ثمة الكثير ليقال عن الوثيقة المعنونة “سياسة الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة في لبنان” والتي أصدرتها وزارة البيئة في تموز ٢٠١٧ ” وتقع في ٤٢ صفحة. وألحقتها في ١٧ آب الجاري بما اسمته الخطة التنفيذية لسياسة الادارة المتكاملة للنفايات وتقع في ٢٠ صفحة، ما عدا الملاحق.
سنحصر النقاش في هذا التقرير بما تقترحه الوثيقة من الناحية الفنية لجهة اعتماد تنقية تسبيخ النفايات العضوية، وتحويل النفايات الى “الوقود البديل المشتق من المرفوضات” RDF.
يكثر الحديث في الوثيقة عن أهمية تسبيخ النفايات العضوية من الناحية الاقتصادية، وهذا أمر يحتاج الى تدقيق وتفصيل، خصوصاً اذا احتسبنا النفايات العضوية الحيوانية والتي تصبح بعد معالجتها موادة مثبته وليس مخصبة للتربة، ولا ينتج لبنان حالياً سباخ زراعي درجة اولى، إلا في بعض المشاريع الصغيرة، اما المنشآت الكبرى في الكورال وصيدا فلا تزال تنتج سباخاً بنوعية ردئية غير صالح للاستعمال الزراعي.
والحقيقة ان انتاج السباخ الزراعي درجة اولى لا يستقيم الا من خلال الفرز من المصدر للنفايات العضوية الخضراء والمضاف اليها اوراق الاشجار النتاج عن تنظيف الحدائق والاحراج ، والتي يمكن ان ينتج عنها سباخ صالح للزراعة. اما باقي المواد العضوية الممزوجة في اغلب الاحيان (بسبب غياب الفرز من المصدر، وغياب خطة ادارة للنفايات الصناعية) بمواد كيميائية مثل بقايا الدهانات والادوية والزيوت وغيرها، فمصيرها الطمر وغالباً ما تصنف مرفوضات بعد تسبيخها، وهذا ما يحدث منذ سنوات في معمل الكورال الذي يعمل بتقنية التسبيخ الهوائي، ومعمل صيدا الذي يعمل بتقنية التسبيخ اللاهوائي.
تبالغ الخطة التنفيذية ، وضمن ما يعرف بالحلول الانية الطارئة، في الاعتماد على خيار انتاج الوقود البديل RDF ضمن معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية، دون الاشارة الى طبيعة المنشآت الصناعية المطلوبة لتصنيع قرابة ٥٠٠ طن من الوقود البديل (اكتفت الخطة بعبارة تركيب آلة)، والوقت المطلوب لجهوزيتها ، وما اذا كانت هذه المدة صالحة لتصنيفها ضمن الحلول الآنية.
لكن فيما لو صحت التوقعات، واستطاعت الحكومة تلزيم انشاء مصنع لانتاج الوقود البديل ، فهل ستكون معامل الاسمنت في شكا وسبلين جاهزة لحرق الوقود البديل؟ ومجاناً او مقابل بدل؟ وماذا عن مواقف المجالس البلدية في هذه المناطق، وحالة الغليان الشعبي بسبب التلوث الناتج عن معامل الاسمنت، والذي سيستغل لشيطنة الوقود البديل كما جرى شيطنة بقية الحلول؟ وفي الكثير من الاحيان بسبب تضارب المصالح بين اعتماد تقنية الوقود البديل ومن يمسكون بالقرار البلدي منذ عقود، وتحديداً في شكا.
تقول وزارة البيئة في خطتها التنفيذية ان معامل الاسمنت في لبنان يمكنها استقبال كمية لا يستهان بها من الوقود البديل، وتقترح انشاء وحدة تضم كافة الفرقاء المعنيين لادارة نظام تشغيلي ومالي واداري محدد يؤمن استمرارية تغذية معامل الاسمنت بالوقود البديل RDF ويضمن التصريف المستمر لها من معامل الفرز. كما تقترح اعتماد نظام الشفافية في الادارة واعداد الدراسات البيئية الازمة ومشاركة العامة لضمان وعي المجتمع المدني، ووضع وتنفيذ برنامج رصد متواصل للملوثات التي قد تنتج عن هذا الاجراء يكون موصولاً مباشرة الى الانترنت والى موقع وزارة البيئة الإلكتروني ! (لماذا لم يعتمد هذا الحل منذ سنوات) ؟
ومعلوم أن استخدام مصانع الإسمنت في شكا وسبلين للوقود الناتج عن النفايات، دونه العديد من العوائق التقنية، وذلك بسبب طبيعة الأفران الحالية وعدم القيام بتجارب أولية تثبت نجاعة الوقود البديل المنتج ونوعيته. وبالاستناد إلى تجربة استخدام الوقود البديل في مصنع «نورسم بريفك» للإسمنت في النرويج، يتبين أن درجات الحرارة المرتفعة وفترة المكوث الطويلة وتوافر الأوكسجين والخلط الجيد، هي جميعاً عوامل لازمة لضمان احتراق كافٍ لكميات كبيرة من كتل الوقود البديل. وفي حال عدم توافر هذه العوامل يمكن توقع زيادة تركيزات أول أوكسيد الكربون ومجموع المواد العضوية. وفي حال وصول مستوى أول أوكسيد الكربون إلى ٠.٣ و ٠.٥٪ بالحجم، فإن ذلك يسبب إعاقة المرسب الكهروستاتيكي لتجنب الانفجار، خصوصاً إذا كان هذا الأمر يحدث بالتزامن مع انبعاثات مرتفعة للأتربة. وغالباً ما تكون هذه الانبعاثات مصحوبة مع انبعاثات مجموع المواد العضوية التي تفوق حدود الانبعاثات الامنة نسبة إلى الغاز الجاف عند ١١٪ بالحجم أوكسجين.
غالباً ما تحتوي النفايات المنزلية على نسبة عالية من الكلور. لذلك، إن زيادة كميات وقود المخلفات يؤدي إلى زيادة الكلور الداخل بنظام الفرن. ولأن الكلور عنصر متطاير، يعاد تدويره بشدة في نظام فرن الإسمنت، ويميل إلى التراكم على الخلطة الساخنة. وقد يؤدي ذلك إلى تغيير الخواص الانسيابية للخلطة وإلى زيادة الرواسب في النظام، ما قد يسبب انسداد السيكلون ومشاكل أخرى في التشغيل. وفي حال ثبوت أن الخلطة الساخنة تحتوي على ٣٪ بالوزن كلور و٣٪ بالوزن ثالث أوكسيد الكبريت، فإن ذلك يعني أن من غير الممكن استخدام الوقود البديل بنسبة أعلى من ٣٥ بالمئة من دون تغيير نظام الفرن.
وينبعث جزء من كمية الكلور الداخل إلى الجو المحيط من طريق غاز العادم، وفي حال إدخال كمية أكبر من الكلور، سيؤدي إلى زيادة في انبعاثات غاز كلوريد الهيدروجين. إضافة إلى أن زيادة نسبة الكلور في الكلنكر (المادة الأولية للإسمنت قبل الطحن)، فإن ذلك سيؤثر في جودة الإسمنت المنتج. كذلك تواجه مصانع الإسمنت مشاكل أخرى من جراء استخدام الوقود البديل تتعلق بقدرتها على سحب الأجزاء غير المحترقة من كتل الوقود الساقطة من الأعلى، ما يؤدي إلى سقوط أجزاء من الوقود البديل داخل فوهة الفرن، ما يثير مشاكل تتعلق بالخلل في التدوير الداخلي للكبريت والقلويات. ولحل هذه المشاكل، لا بد لمصانع الإسمنت أن تجري تغييرات أساسية في نظام الفرن لتسهيل الاستفادة من الوقود البديل.
وبحسب دورية «الإسمنت العالمية «، وهي مجلة فنية متخصصة بصناعة الإسمنت، احتاجت شركة Heidelberg للإسمنت في النرويج إلى رصد اعتماد بقيمة ٨ ملايين يورو لتعديل نظام الفرن، شملت تعديل المسخن الابتدائي وتركيب الممر الجانبي وتعديل نظام تغذية المخلفات.
وهدف هذا المشروع إلى زيادة طاقة الوقود البديل من ٣٥ إلى ٦٠٪ والقضاء على مشاكل التشغيل وخفض انبعاث مجموع المواد العضوية وغاز كلوريد الهيدروجين إلى مستويات أقل من حدود الانبعاثات.
وبالمقارنة بين التجربة النروجية وتلك التي يفترض أن تحدث في مصانع الإسمنت في لبنان، يتبين أن شركات السبع وهولسيم وسبلين تحتاج إلى ثلاثة أضعاف هذا المبلغ لإدخال تعديلات تسمح باستخدام الوقود البديل في أفرانها، لأن عملية التغيير لن تشمل زيادة نسبة كمية الوقود البديل، بل القدرة على استقبال هذا الوقود التي تحتاج إلى إنشاء محطة استقبال الوقود البديل وتركيب صومعة أسطوانية مجهزة بنظام تفريغ دوار للتغذية، إضافة إلى إنشاء حجرة احتراق بموقع ساخن من نوع التيار الهابط، وصنع موقد ذي ثلاث قنوات للاستخدام في غرفة الاحتراق لإدخال الوقود البديل من خلال أنبوب مركزي، كذلك يدخل هواء للتبريد من خلال حلقة خارجية لحماية الموقد من الحرارة. كذلك يجب إجراء تعديلات أخرى مثل تغيير مسار مجرى الهوائي للتكيف مع غرفة الاحتراق الجديدة وتغيرات في الفرن لضمان الميل الكافي لمواسير الخلطة التي يفترض تغير مسارها.
واللافت أن الفترة المتوقعة لإجراء هذه التغييرات لا تقل عن عشرة أسابيع إن جرت بكفائة عالية، ومن قبل شركة ذات خبرة عالمية، الأمر الذي يعني خسائر إضافية من ناحية القدرة الإنتاجية، خصوصاً إن كان موسم التشغيل ضمن ذروة الطلب على الإسمنت التي تكون في فترة الصيف.