قبل أن تأخذنا موجات الحداثة، وقبل أن نصبح أسرى رفاهية العيش منذ منتصف القرن الماضي، وقبل أن يفرض علينا الغرب عاداته ويغير أنماط حياتنا، لم تكن مشكلة البدانة حاضرة، إلا في حدودة ونسب تكاد لا تذكر، وأكثرها ناجم عن مشكلات صحية عضوية، ورفاهية العائلات الموسرة التي كانت تنعم برغد العيش، وإذا ما نظرنا إلى بعض الرسومات منذ القرن الرابع عشر، نجد صورا (بورتريه) لملوك وأمراء تبدو عليهم البدانة ومنهم على سبيل المثال ملك إنكلترا هنري الثامن (1491-1547).

لم تكن البدانة شائعة كما هي اليوم، وثمة أسباب عدة، أهمها أنه لم تكن هناك وسائل نقل حديثة، وكان الناس يبذلون التعب والعرق في تحصيل معيشتهم، ومن ثم لم تكن هناك أطعمة جاهزة، فيما اليوم تحولت البدانة إلى ما يشبه الـ “وباء”، ولا تني منظمة الصحة العالمية تحذر من مخاطرها على الصحة العامة، خصوصا وأن البدانة باتت سببا رئيسيا لأمراض قاتلة، ولا سيما منها: السكري، تصلب الشرايين، السرطان وغيرها.

 

عامل إضافي

 

ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، أن ثمة عاملا إضافيا ساهم في تفاقم ظاهرة البدانة، وهو غير منفصل عن أنماط معيشة الإنسان وسط ما يواجه من قلق وتزايد أعباء الحياة، فقد أظهرت دراسات أن النوم بمعدل سبع أو ثماني ساعات في كل ليلة يحسن فرص فقدان الوزن إذا كان الشخص ينفذ حمية غذائية لهذا الغرض، وأن قلة النوم تعزز إشارات الجوع لدى الدماغ وتزيد من مستوى الهرمونات التي تؤثر على الشهية بحيث تدفع الشخص إلى تناول المزيد من الطعام.

وكتب باحثون في مجلة “الجمعية الطبية الكندية” في دراسة نشرت نتائجها قبل سنوات عدة “إن عادات النوم ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار إلى جانب الحمية والتمارين الجسدية ضمن البرامج المخصصة للمساعدة على إنقاص الوزن”.

ففي آخر دراسة، وجد الباحثون أن الذين رفعوا معدلات النوم من ست ساعات فأقل إلى ما بين سبع أو ثماني ساعات خسروا كيلوغرامين ونصف الكيلوغرام على مدى ست سنوات.

وقد أظهرت دراسة أقصر (17 أسبوعا) أجريت على 123 شخصا يعانون من البدانة، أن الذين نالوا قسطا أطول من النوم أصبحوا أكثر ميلا للنحافة وهم يخضعون للحمية.

 

دراسة حديثة

 

لكن يبدو أن العلماء أدركوا وأكثر من قبل، أن النوم عامل رئيسي في مواجهة السمنة، بعيدا من حميات الغذاء القاسية وممارسة التمارين الرياضية المجهدة، فاتباع الحمية الغذائية (الريجيم) وممارسة الرياضة هما المفتاح السحري للراغبين في إنقاص الوزن، لكن ما ينساه الكثيرون هو أن النوم يلعب دورا مهما في فقدان الكيلوغرامات الزائدة.

وفي هذا السياق، رصد فريق من الباحثين البريطانيين علاقة النوم بزيادة الوزن من خلال تقييم نتائج 11 دراسة مختلفة، وفقا لموقع DW الألماني.

وخلصت نتيجة دراسة أجريت في “كينغز كولدج” بلندن، إلى أن عدد ساعات النوم يؤثر على اختيار نوعية الغذاء، وفي إحدى الدراسات تم تقسيم المشاركين لمجموعتين، نامت المجموعة الأولى لساعات قليلة خلال الليل (تتراوح بين 3.5 و5.5  ساعات)، في حين سمح للمجموعة الثانية بالنوم لساعات تراوحت بين سبع و12 ساعة. وتم رصد اختيار جميع أفراد المجموعتين للطعام في اليوم التالي.

وأوضحت النتائج التي نشرتها مجلة “فوكوس” الألمانية، أن أفراد المجموعة الأولى اختاروا في اليوم التالي الأغذية الدهنية غير الصحية، في حين كان أفراد المجموعة الثانية أكثر اختيارا لنوعية أطعمة صحية.

وتنوعت آراء الباحثين لتفسير هذا الأمر، إذ يقول باحثون إن قلة النوم تؤدي لاضطراب في اثنين من الهورمونات (هورمون غريلين المحفز للشهية وهورمون ليبتين الخاص بالشبع) المؤثرة على آلية اختيار الطعام.

وعلقت المشرفة على الدراسة، حياة الخطيب على النتائج قائلة: “توضح النتائج التي خلصنا إليها، أن النوم هو العنصر الثالث بجانب الرياضة والتغذية، والذي يؤثر على فقدان الوزن بشكل فعال”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This