” الإحتباس الحراري” أو “التغيّر المناخي”، عبارتان تترددان يومياً في أروقة العلماء والباحثين البيئيين، فيتحدثون عن نتيجة من هنا وتأثير سلبي من هناك، لتطال التداعيات مختلف القطاعات، المجالات وأوجه الحياة.
تعددت التأثيرات السلبية للإحتباس الحراري على القطاع الزراعي، ورغم أنها ما زالت في بداياتها، إلا أن الفترة المقبلة – القريبة والبعيدة – ستظهر الجزء الأكبر من تلك التداعيات قبل حلول الكارثة واختفاء بعض الأنواع من المنتجات الزراعية، أوّلها البنّ والشوكولا كما الأرزّ، الأمر الذي قد يهدّد بحصول مجاعات خصوصاً في الدول النامية.
تلك الدراسات، تتطابق مع أخرى تصدر دورياً تطال التأثيرات السلبية على القطاع الزراعي، في هذا السياق، كشفت دراسة جديدة أن التغيرات المناخية تسبّب نقصاً في نسبة البروتينات في محاصيل الحبوب الرئيسية.
وبينما تعتبر الحبوب من المكمّلات الغذائية الأساسية في حياة البشر، فإن إستمرار الوضع على ما هو عليه اليوم ينبىء بمجاعات قد تعاني منها الشعوب، خصوصاً في الدول النامية والأخرى المعتمدة بشكل رئيسي على الحبوب في قوتها اليومي.
وقد اعتمدت الدراسة على بيانات إستُخلصت من تجارب ميدانية عرّضت فيها النباتات إلى تركيز عال من ثاني أكسيد الكربون، كما استخدمت أيضاً بيانات الأمم المتحدة بشأن الوضع الغذائي في العالم ووظّفت لحساب التأثيرات المحتملة على الأفراد القاطنين في مواقع على حافة مناطق العوز البروتيني.
تناول الباحثون في جامعة هارفرد الأميركية، في دراستهم، التي تعتبر الأولى من نوعها، تأثير إرتفاع نسبة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو الناجم عن الإحتباس الحراري، على نسبة البروتين في الحبوب، لا سيما الأرزّ والحنطة أو القمح المقشور. وبينما أشاروا إلى انحسارها تدريجياً، شدّدوا على العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن هذا النقص، والمتمثلة بإعاقة نمو الأطفال بشكل طبيعي وإمكانية حصول وفيات مبكرة.
توصّل العلماء إلى هذه النتيجة دون أن يستطيعوا تحديد العلاقة المباشرة بين الإحترار المناخي وارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون من جهة وانخفاض نسبة البروتين في الحبوب وعناصر غذائية متعددة من جهة أخرى، إلا أنهم يحذّرون من أن حوالى 150 مليون شخص حول العالم معرّضون لخطر نقص البروتين بحلول عام 2050.
زراعياً، من المتعارف عليه، كما أثبتت دراسات سابقة، أن ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجوّ، يسبّب في إنحسار كميات العناصر المعدنية مثل الحديد والزنك في محاصيل الحبوب. وقد سبق لبعض الدراسات أن أشارت إلى أن تغيّر نسبة الغاز المذكور في الجو يؤدي إلى انخفاض كمية النشاء في النباتات مقابل إنحسار البروتينات والعناصر الغذائية الاخرى. إلا أن المشرف على الدراسة، صموئيل مايرز، أوضح أن النتائج الأخيرة لا تدعم هذه الفرضية، ولا أي فرضية أخرى، لأن الأبحاث توصّلت إلى تلك النتيجة دون إدراك السبب أو العلاقة بين العاملين.
في الأرقام، وبينما يعتمد 76 في المائة من سكان العالم، لا سيما الدول الفقيرة، على حصتهم اليومية من البروتينات في الحبوب، فإنه وبحلول عام 2050 سيسبّب إرتفاع نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو إنخفاض نسبة البروتين من الشعير بنسبة 14.6 في المائة، ومن الحنطة بنسبة 7.8 في المائة، ومن الأرزّ بنسبة 7.6 في المائة، ومن البطاطا بنسبة 6.4 في المائة.
وخلصت الدراسة إلى انه إذا استمر ازدياد تركيز ثاني أكسيد الكربون كما هو متوقع فإن سكان 18 دولة قد يفقدون أكثر من 5 في المائة من حصة البروتين الغذائي بحلول عام 2050 نتيجة تدهور القيمة الغذائية للأرزّ والحنطة ومحاصيل الحبوب الأخرى.
أما أكثر المناطق المتعرضة لخطر عوز البروتين فستكون أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعاني أساساً من عوز البروتين في غذائها، وكذلك مناطق جنوب آسيا التي يعتبر الأرزّ فيها مصدر الغذاء الأول. وستفقد الهند 5.3 في المائة من البروتين في غذائها نتيجة لذلك ما سيؤدي إلى معاناة 53 مليونًا من سكانها من خطر عوز البروتين.