تنعقد الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة United Nations Environmental Assembly UNEA 3 في نيروبي، العاصمة الكينية، في 4-6 كانون الأول (ديسمبر) 2017، تحت شعار : “من أجلِ كوكبٍ خالٍ من التلوُّث”.
كانت قد عقدت الدورة الثانية في شهر أيار (مايو) 2016، والدورة الأولى في حزيران 2014.
“كوكب خال من التلوث”، شعار يعبر عن مدى القلق عند حكومات العالم، والأمم المتحدة للبيئة، بشأن مستويات التلوث، بمختلف أنواع الملوثات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية (الميكروبيولوجية)، في مختلف الأوساط البيئية، الهواء الجوي والهواء الداخلي، ومياه الأنهر والبحيرات والينابيع والمياه الجوفية ومصادر مياه الشرب، والبحار والمحيطات والشواطيء، والسلاسل الغذائية للإنسان، ومن مختلف المصادر المرتبطة بالنشاط البشري، الإستخراجية والصناعية والزراعية والخدمية والمتعلقة بالنقل وبالحياة اليومية لمليارات البشر. وعن مدى المخاطر والتهديدات، التي تمثلها مستويات التلوث، على الصحة البيئية والصحة البشرية، والأمان الصحي لعموم شعوب العالم، ولا سيما شعوب البلدان النامية والفقيرة، في مختلف القارات والمناطق والأقاليم.
ففي إفريقيا، تتزايد حالات التعرض للزئبق السام في مناجم التعدين الحرفي للذهب، إضافة لما يمثله تلوث مصادر المياه والتربة من مخاطر على صحة المواطنين، وخصوصا الأطفال، حيث نسب الوفيات بينهم لا تزال مصدرا للقلق الكبير على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.
وفي أميركا الشمالية، تشير التقارير عن حالات تحسس تنفسي، وصولا لحالات الربو، ناتجة عن التعرض للجزيئات الصلبة في الهواء، الخارجي والداخلي. وفي أوروبا، تضطر بعض المدارس لوضع أجهزة قياس للتلوث في الهواء لحماية تلامذتها من التعرض لمختلف أنواع الملوثات، في مساحات المدارس الخارجية والداخلية. وكذلك في مناطق العالم الأخرى، حيث التعرض للملوثات الكيميائية واقع يهدد صحة السكان في بلدان آسيا وإفريقيا وأميركا، بنتيجة الاستخدام غير الرشيد للأسمدة والأدوية الزراعية، أو لبعض المكونات الكيميائية الضارة والسامة، الداخلة أو المضافة، في مختلف أنواع السلع والمنتجات ذات الاستعمال الواسع.
البحار والمحيطات تئن تحت أثقال تلوثٍ فظيع بكل أنواع الملوثات ومن مختلف المصادر. المياه المبتذلة غير المعالجة، والتدفقات الصناعية، والنفايات الصلبة، ولا سيما البلاستيكية، التي أصبحت تشكل ملوثا كونيا يهدد سلامة المنظومات البيئية البحرية والحياة فيها، وسلامة وأمان السلسلة الغذائية لمليارات البشر.
سوف يدعو هذا الإجتماع الأممي حكومات العالم إلى وقف هذا التدهور الكبير في الأوساط البيئية المختلفة، والناتج عن التلوث الخطير الذي وصلت إليه. ويدعوها إلى إعلان التزامها بالعمل على تأمين مستقبل خال من التلوث لشعوبها، من خلال العمل الجاد على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للأجندة 2030. ولأن تؤكد التزامها بالتعاون مع كل الجهات المعنية، من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميا وعموم السكان عبر مختلف أشكال تنظيمهم، للتطبيق السريع لكل ما من شأنه أن يضع حد للتلوث في الهواء والتربة والمياه العذبة ومياه البحار والمحيطات.
يجب العمل الجاد على وضع سياسات واستراتيجيات سليمة بيئيا لإدارة كل أنواع النفايات، وحماية الهواء والمياه والبحر من مخاطر الملوثات، التي تنبعث وتنطلق من كل أشكال سوء إدارتها.
السؤال الكبير، الذي يطرح نفسه، لبنانيا، في أشهر التحضير لهذا الملتقى العالمي الرفيع بشأن البيئة، وتحت شعار “من أجل كوكب خال من التلوث”، وترجمته الوطنية “من أجل لبنان خالٍ من التلوث”، هل ستشارك حكومة لبنان ووزير البيئة في هذا الإجتماع الأممي؟ وإذا شارك وزير البيئة اللبناني، أو أي وزير آخر من الحكومة، ماذا عساه أن يقول في إجتماع أممي يلتئم تحت شعار مكافحة التلوث؟
ما رأيكم، أن يضمِّن وزير البيئة خطابه تقريرا عن ما يقوم به هو شخصيا، وعن ما تقوم به الحكومة اللبنانية ومؤسساتها التنفيذية وإداراتها، حيال التلوث البيئي في لبنان؟
ما رأيكم، أن يذكر تصريحاته التي أطلقها يوم زيارته لمكب “الكوستابرافا”، المسمى زورا “مطمرا صحيا”، على شاطيء بحر لبنان، وبملاصقة مطاره الدولي؟ وتصريحاته يوم زيارته لمكب “برج حمود” العشوائي التاريخي، الذي استقبل على مدى عقود من الزمن كل أنواع النفايات، بما فيها النفايات الخطرة، وبراميل نفايات غير معروفة المحتوى، في مرحلة كان لبنان معرضا فيها إلى تصدير غير مشروع لنفايات خطرة، حيث تقوم الحكومة، تحت مرآه ومسمعه وبموافقته بالتأكيد، بطمر البحر بملايين الأطنان من تلك النفايات؟
ماذا عساه يقول في خطابه أمام الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة؟ ماذا لو قال أنه يعمل على تعطيل العمل بالتشريعات البيئية الأساسية، الضامنة لمكافحة التلوث والحد منه ومعاقبة من يخالفها، ونعني بالتحديد، القانون 444 للعام 2002، ومرسوم أصول تقييم الأثر البيئي للمشاريع الرقم 8633 للعام 2012، وذلك تلبية لمصالح كبار “الملوِّثين” من أصحاب المقالع والكسارات، التي تعمل بـ”مهل إدارية” صادرة عن وزارة الداخلية، بطريقة إلتفافية على الآلية القانونية السليمة للترخيص، المناطة بالمجلس الأعلى للمقالع والكسارات، وليس بوزارة الداخلية تحديدا؟ وغيرهم من كبار الملوِّثين في كل القطاعات؟
ماذا عساه يقول في خطابه؟ أيذكر العدد المستحدث لأنابيب تدفق المياه المبتذلة غير المعالجة في البحر، الذي ربما تجاوز الـ 57 مصباً، على طول الشاطيء اللبناني؟ أو أنه يعيد تذكير العالم بتصريحاته بشأن مكب صيدا، حيث لا تزال أعمال ردم البحر بالنفايات مستمرة حتى الآن، تحت أعين وزارة البيئة والحكومة وكل المعنيين في الدولة، وفي ظل تصريحات تضليلية عن إنجاز بيئي حدث هناك، وعن حديقة عامة تم إنشاؤها، لرمي الرماد في العيون؟
ماذا عساه يقول في خطابه أمام حشود البيئيين من مختلف أقطار العالم؟ أن آخر تحديث لعدد المكبات العشوائية للنفايات على امتداد الجغرافيا اللبنانية قد تجاوز 1350 مكبا؟ تنبعث منها غازات الإحتراق العشوائي غير الكامل، الغنية بالديوكسينات والملوثات عالية السمية، والمسرطنة والمسببة للأمراض المستعصية والمزمنة، على مدار الـ 24 ساعة يوميا و7 أيام أسبوعيا؟ في وقت تقاس كلفة عقود إدارة النفايات في لبنان بمئات ملايين الدولارات سنويا، في خيارات ملوِّثة وغير سليمة بيئيا.
أم أنه سيكتفي بالقول أنه راسل “مجلس الإنماء والإعمار” لتخصيص 25 مليون دولاراً من قرض البنك الدولي، المتعلق بمعالجة التلوث في نهر الليطاني وبحيرة القرعون، لإقامة جدران في بعض مواقع مجرى النهر، بدل صرفها في مكانها الصحيح، وأولوية الأولويات على الإطلاق، في تشغيل وإنشاء محطاتٍ لمعالجة تدفقات المياه المبتذلة الملوِّثة، التي تصب في مجرى النهر، أولمعالجة مكبات النفايات العشوائية، المنتشرة في أكثر من موقع على مسار النهر، وهي مسببات رئيسية للكارثة الوطنية التي يمثلها تلوث الليطاني وبحيرة القرعون. هذا التلوث الخطير، الذي جعل كل مياه الليطاني وبحيرة القرعون خارج احتساب الثروة المائية العذبة اللبنانية، وفي حالة من التلوث لا تصلح معها للري أو أي استعمالات أخرى.
ماذا عساه يقول غير ذلك؟ أيقوم بسرد إجراءات حكومات لبنان المتعاقبة في تطبيق التزامات اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث وحسن إدارة مناطقه الساحلية؟ عبر الازدياد المضطرد لعدد مصبات المياه المبتذلة غير المعالجة، ولعدد المكبات العشوائية وغير النظامية للنفايات، ولعدد التعديات على الشواطيء والبيئة البحرية.
أوليس من الأفضل، في حالة الغيبوبة هذه عن أي إجراء أو إنجاز أو جهد أو برنامج أو خطة أو إستراتيجية أو سياسة لمكافحة التلوث أو الحد منه، في الهواء والأرض والمياه والبحر والسلسلة الغذائية، الحيوانية والنباتية، وفي حالة الإمعان في تجاهل وتغطية كل الممارسات الملوِّثة، أن تتغيب حكومة لبنان عن هذا الإجتماع الأممي، خجلاً وحياءً، خير من الإدلاء بخطابات إنشائية لا قيمة واقعية لها في أوضاع بيئة لبنان، الغارقة في تلوثها، وفي مخاطر هذا التلوث على صحة اللبنانيين ورفاه عيشهم.