يلعب البلاستيك دورا هاما في الحياة المعاصرة، لكن آثاره البيئية كارثية بامتياز. وتسبب  اتجاهات الإنتاج وأنماط الاستخدام والعوامل الديموغرافية المتغيرة زيادة في استخدام البلاستيك منذ العام 2004 الى اليوم، حيث نتج ما يزيد عن نصف النفايات البلاستيكية، بالمقارنة مع الحقبة السابقة التي بدأت مطلع العام 1950، اي ان ما نتجته البشرية في السنوات الـ 13 الاخيرة تعادل انتاج 54 عاماً !!

في العام 2014  عثر العلماء على نوع جديد من الحجارة على شاطئ هاواي. تتكون هذه الحجارة من خليط الرمل والبقايا العضوية والحصى البركانية، محاطة من كل جوانبها بالبلاستيك. اقترح العلماء حينها اطلاق تسمية plastiglomerate على هذا الحجر، على اعتبار ان البلاستيك مادة لا تتفكك. قاد هذا الاكتشاف الى التأريخ لحقبة جيولوجية جديدة للارض. ففي المستقبل البعيد، اي بعد مئات السنين، لن يؤرخ عن الحقبة التي نعيشها اليوم الا باعتبارها حقبة “عار البلاستيك” الذي دمر كل شيء.

تشير موسوعة «عالم البلاستيك» الى انه في العام 2012  أُنتِج ما يقارب 280 مليون طن من البلاستيك عالميًّا. وقد أُعيد تدوير أقل من نصف هذه الكمية، أو تم وضعها في مكبّات النفايات. أمّا الكميّة المتبقيّة ـ التي تبلغ 150 مليون طن ـ فيبدو أنّ بعضها لا يزال قيد الاستخدام، والجزء الآخر يملأ أراضي القارات ومياه المحيطات.

ويسجل الكتاب السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2014  انخفاض معدلات التدوير وإعادة تصميم المنتجات التي تستخدم المواد  البلاستيكية، رغم انها يمكن أن تعود علينا بعدة فوائد تتعلق بالاقتصاد الأخضر، وان تحد من الأضرار الاقتصادية على النظم الإيكولوجية البحرية وصناعتي السياحة وصيد الأسماك، التي تعد ضرورية للعديد من البلدان النامية،  وصولا لجلب المدخرات وتوفير فرص ابتكار للشركات مع خفض تعرض سمعة الشركات للخطر.

وتشير تقديرات الباحثين الى ان العالم انتج منذ العام 1950 ما يقارب 8300 مليون طن من البلاستيك، وان ما يقارب 6400 مليون طن من هذه المواد تحولت الى نفايات، غالبيتها استقرت في المطامر والمكبات او في الطبيعة خصوصاً في الانهار والبحيرات والبحار والمحيطات، في حين جرى حرق حوالي 12 بالمائة من البلاستيك المنتج، واعيد تدوير تسعة في المائة فقط !

ولعل أبلغ ما تقدمه الاحصاءات المتعلقة بانتاج البلاستيك ان غالية النفايات البلاستيكية انتجت منذ مطلع الالفية الثالثة الى اليوم. وتفيد المعلومات انه خلال السنوات الـ 13 الماضية انتج ما يزيد عن نصف النفايات البلاستيكية، التي تتكدس منذ خمسينيات القرن الماضي.

ومعلوم ان ازدهار صناعة البلاستيك ترافقت مع ازدهار صناعة النفط والغاز. وكانت الولايات المتحدة الاميركية السباقة في تكريس مبدأ الاستخدام لمرة واحدة للعبوة البلاستيكية. ومع تحول الانماط الاقتصادية والاجتماعية في دول اميركا اللاتينة وخصوصاً البرازيل، وفي غالبية دول اسيا، بات استخدام البلساتيك لمرة واحدة، مبدأ مكرس في حياة البشر اليومية.

ويتزايد القلق إزاء التهديد الذي تشكله النفايات البلاستيكية خصوصاً ان ان الدول لم تصنف مخلّفات البلاستيك الأكثر ضرراً بالبيئة ضمن المواد الخطرة، رغم ان هذا الاجراء سيزيد من قدرة المؤسسات التي تعنى بشؤون البيئة على إعادة إحياء المواطن المتضررة؛ والحدّ من تراكم المزيد من مخلّفات البلاستيك الخطرة. كما يتزايد القلق إزاء التهديد الذي تشكله النفايات البلاستيكية على الحياة البحرية على نطاق واسع، مع تقديرات متحفظة لإجمالي الخسائر المالية التي يسببها البلاستيك على النظم الإيكولوجية البحرية، والتي وصلت إلى مليار دولار سنويا، وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

يتكوّن البلاستيك من وحدات بنائية صغيرةٍ تسمى بالمونومرات، ترتبط معاً؛ لتكوِّن سلاسل طويلة، أو ما يسمى بالبوليمرات. وقد كان يعتقد أنّ هذه السلاسل خاملة كيميائيا، لكن يبقى البلاستيك يحمل بين ثنياته مونومرات غير متفاعلة، ومواد أخرى ضارة. وبحسب ما جاء في نموذج تصنيف المخاطر، التابع للنظام المنسق عالمياً لتصنيف المواد الكيميائية ووسمها، فإنّ أكثر من 50% من البلاستيك يصنف ضمن المواد الخطرة. وعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات التي أُجريت على polyvinylchloride ـ المستخدم في التجهيزات الطبيّة المخصصّة للاستخدام البشري ـ أنّ هذه الكيماويات تتراكم في الدم. وظهر في الفحوص المخبريّة أنّ مونومرات البولي فينيل كلوريد ومواد أخرى تدخل في تركيبه ـ كالبوليسترين، والبولي يوريثان، والبولي كربونات ـ قد تكون مواد تتسبب في حدوث مرض السرطان، وقد تؤثر في الكائنات الحية بالطريقة نفسها التي يؤثر بها هرمون الإستروجي.

ويكشق تقرير منظمة مشروع الكشف عن البلاستيك (PDP) ومنظمة TRUCOST وهو  الحالات التجارية المعنية بإدارة البلاستيك والكشف عنها في صناعة السلع الاستهلاكية. كما وجد التقرير أن تكلفة رأس المال الطبيعي العام لاستخدام البلاستيك في قطاع السلع الاستهلاكية يقدر بنحو 75 مليار دولار أمريكي سنويا–الذي يعتبر واحدا من الآثار المالية السلبية لقضايا مثل تلوث البيئة  البحرية أو تلوث الهواء الناجم عن حرق البلاستيك.

ويشير التقرير إلى أن ما يزيد عن 30 % من تكاليف رأس المال الطبيعي ناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة من استخراج ومعالجة المواد الخام.  ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن التلوث البحري يعد أكبر التلوثات تكلفة، وأن هذا الرقم الذي يقدر بنحو مليار دولار من المحتمل أن يكون أقل من الواقع بكثير.

وتسبب النفايات البلاستيكية الوفاة أو المرض عند تناولها من قبل الكائنات البحرية مثل السلاحف والدلافين والحيتان والأضرار التي تلحق بالموائل الحرجة مثل الشعاب المرجانية. وهناك أيضا مخاوف بشأن التلوث الكيميائي، خصوصاً الأنواع الغازية التي تنتشر عن طريق شظايا البلاستيك والأضرار الاقتصادية لصناعتي الصيد والسياحة في العديد من البلدان على سبيل المثال قاذورات معدات الصيد والشواطئ الملوثة.

وقد تنامت المخاوف بشأن قطع البلاستيك المتناهية الصغر (جزيئات تصل إلى 5 مم في القُطر، إما مصنعة أو نجمت عن شظايا البلاستيك)، مثل “الخرز المتناهي الصغر” الذي يوجد في معجون الأسنان، والمواد الهلامية ومنظفات الوجه.  ولا يمكن لهذه اللدائن المتناهية الصغر أن تنفصل خلال معالجة مياه الصرف الصحي، ولكن يتم إطلاقها بصورة مباشرة في الأنهار والبحيرات والمحيطات.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This