطبيب يعاين المريض، إلا أن الذي يقف في الخط الامامي، على تماس مباشر مع المرضى، يساعدهم ويوجههم، هو الممرض أو الممرضة. فمهنة التمريض تعتبر العمود الفقري للخدمات الصحية، في القطاع الصحي. وإذا لم تلق هذه المهنة الإهتمام المناسب من قبل المعنيين، فأي مشروع صحي يقام لن ينجح”.
تضيف: “نحن كنقابة ممرضات وممرضين وبرعاية وزارة الصحة، بالتعاون مع نقابة المستشفيات، أطلقنا البرنامج الوطني لبناء القدرات التمريضية. لكن بكل أسف، ليس لدينا تمويل. ولو كان هناك تمويل، لعملنا على تطوير مهنة التمريض، من خلال تقديم منح أكثر، نستقطب فيها طلاب تمريض وتدريب وتأهيل وبناء قدرات تمريضية. ليس فقط عند الممرضات اللواتي يعملن في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، إنما أيضاً، في الكادر التمريضي في الإدارة، حيث نبحث لهن عن تمويل لتأمين التدريب المستمر بالوسائل الحديثة. خصوصاً أن التعليم المهني التمريضي، في أغلبيته ليس بالمستوى المطلوب. لذلك، يجب أن نضغط بقوة على أصحاب القرار، بألا يتصرفوا عشوائياً في مهنة التمريض، من دون الإلتزام بالأبحاث العلمية والتدريب، فتخريج ممرضين وممرضات بعد سنتين، غير كاف. وإلا يكون الممرض كالقنبلة الموقوتة في الجسم الطبي. وبالتالي تقع أخطاء طبية. وإذا شئنا الحد من الأخطاء الطبية، يجب تطوير مهنة التمريض عدداً ونوعاً. وقد طلبنا من وزير الصحة تشكيل لجنة وطنية، مؤلفة من وزارة الصحة والنقابات الصحية وعلى رأسها نقابة التمريض، لنشجع الشباب والشابات على اختيار مهنة التمريض، لتحسين العمل التمريضي، بدءاً من إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لأننا نحتاج إلى ممرضة لكل خمسة مرضى، في الطوابق المفتوحة. وإلى ممرض أو ممرضين، في العناية الفائقة. وممرضة لكل ثلاثة أطفال، في قسم المرضى، كي يلبوا إحتياجاتهم”.