تزامن، على وجه التقريب، إصدار المرسوم 8213، المتعلق بـ”التقييم الاستراتيجي لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام” في شهر أيار (مايو) 2012، مع صدور تقرير “التقييم البيئي الاستراتيجي للأنشطة النفطية في المياه اللبنانية” للعام 2011/2012، الذي أعدته شركة الدراسات RPS Energy Lmt لصالح وزارة الطاقة والمياه اللبنانية.
من حيث المبدأ، تكون دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي، تقييما للمتطلبات والحاجات التشريعية والتنظيمية والإدارية والمتعلقة بالبيانات والمعلومات والإحصاءات، وكذلك الحاجات التصميمية والتقنية، التي يجب العمل على توفيرها والإلتزام بها، منذ المراحل المبكرة لفكرة المشروع. إن إقرار هذه الدراسة والموافقة عليها يحيلها وثيقة قانونية، وإن تكن قابلة للتحديث والتطوير، وهي كذلك دائما، على أصحاب المشروع الإلتزام بها وتنفيذ توصياتها قبل الإنتقال إلى المراحل اللاحقة من العمل على المشروع.
في موضوع النفط والغاز، إن “المشروع” هو من نوع المشاريع العملاقة ذات الآثار الكبيرة والعميقة على البيئة والصحة والإقتصاد والتنمية والمجتمع بكل أبعاد حياته. صاحب “المشروع” هي الدولة اللبنانية، البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية، ممثلة بوزارة الطاقة والمياه وكل الوزارات المعنية الأخرى.
يقول مرسوم التقييم البيئي الاستراتيجي في مادته الثانية عشرة، المتعلقة بتقويم نتائج وآلية التقييم البيئي الاستراتيجي: “على وزارة البيئة أن تقوِّم كل أربع سنوات نتائج وحسن تطبيق التقييم البيئي الاستراتيجي منفردة أو بالتعاون مع المجلس الوطني للبيئة عند إنشائه، وذلك لتحسين الأداء البيئي وتبسيط الإجراءات حيث أمكن، Process quality assurance”.
نحن الآن على بعد خمس سنوات عن تاريخ إقرار دراسة التقييم الاستراتيجي للأنشطة النفطية في المياه اللبنانية، وهي الدراسة البيئية التمهيدية الأولى من ضمن الدراسات البيئية التفصيلية والشاملة الأخرى الواجب إعدادها في مراحل لاحقة من تقدم عملية استكشاف وإنتاج الغاز والنفط في المياه اللبنانية.
نرى أن عملية تقييم النتائج وحسن تطبيق خلاصات وتوصيات تلك الدراسة، هي بمثابة شرط ضروري قبل الإنطلاق لتحضير الدخول في المرحلة التالية، أي مرحلة تحضير دفاتر الشروط لدورة التراخيص الأولى للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية. هل قامت وزارة البيئة، بمفردها، أو بالتعاون مع غيرها من الإدارات بوضع مثل هذا التقييم المطلوب؟ وما هو مصير اللائحة الطويلة والهامة من خلاصات وتوصيات دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي؟ وأين هي ورشة العمل على سد الثغرات في مجال البيانات والمعلومات والإحصاءات، وسد النقص الكبير في مجال التشريعات والأنظمة والقواعد والإجراءات الخاصة بقطاع النفط والغاز، وبحماية البيئة والإدارة البيئية؟ وماذا عن التقدم في العمل على تطوير لوائح المعايير والمواصفات البيئية واستكمالها، ولا سيما ما يتعلق بشكل خاص بقطاع النفط والغاز؟ إلى أين وصل العمل على التطوير المؤسسي لتعزيز قدرات وزارة البيئة والوزارات الأخرى، للتعامل مع إنطلاق العمل في استكشاف وإنتاج النفط والغاز في لبنان؟ وماذا عن خطة الطواريء الوطنية للتعامل مع حوادث التسرب النفطي، المصنفة كوارث بيئية، في المياه اللبنانية؟ ماهو الجديد في إعداد التشريعات المناسبة المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة الخاصة بقطاع النفط والغاز؟ هل تم وضع خطة لرفع الوعي البيئي والحماية البيئية عند كل المعنيين بقطاع النفط والغاز، أي بمعظم فئات الشعب اللبناني؟ هل وضعت التشريعات المتعلقة بأفضل الشروط لتمديد أنابيب النقل البرية على طول الشاطيء اللبناني وغيرها من المناطق؟ إلى ماذا وصلت إليه عملية التقييم المفترضة لتلاؤم تشريعاتنا الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بقطاع النفط والغاز، وهل صادق لبنان على كل هذه الاتفاقيات؟ وهل هو بصدد المصادقة عليها؟
سيل من الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة ومسؤولة ودقيقة وكاملة من قبل الحكومة اللبنانية، ولا سيما وزارتي البيئة والطاقة والمياه، قبل الشروع بالإنتقال إلى مرحلة متقدمة من إطلاق الدورة الأولى من التراخيص.
إن تنفيذ كل التوصيات التي خلصت إليها دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي، هو ضرورة منهجية تسمح بالانتقال إلى مرحلة التراخيص، وهي ملزمة للدولة بوزاراتها المعنية تحديدا بهذا القطاع، وليست اختيارية يمكن القفز عنها أو تجاهلها، أو الاكتفاء بالتغني بها في الخطابات والبيانات والتصريحات.
وضعت دراسة التقييم الاستراتيجي لتحقيق عدد من الأهداف أهمها التحضير الناجح لإدارة صناعة استكشاف وإنتاج النفط والغاز، ومن أجل تعظيم الفوائد التي يمكن أن تقدمها شركات النفط والغاز العالمية المرشحة لتشغيل هذا القطاع، ولوضع خطة عمل للمرحلة التالية من الأعمال.
خلصت الدراسة إلى تحديد مجموعة من القضايا التي ينبغي علينا النظر إليها باعتبارها أجزاء مكوِّنة لقضية واحدة، وهي: خطة الطواريء الوطنية، وضع تشريعات مناسبة تتعلق بـ”الصحة والسلامة والبيئة” وبالإطار التنظيمي، أي بمجموعة الأنظمة والقواعد والإجراءات، وبالعمل على تعويض النقص الفظيع في البيانات والمعلومات وبإدارتها، وبالعمل وفق خطة تعمل على رفع وتعزيز الوعي البيئي والحماية البيئية لدى كل المعنيين والجمهور العام، ووضع خطة مقبولة لبناء أنابيب النقل البرية على قاعدة احترام كامل للمتطلبات البيئية ومتطلبات الصحة والسلامة، وأخيرا بحث المسائل العابرة للحدود والتأثيرات التراكمية الناشئة عن استكشاف وإنتاج النفط والغاز في المياه اللبنانية.