لم نكن نتوقع عودة “الصيد بالديناميت” ظناً منا أننا عبرنا من الحرب والفوضى إلى دولة القانون والمؤسسات، إلا أن شيئاً لم يتغير، في ما عدا “ديكور” لدولة عاجزة عن مواجهة: المقالع والكسارات، المرامل، أزمة النفايات، تلوث الهواء، الصرف الصحي، ملف الصيد البري، فوضى البناء، التعدي على الأملاك البحرية، الاتجار بالحيوانات البرية، مشكلة الدواء، النفايات الطبية، تلوث الليطاني… وما لا حصر له من فضائح تتوالى، وتبقينا في دائرة الشك والهواجس على حاضر ومستقبل، أما أن نواجه تعديات على البيئة البحرية بـ “الديناميت” فقد “تم النقل بالزعرور”!
حيال هذا التعدي الذي رصده موقعنا greenarea.info قبل أيام عدة، نحار من أين نبدأ، وكيف نواجه ما يعرّي لبنان في محيطه المتوسطي، تلويثا للبحر طمرا بالنفايات، فيما تصب على الشواطىء مياه مجاري الصرف الصحي غير المعالج، وهو الموقع على اتفاقيات دولية لحماية البحر، ومن بينها “اتفاقية برشلونة”، فهل بات لبنان أرضا سائبة، لا قانون يحميها؟

معاناة لا تنتهي

فيما يكد صيادون ويركبون البحر فجرا، تلفحهم شمس حارقة، ويكابدون لتأمين لقمة عيش كريمة، ثمة من لا يقيمون اعتبارا لقيم ومناقب، يتسللون خفية فجرا يلقون “الديناميت” ويجمعون ما طفا على سطح المياه من أسماك، بما فيها تلك الصغيرة ويتوارون، وهم لا يدمرون الحياة البحرية بتنوعها الأحيائي فحسب، وإنما ينسفون كل الجهود المبذولة لصالح الصيد البحري المستدام.
ولا نستغرب أن يظل قطاع صيد الأسماك أحد أكثر القطاعات المهملة في لبنان، ما ينعكس معاناة لا تنتهي تطاول الصيادين، وهم يواجههون الكثير من المصاعب وفقدان الحد الأدنى من العيش الكريم، فلا ضمان إجتماعي وصحي، ولا معونات مادية، وعلى مر السنين لم تتمكن الوزارات المتعاقبة، ولا المساعي الدولية من جهات مانحة من بين أهدافها تكريس مفاهيم الصيد المستدام، من تنظيم هذه المهنة في لبنان، ولم تساعد الصيادين أيضا العوامل المحيطة من تلوث البحر وردمه بالنفايات، ففي الآونة الأخيرة اعتصم الصيادون في بيروت ليطالبو بالتعويض عليهم بعد ما سببته المطامر البحرية من تلف وتلوث طاول معداتهم وشباكهم، فضلا عن قطع أرزاقهم، هذا بالاضافة قلة الأسماك المحلية وندرتها ودخول الأسماك الغازية كالنفيخة وغيرها.

تدمير النظم الإيكولوجية

ويواجه الصيادون إلى كل ما تقدم، منافسة سوق الأسماك المبردة، بالإضافة إلى وجود دخلاء على هذه المهنة لا يراعون البيئة البحرية، ويقدمون على استخدام وسائل غير مشروعة كالتفجير بالديناميت في تحد سافر للقوانين، ما يلحق الضرر بالثروة السمكية.
تستخدم هذه الطريقة لقتل أو صعق مجموعات الأسماك نظرا لسهولة جمعها، وهذه الممارسة غير القانونية تؤدي إلى تدمير النظم الإيكولوجية البحرية والموائل، بالاضافة الى انها تشكل خطرا على الصيادين وتعرض حياتهم للخطر.
إن الصيد بالديناميت ما زال قائما في لبنان رغم الحد منه بشكل كبير، مع متابعة وملاحقة وزارة الزراعة والجيش اللبناني للمخالفين، ومع انطلاق مشاريع الصيد المستدام التي من شأنها أن تخدم مجتمع الصيادين، وتضافر الجهود لتأمين إدارة مستدامة للنظام البيئي البحري وتفعيل عمل المحميات، يبقى الصيد بالديناميت صادما، خصوصا وأن بعض الصيادين أو المتطفلين على هذه المهنة، لا يراعون ديمومة مصدر رزقهم ظنا منهم أن هذه الطريقة ستكون مربحة وسهلة، وهم لا يعرفون أنهم يدمرون هذا القطاع الذي تعتاش منه مئات العائلات في لبنان.

خليل تناشد

ولذلك، تفاجِئُنا التعديات الصارخة، وتصلنا شكاوى من وقت لآخر، وكان آخرها، بحسب السيدة منى خليل، ما حدث قبل ثلاثة أيام عند الفجر، حين ألقى أحدهم الديناميت في البحر مرتين قرب “سنسول القليلة”.
وتقول خليل لـ greenarea.info أنهم “عاودوا فعلتهم في اليوم التالي مرتين ايضا”، وهذا ما أثار قلقها، فاتصلت بمركز خفر السواحل القريب حيث استخدم الديناميت، وتستغرب خليل “وجود القوى الأمنية في هذه النقطة وكيف لم يلاحظوا هذا التعدي”، وتتابع ان “ما يحصل هو جريمة بحق البحر، فالديناميت يقضي على كافة الأحياء البحرية بكافة أحجامها ويقضي على موائلها، هذا بالإضافة إلى أن شاطئ القليلة هو حمى طبيعية بمعظمه، ويعتبر شاطئ المنصوري المجاور أحد أهم موائل تعشيش السلاحف في لبنان”.
وناشدت خليل عبر greenarea.info “السلطات المحلية إجراء المقتضى”، وطالبت بـ “سرعة التدخل وتوثيق هذه التجاوزات”.
تجدر الإشارة إلى أنه كان قد وصل greenarea.info بلاغ أيضا عن استعمال الديناميت بالقرب من شاطئ القاسمية شمال مدينة صور، ليتبين لنا أن استعمال الديناميت يتم خارج بحر المدينة، وفي مناطق لا تخضع لرقابة مشددة وتحيط صور شمالا وجنوبا.

وزارة الزراعة

ومع استمرار التعديات، كان لا بد من تبليغ وزارة الزراعة لتتحرك وتفتح تحقيقا في الموضوع وملاحقة الفاعل، وهذا ما قام به greenarea.info، وقد تابع مصدر مسؤول في وزارة الزراعة – صور، وقال لنا: “أرسلت مراقبين من الوزارة الى شاطئ القليلة حيث المكان المحدد وتم فتح تحقيق واستجواب أصحاب المنتزهات”.
وأضاف: “كما أبلغنا الجيش اللبناني الذي أكد أن عناصره لم يلاحظوا أو يسمعوا شيئا، وعاودنا الاتصال بخفر الشواطى الذين وعدوا بالاستقصاء عن الموضوع، كما رحجوا أن يكون الفاعل قد خرح من مخيم الرشيدية غير الخاضع لسلطة الدولة”.
وكنا قد عرضنا في تحقيق سابق إلى أن هذه المنطقة عرضة للديناميت من قبل صيادين من داخل المخيم، وهذه الحادثة تفرض على الفصائل المعنية في المخيم التعاون مع الجيش اللبناني، وهي بالتأكيد لا ترضى بممارسات تسيء إلى المخيم وأهله، وهذا ما يرتب مسؤوليات على الدولة اللبنانية لجهة التنسيق مع هذه الفصائل ووضع حد لهذه الممارسات، وذلك بعد الاستقصاء والتأكد من الجهة الفاعلة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This