بين الألم والأمل إرادة حياة وبقاء، تحيط بمعاناة مرضى السرطان. ومع التقدم الطبي والعلاجات الحديثة، التي تشهد تطوراً مستمراً، أقله لتأمين الشفاء لهم، بنسبة عالية تصل في بعض الأحيان إلى100 في المائة، تبقى مرحلة العلاج الصعبة، التي ترافق العلاج الكيميائي، نتيجة صعوبة تقبله، نظراً لمضاعفاته وأبرزها التقيوء والغثيان، على الرغم من إيجاد أدوية تحد منها، مرحلة بحاجة إلى تعامل من نوع خاص.
فمريض السرطان، بحاجة إلى دعم نفسي ومعنوي، لكي يتخطى أزمة مرضه بسلام. حسب ما تؤكده الدراسات العلمية. لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يلعب الطبيب المختص بالسرطان، دور المعالج النفسي، في وقت واحد، فيساعد مريضه على تخطي مرحلته الصعبة؟
الإكتشاف المبكر
يتحدث الإختصاصي في طب السرطان والدم، الدكتور بيار ناصيف خوري، خريج جامعة هيوستن، لـ greenarea.info، عن جديد العلاجات المتطورة للشفاء من السرطان. ويرى أن الأهم بالنسبة له، هو الإكتشاف المبكر للمرض، لتكون نسبة الشفاء مرتفعة. ويقول: مرض السرطان لم يزداد، بل بتنا نسمع عنه أكثر، نظراً لسرعة إكتشافه، في ظل تطور آليات الكشف عن المرض، من خلال أخذ الخزعات التي تحدد وضعية إنتشار المرض. وبالتالي، بتنا نعرف بتحديد أكثر، كيف نعالج السرطان. مع التشديد على أنه كلما كان علاج المرض في بدايته، كلما كان ذلك أكثر نفعاً وفاعلية. على سبيل المثال، منذ 30 سنة، لم يكن هناك تصوير إشعاعي للثدي، فكان الإعتماد على ظهور الورم السرطاني، بعد أن ينتشر المرض في الجسد. أما اليوم، في ظل الإكتشاف المبكر والتصوير المتطور للثدي، صار بالإمكان الكشف عن الداء في بدايته، ليكون العلاج مضموناً. إنما الأهم ألا يفقد المريض الأمل في الشفاء، في ظل وجود أدوية حديثة. وألا يخاف أيضاً، من العلاج، لان الشفاء بات مضموناً. وفي حال حصول مضاعفات من الأدوية، يكون السبب تطور المرض وليس الأدوية نفسها.
ويشير الدكتور خوري، إلى أبرز العلاجات للامراض السرطانية، كالعلاج المناعي، الذي يقوي مناعة الجسم ضد السرطان، العلاج الموجه، الذي يستهدف الخلايا السرطانية، بأدوية تستهدف المركز المحدد للسرطان، لكن الأهم من العلاج، هو اكتشاف السرطان في بدايته، لكي تكون نسبة الشفاء عالية، خصوصاً بعدما تبين أن للعلاجات المناعية الجديدة، دوراً فعالاً في إطالة عمر المريض المصاب بالسرطان، من دون أي مضاعفات، كما هو الحال عند العلاج الكيميائي. فعلى سبيل المثال، مريض سرطان الرئة، كان يعيش 18 شهراً مع العلاج التقليدي المتبع للسرطان. أما اليوم، مع العلاج الحديث المناعي المتطور، بات يعيش 5 سنوات وأكثر .لذا، يرجح مستقبلاً، أن يعتمد العلاج الحديث على العلاج المزدوج الكيميائي والمناعي معاً.
ويلفت الدكتور خوري، إلى أن العلاج المناعي إكتشف حديثاً، أي منذ حوالى ثلاث سنوات. لكنه ليس العلاج الأساسي لمرض السرطان، فنحن لم نعرف بعد مضاعفاته على الجسم، على عكس العلاج الكيميائي، الذي مازال الإساس في علاج السرطان، كونه جاء نتيجة 15 إلى 20 سنة من الدراسات العلمية، التي أثبتت فعاليته. لذلك، يحتاج العلاج المناعي للإختبار نفسه، للتأكد من فعاليته، لأننا لم نعرف بعد تداعياته المستقبلية على صحة المريض.
ويتوقف الدكتور خوري عند أهمية تعزيزالثقة بين المريض وطبيبه. ويقول: إنطلاقا من مبدأ إن الإنسان حر في تقرير مصيره، تقوم حالياً في أميركا، جلسات مصارحة مع مريض السرطان، حول الخيارات الطبية المناسبة للعلاج، بعد أن تشرح له التفاصيل العلاجية. إلا أن الأهم في ذلك، هو تعزيز الثقة بين المريض والطبيب، لأن المريض عندما يصاب بالسرطان، يتنقل من طبيب إلى آخر، كأنه يتسوق في إختيار الأطباء. وتبين لنا، أن المريض يريد أن يسمع ما يريده وليس ما يقوله له الطبيب، عن العلاج المناسب لحالته المرضية. مع العلم، أن من المهم إختيار الطبيب المختص بالسرطان، حسب واقع المريض، مع الأخذ بعين الإعتبار العمر، الذي يلعب دوراً أساسيا في العلاج. فعلى سبيل المثال، إذا كان المريض متقدماً في السن، أي في عمر80 سنة، فهو لا يستطيع تحمل العلاجات الكيميائية القوية، بل يعطى جلسات خفيفة. على عكس المريض في عمر الخمسين سنة، الذي تكون مناعته قادرة على تحمل الجلسات الكيميائية. ومن الضروري معرفة أنه أصبحت لدينا أدوية للحد من مضاعفات العلاج الكيميائي، كالتقيوء، فأقل من 50 في المائة من المرضى، تخطوا هذه المشاكل الصحية.
ويؤكد الدكتور خوري أن هناك فرقاً شاسعاً في طرق علاج مريض السرطان، بين أميركا ولبنان. ففي أميركا يتعالج مريض السرطان لوقت معين في العيادة الطبية، بعدها يتوجه إلى المنزل، فيشعر بارتياح نفسي.
طبيب ومعالج نفسي
ويشرح الإختصاصي في طب السرطان، الدكتور جوزف قطان، أن “من ضمن مهنتنا كأطباء إختصاص سرطان، أن نكون في الوقت نفسه، معالجيين نفسيين، في طريقة التعاطي مع مرضى السرطان، لأن علاقتنا بالمريض، أكثر من علاقة طبيب بمريضه. فهاتفنا لا يهدأ بعد المعاينة الطبية، على مدى 24 ساعة. ويتعلق المريض بنا، لمعرفة أي معلومة علاجية جديدة، فهو يتواصل معنا ساعة يشاء، لاستيضاح ما يعاني من مشاكل صحية طارئة، عدا عن تأثير العلاج عليه عند تناوله”.
يضيف الدكتور قطان: إن للجمعيات الداعمة لمرضى السرطان، دوراً مهماً في المساندة المادية والمعنوية. لكن هذا غير كاف، لأن الأساس يكمن في دورالطبيب المعالج، كون العلاقة النفسية الصحيحة، ليست عند الجمعية بل لدى الطبيب المختص بالسرطان، الذي يلعب دوراً مهماً في العلاج النفسي لمريضه، ليخفف عنه وطأة مرضه. كما يتوفر في كل مستشفى، مع فريق العمل، معالج نفسي لعلاج مرضى السرطان. وفي بعض الأحيان، نجد في أقسام المستشفيات أربعة معالجين نفسيين لمرضى السرطان، من أجل المساعدة النفسية، عدا عن المساعدة الإجتماعية للإطمئنان عن الأحوال الصحية للمرضى. أما في داخل العيادة، فهناك دائماً ممرضة لدعم ومساندة المريض نفسياً ومعنوياً.
حسن التعامل
ويلفت الإختصاصي في طب السرطان، الدكتور فادي كرك، إلى “أن كل مريض ياتي إلينا، لا نهتم فقط بمعالجته طبياً، إنما أيضاً، نهتم بحسن التعامل معه على الصعيد النفسي، بدقة متناهية في إختيار التوقيت المناسب، بطريقة مدروسة، كي يتقبل حالته المرضية، عند الإصابة بالسرطان، دون أي ردة فعل سلبية، تؤخر علاجه. لأن معظم علاقة طبيب السرطان بمريضه، ليست فقط بوصفه العلاج له، بل بالدعم المعنوي المستمر له، في المرحلة الصعبة التي يمر بها”.
وتوضح الإختصاصية في الأمراض الصدرية والإنعاش، الدكتورة غادة عيد “أن مريض السرطان، الذي يخضع للعلاج الكيميائي، يعاني في بعض الأحيان، من ردة فعل نتيجة حساسية أو هبوط في الضغط، أو طفرة في الجسم. عندها نعالجه ضمن بروتوكول صحي دوائي، كي يتخطى هذه المشكلة بسلام، فندخله إلى العناية الفائقة، تحت إشراف إختصاصي في أمراض الحساسية والإنعاش، لنعطيه العلاج المناسب، تجنباً لأي ردة فعل قد تؤدي إلى خسارته حياته، إذا لم نتدارك الأمر بسرعة. وهكذا، كل فترة علاج كيميائي، يخضع مريض السرطان للعلاج نفسه، مع دراسة وضع صحة الرئة. وبهذه الطريقة، نستطيع السيطرة على أي ردة فعل ناتجة عن العلاج الكيميائي، بطريقة مدروسة وأقل خطراً. وبافضل علاج”ز
إنقاذ ودعم
رئيسة جمعية “دياكونيا”، ريما بوجوق، تشرح لـ greenarea.info بأن الهدف من الجمعية، أن تكون الرفيق المساند لمرضى السرطان، في رحلة العلاج الكيميائي. وتضيف: كل هدفنا دعم ومساعدة مرضى السرطان على تحدي المرض والتخفيف من حدته، عن طريق تأمين رعاية خاصة لهم، تحسن نوعية حياة المريض. إذ لا يمكننا أن ننسى مدى أهمية الإهتمام العاطفي والإجتماعي بالمريض؛ ومساهمتهما الفعالة في عملية الشفاء. والدليل على ذلك، أن الجمعية الأميركية للسرطان، كشفت أن 30 في المائة من علاج السرطان، يترتكز على الدعم النفسي، حيث تبين أن المريض الذي يعاني نفسياً، لا يتجاوب بسرعة مع العلاج، مثل المريض المتمتع بنفسية جيدة. والمريض الذي يستسلم، لا يقاوم المرض، متل المريض الذي يعيش على الأمل. لذلك، دورنا فعّال، فالمريض الذي لا يمكن شفاؤه، إما أن يموت بسلام، أو يعيش بسلام. وليس المهم عدد السنوات التي يعيشها، بل نوعية هذه السنوات. وعلى سبيل المثال، إذا عاش الإنسان 90 سنة وهو غير مرتاح أو مسرور ونفسيته متأزمة، لا معنى لهذه السنوات. لذلك، يأتي دور جمعية “دياكونيا” لمساندة الشخص المريض، عندما يشعر أنه وحيد، فتشعره بوجود داعم له، بإعطائه حوافز للمقاومة والعيش من أجلها.
تتابع بوجوق: أسست الجمعية منذ ست سنوات، لأنني شخصياً عشت تجربة مرافقة مريض السرطان. وشعرت أنه لا بد من وجود أحد بقربه يسانده. لذلك، شكلنا فريق عمل، عاش التجربة، أو ساند أحد المقربين منه مصاباً بالسرطان. ووجدنا تجاوباً وتفاعلاً معنا، ليس فقط من مرضى السرطان، بل من أهاليهم، لأن أول ما يصاب الشخص بالسرطان، يمر بصدمة نفسية، فهو لا يعرف ماذا ينتظره مستقبلاً. عدا عن حصول تغيرات في جسمه، من دون أن يدري، خلال العلاج الكيميائي. لذلك، يكون بحاجة إلى مساندة من أشخاص عاشوا التجربة نفسها، لمد يد العون له ومساعدته على التخلص من أزمته النفسية، كما فعلوا هم خلال العلاج من السرطان. على سبيل المثال، إذا تساقط شعره أثناء العلاج، نرشده إلى الأمكنة الخاصة لمساعدته، أقله، إذا لم يشف من المرض، يعيش مرحلته بسلام. لذلك، أقول للمرضى المصابين بالسرطان، إن المرحلة التي تمرون بها، تعتبر فصلاً صعباً من فصول الحياة، يمكن تخطيه باقل وجع وأقل إحباط، إذا وجدتم من يساندكم.
بدوره، الإختصاصي في علم النفس، الدكتور نبيل خوري، يشير إلى أن “هناك مؤسسات إجتماعية تعنى بدعم مرضى السرطان. ونحن نعاين في أكثر الحالات العيادية، مرضى شفيوا من مرض سرطان، لكن الصعوبة التي يواجهونها، هي عدم نجاحهم في التخلص من التداعيات النفسية للمرض. هنا يأتي دورنا في إنقاذهم بالعلاج النفسي . في النهاية، إذا عرف الإنسان أنه سيموت مهما فعلنا له، سنبقى عاجزين عن إخراجه من حالته النفسية المتأزمة. فالإنسان الذي يعيش على الأمل، بإمكانه التجاوب أكثر، للحد من تداعيات مرضه”.