المجتمع المفتوح هو حين يطغى الفرد على العلاقات الاجتماعية ( دينية كانت او عشائرية، او عائلية او سياسية او تراثية او قومية او غير ذلك). المجتمع المفتوح هو مجتمع الحداثة، ومهما بحثنا في الحداثة تكون الفردية هي المفهوم المفتاح.

طغيان الفرد على الجماعة معناه تحرر الفرد من كل القيود الاجتماعية، واكتساب قدرة على التفكير باستخدام العقل والحرية، كما بالامتناع عن الخضوع لما جعله المجتمع نمطاً لآداب السلوك والتفكير. في الفردية تمرد على المجتمع وعلى السلطة السياسية. تخاف السلطة من الفردية وتحاول قمعها. السلطة القائمة تعرف معنى الطائفية( المذهبية شكل من اشكال الطائفية، والدين شكل من اشكال العقيدة لا الايمان، وبالتالي فالطائفية خروج على الايمان. فيصير الدين مجرد حركات جسمانية ، ونفاق يحل محل الايمان)

كل مجتمع يتشكل من افراد وعلاقات. لا يستطيع الافراد المشاركة في المجتمع الا من خلال علاقات المجتمع. طغيان علاقات المجتمع بين الافراد، حيث تقرر هي مصيرهم وسلوكهم، هو في اساس المجتمع المغلق. طغيان الافراد، تمردهم على المجتمع، ممارستهم حريتهم في اساس المجتمع المفتوح.

لا يمكن ان يعتبر المجتمع نفسه مفتوحاً الا اذا كان فيه حد ادنى من الحوار والنقاش والمناقشة والمساءلة والاتهامات المتبادلة، مع خروج على اداب السلوك التي تفرضها الطوائف. يكره المجتمع التمرد عليه، وتعتبر السلطة التمرد خروجاً عليها. السلطة ترى في المجتمع الذي يضبط ابناءه حالة مثالية للقمع. مجتمع يخلو من التمرد وامكانية الثورة، والمجتمع المستكين والمجتمع المغلق وسلطة الطغيان وجوه لعملة واحدة.

الانتخابات الديمقراطية هي محاولة السلطة معرفة الاقنية التي يجري فيها التمرد، لذلك تسن القوانين. بالامكان ضبط هذا التمرد في اقنية يمكن السيطرة عليها. لذلك تكون الديمقراطية استطلاعا للرأي العام، والانتخابات لقمع تمردات الراي العام وصبها في اقنية يمكن تقرير مجاريها.

الفرد الذي يواجه المجتمع هو الفرد الذي يواجه السلطة ايضاً. طبيعة المجتمع هي ما قررته السلطة وروّجته خلال السنين. تتوجه السلطة الى الافراد من خلال تشكيلات المجتمع، من خلال علاقات المجتمع لكي تسيطر على الافراد الذين تتشكل منهم العلاقات التي شكلت المجتمع.

الفرد وحده هو صانع القيمة، هو موضع الاخلاق، هو موضع العقل. النظام الجماعي الذي تسيطر فيه العلاقات الاجتماعية هو الذي تسيطر فيه الجماعات الطائفية على فائق القيمة وهو فائق عمل الافراد، وهو الذي يترك للعقل الجماعي امكانية ضبط العقل الفردي واخضاعه، هو الذي ينشىء الناس ويعلمهم من خلال التنشئة على النصب والاحتيال. الصلاة ذاتها ان لم تكن فعلاً ايمانياً تكون مجرد حركة رياضية اجتماعية، خوفاً من احتيال الجماعة على الله الذي تملكه هذه الجماعة .

تسوق الجماعات الافراد قطعاناً، ومن ورائها السلطة التي تعتبر الطوائف موالية كلما كان عندها القدرة على تسيير الجماعات واخضاع الافراد للشروط العامة. الافراد المتمردون تنبذهم الطائفة وتسجنهم السلطة.

في المجتمع المفتوح يحق للمفكر ان يغير دينه لان ملكة التفكير لا ينازعه عليها احد، هو غيّر دينه لانه فكر. ويحق للفرد ان يعتبر الدين علاقة فردية مع الله، والطائفة مجرد تنظيم الانتماء اليه مجازي. الدين المدني هو الممكن الوحيد في المجتمع المفتوح، هو القابل لكل سؤال من دون انتظار الجواب، هويصنع الاجوبة. هو المجتمع القابل لكل ممارسة اجتماعية، الدولة وقوانينها هي التي تضبط السلوك. هو مجتمع مكون من افراد، كل فرد اقوى من اي تشكيل اجتماعي، الافراد يصنعون التشكيلات الاجتماعية ( الافراد يصنعونها ولا يخضعون لها في المجتمع المفتوح عكس ذلك في المجتمع المغلق). يرى تاريخه سؤالاً، ويرى تراثه وهماً ويرى مستقبله اكيداً. كل فرد فيه اقوى من المجتمع. وليس فرد واحد هو الطاغية الفرد يستوعب المجتمع في ذاته. مجتمع فيه الحركة ومنه، لا يخشى من حركة الناس او بالاحرى لا يستطيع الخشية من حركة الناس، يفتقد القدرة على ذلك.

المجتمع المفتوح هو الذي يعجز امام المواجهة بين الفرد والدولة. لا تستطيع التشكيلات الاجتماعية (طائفية، اثنية وعرقية ..) الوساطة بين الفرد والدولة. لا يحكم فيه الدين بل يضعه جانباً كي يمارس الافراد ايمانهم باي طريقة او مذهب شاؤوا. لا يغضب لمقدساته بل يعتبرها مجازات يجوز التعبير معها او ضدها بأي لغة كانت .

المجتمع المفتوح هو الذي يسمح بالتمرد بل يجعل التمرد واجباً يعتبر الخروج على الوعي السائد تقدماً، لا كفراً ولا هرطقة. المجتمع المفتوح عدو العقل المستكين، العقل الذي يمارس الانقماع الذاتي، حيث يعرف كل مواطن ماذا يريد لان السلطة تطلب ذلك. هو الفرد يراقب طوال الوقت. يعرف ذلك. لا يجرؤ على الاعتراف بذلك صراحة. يعرف ان السلطة عارية من الصدق، لكنه مضطر الى الاعتراف بان ثيابها جميلة. يضطر ان يرى ما لا يرى، وان يعتقد بما لا يعتقد. يضطر ان يكذب ، يخالف ضميره، يفقد الاخلاق، يصاب بعقدة الذنب. يصبح فرداً غير مواطن. يتمنى ان يكون واحدة من ديدان الارض. فقد هذا الذي يميزه عن باقي الحيوانات وهو الضمير. المجتمع المغلق مكون من كذابين واغبياء.

المجتمع المفتوح متماسك، لديه مرونة، يستطيع ان يستجمع قواه اذا اصابته كربة، ليس هشاً، يلوي من دون ان ينكسر، يلوي لأن السياسة فيه ممكنة. التسوية ليّ للرأي، تنازل عن بعضه، رغبة بملاقاة الاطراف الاخرى واقتراح التسويات معها. العيش المشترك لا يكون الا بين من هم اهل حوار ونقاش ومساءلة وصدق واخلاق، هؤلاء هم اصل السياسة لا السلطة.

المجتمع المغلق جزر منعزلة يصعب الابحار بينها، كل جزيرة طائفة تكذب على الاخريات وتكيد لها. من الطوائف واشباهها يتكون المجتمع الهش الضعيف القابل للانكسار والحروب الاهلية ، اي المجتمع المغلق.

الاستبداد ينتج بالضرورة مجتمعاً مغلقاً. ينتج جزراً معزولة طائفياً او ما يشبه ذلك. العيش بينها نوع من التكاذب المشترك. ليس بينها تشابك وتداخل. الروابط بينها هشة قابلة للانكسار. الاستبداد يبني جدراناً عازلة بين الطوائف وما يشبهها، يمتنع التواصل والتفاهم، كل منها يدور حول نفسه ويخشى الآخرين. كل مكسب للآخرين خسارة لهم. المجموع صفر ويبقى المجتمع مراوحاً مكانه.

الفضاء الجغرافي يتحول الى مكان للوجود، الفضاء الزماني يتحول الى جمود، تنعدم فكرة التقدم. تستورد مظاهر الحداثة، تتألق بها واجهات المحلات والسهرات الصاخبة، تبقى الحشوة متخلفة لا تستطيع اخفاء الجهل. لبنان واجهة حداثية لمشرق شديد التخلف.

المجتمع المفتوح يعيد تشكيل نفسه باستمرار، يعيد النظر بتاريخه، ليس له مراجع ثابتة، يعتد بنفسه. يعيد صياغة المرجعية التاريخية. الرواية التاريخية تتناسب مع الحاضر. البحث مستمر. حقائق جديدة ولا خوف من التخلي عن حقائق تاريخية لصالح اخرى أثبت وأصحّ. المجتمع المفتوح واثق من نفسه، لا يخشى الحقيقة. هذا شأن انظمة الاستبداد والمجتمعات الضعيفة المفككة. الاستبداد يقود الى المجتمع الآخر، يقود الى المجتمع المغلق. المجتمع المفتوح متماسك قوي يصنع تاريخه ومستقبله. لا يزوّر بل يصنع . تهوي المقدسات كبيوت من ورق.

المجتمع المفتوح توق دائم الى الحرية والتمرد واكتشاف حقائق جديدة في كل مجالات المعرفة. ليس فقط ان تعرف بل ان تنتج باستمرار معرفة جديدة تحل مكان القديمة. صناعة الافكار توازي صناعة الاشياء. سعي دائم، ملل دائم، سقم من الحكام، تغيير حكومات وحكام على التوالي. التغيير يصبح شاملاً، يشمل كل شيء في الحياة الاجتماعية والسياسية. التغيير لا يستورد بل يصنع محلياً.

التغيير ليس عشوائياً الا في مجتمعات مغلقة. العشوائية يصنعها طغاة ينتجون مجتمعات مغلقة وضعيفة ومفككة تعيش دائماً خوف الحرب الاهلية بكل غباء. انتاج المعرفة في المجتمع المفتوح عمل تراكمي تقوم به مؤسسات حقة لا تقتصر على الطاغية واعوانه، ولا على رعاة الدين. العمل المعرفي جزء من الانفتاح، بل محرك للاقتصاد يقوم به مجتمع يتكامل. وفي تكامله لا يخشى الاكتشاف والجديد، بل يسعىى اليهما. المجتمع المغلق يخشى الجديد، الجديد فيه بدعة مصير صاحبها النار، او السجن عند الطاغية.

الاقتصاد والنمو والتننمية في مجتمع مفتوح لا تقررها قرارات عشوائية لطاغية يأخذ قرارات عشوائية، ولا لجان خبراء من طراز “نفذ ثم اعترض” بل من طرف هيئات ومؤسسات ذات درجة عالية من الحرية في القبول والاعتراض.

مجتمع من هذا النوع هو المجتمع السياسي. وحده المجتمع السياسي هو ما يسوده الحوار والنقاش والتبادل الفكري. السياسة تشمل كل الادارات وكل العلاقات بين الاعلى والادنى فيها. من دونها لا تماسك اجتماعيا ولا هيبة دولة. من دونها عشوائية كاملة ونظام استبدادي حتى لو كان  ديمقراطية تسودها العشوائية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This