حبيب معلوف- الاخبار
إن دخول إنتاج الطاقة من الرياح والشمس في لبنان، بغضّ النظر عن الإطار القانوني والاستراتيجي والأسعار، هو بحدّ ذاته بداية جيدة… ولو متأخرة. إنها البداية للحديث عن مزيج أو خليط الطاقة في لبنان، أي التوقف عن الاعتماد شبه الكلي على الطاقة الأحفورية المستوردة.
إلا أن هذا «الدخول» لم يأتِ من ضمن إطار استراتيجي، أخذ بالاعتبار كل الأبعاد الطبيعية (الطبيعة اللبنانية) والتقنية والدولية، كما يفترض بأية استراتيجية أن تفعل. قد يقال إن في الطبيعة اللبنانية شمساً وهواءً وماءً (وقد بدأنا منذ مدة طويلة بتوليد الطاقة من المياه)… وفيها أيضاً غاز ونفط، وإن استراتيجية الدولة اللبنانية يجب أن تستفيد من هذا «المزيج» من أجل الاستدامة.
صحيح أن التقارير العالمية كانت قد بدأت منذ مدة طويلة بالحديث عن مزيج أو خليط الطاقة من أجل الاستدامة، إلا أن كل هذا الكلام لم يمنع الأزمات والكوارث ذات المصادر المتعلقة بإنتاج الطاقة واستهلاكها، وفي طليعتها ارتفاع الأسعار والخوف من النضوب والانحباس الحراري وتغير المناخ العالمي… بالإضافة إلى تلوث الهواء المدني. لذلك، وجد «المجلس العالمي للطاقة» في آخر دراساته، أن أهم القضايا التي رصدها كانت ثلاثة مواضيع باتت تشغل قادة قطاع الطاقة في العالم، هي استمرار عدم اليقين حول مستقبل المناخ والأسعار المستقبلية لغاز ثاني أوكسيد الكربون (المتولد خاصة من احتراق الوقود الأحفوري) وتقلب الأسعار الباهظة بالنسبة إلى الطاقة، وعدم اليقين في الاستثمار والركود العالمي.
وهو يرى أن كل دول العالم تأخذ بالاعتبار ضرورة تحقيق التوازن على مستوى «مشكلة الطاقة الثلاثية»، أي أمن الطاقة، أسعارها والاستدامة البيئية. إلا أن هذا التوازن لم يتحقق يوماً، ولا هو قابل للتحقق على المدى المتوسط والبعيد، لأسباب كثيرة، أهمها أن فكرة الاستدامة، ما كان يفترض أن تعني وجوب الاستمرار في تأمين الطاقة من المصادر كافة، بل ضبط الاستهلاك والعدالة في التوزيع أيضاً، الذي لا يدخل ضمن قواعد المثلث الهرمي العالمي. بالإضافة إلى ذلك، إن مفهوم أمن الطاقة لا يعني، بحسب المجلس العالمي، وضع شروط بيئية وصحية قريبة وبعيدة المدى على الخيارات والمفاضلة بين المورد الناضب والمورد المتجدد والمستدام، ولو على حساب الحجم، بقدر ما يعني «قدرة مزودي الطاقة على تلبية الطلب الحالي والمستقبلي»، ما يعني أن زيادة الطلب غير المحدود تتطلب إيجاد مصادر طاقة غير محدودة. هذه هي المبادئ التي أدخلت العالم في أزمة لا نهاية لها إلا بنهاية العالم ربما. وهذا ما يفسر اهتمام المجلس العالمي للطاقة الذي تأسس عام 1923 باستضافة وتمويل أبحاث لعلماء مثل أينشتاين عندما أعلن نظريته في النسبية، في مؤتمر الطاقة العالمي في برلين عام 1930، بحضور ودعم خبراء الصناعة والتكنولوجيا آنذاك، وبداية الاهتمام بعلم الذرة وإنتاج الطاقة الذرية، التي تبين بعد أقل من نصف قرن، أنها لا يمكن أن تصنف بـ«الآمنة»، وأن العديد من الدول النووية، وفي طليعتها المانيا، قد وضعت الخطط للخروج منها.
يضاف إلى مشكلة تحريف معاني الأمن والاستدامة والسعر وترويضها لمصالح المستثمرين، سيطرة الاستثمارات في الطاقة (صناعياً وتكنولوجياً) على مراكز الأبحاث والدول والطبيعة، وانعدام التوازن بين القوى المتدخلة في وضع السياسات لمصلحة أصحاب الاستثمارات.
من هنا، إن الفلسفة التوجيهية التي يعتمدها المجلس العالمي للطاقة والتي تسيطر على التفكير وسياسات الطاقة العالمية والتي تقول إننا نحتاج إلى كل الموارد (مهما كانت ودون تحديد درجة المخاطر ومعايير الاختيار) وإنه لا توجد تكنولوجيا سيئة، وإن الأمر يقتصر على خيارات وممارسات تكنولوجية… هي الفلسفة التي أدخلتنا في مأزق مناخي كبير، لا أحد يعرف كيفية الخروج منه، خصوصاً أنه فتح شراهة العالم على الاستهلاك من دون حدود وضوابط.
فهل يمكن لبنان، المستضعف على كل المستويات، أن يكون سباقاً باعتماد سياسات مختلفة؟ وهل درست كل إمكاناته الطبيعية والمتجددة والنظيفة، لمعرفة كيفية وضع استراتيجية للطاقة؟ أم تبقى الطاقة المتجددة كنوع من التوابل فوق طعامنا المصنوع من الطاقة الأحفورية بكليته؟ وللحديث صلة.