يتجه العالم نحو تبني ممارسات رحيمة تجاه الكائنات البرية والبحرية التي يتم تدجينها وترويضها، لتقدم عروضا “فنية”، دون أي اعتبار لقيم إنسانية وأخلاقية، خصوصا وأننا ولجنا القرن الحادي والعشرين بما يزيد عن ستة عشر عاما، وبدأت تتكرس مفاهيم رافضة لتوظيف الحيوانات في عروض ظاهرها جميل، ولكن ما خفي في الكواليس مرعب ومخيف.

نحن لا نرى إلا ما يريد إظهاره القيمون على هذه العروض، نصفق ونستمتع وتأخذنا الدهشة في استعراض فني “ظاهرا”، ووحشي في ما لا نعرفه عن هذه الكائنات عند إرغامها على أداء ما يطلب منها من خلال تجويعها وترويعها، وربط حصولها على الغذاء بالقيام بحركات معينة.

 

الاتجار غير المشروع

 

تتعرض الحيوانات البرية والبحرية لضغوط كبيرة بعيدا من بيئتها الطبيعية، وهذا ما يفسر ظاهرة انقضاض أسد أو نمر أو فهد على مروضيه وقتله، فضلا عن أن الحيوانات المفترسة خصوصا تصبح أكثر عدوانية في الأسر، وهي تأنف أن يقدم لها الطعام استذلالا فيما هي تقتنص الصيد بفطرتها الأولى.

ولا نتحدث هنا عن ظروف عيشها اليومي، وتسفيرها بصناديق وأحواض صغيرة، وما تتعرض له من ممارسات تساهم في تقصير أعمارها، ودون أن نتحدث أيضا عن الاتجار غير المشروع بها، خلافا لما تنص عليه القوانين الدولية، ولا سيما معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوانات والنباتات البري المهدد بالانقراض “سايتس” CITES. وما يؤكد استمرار ازدهار هذه التجارة هو تنامي الطلب عليها، إذ يقدر سعر شبل الأسد الأبيض بأكثر من مئة ألف دولار، وتنشط مافيات في أعمال التهريب والمتاجرة، وقد شهدنا بعض في فصولها في لبنان مع ضبط ثلاثة نمور سيبيرية.

 

“رأي عام”

 

كل ذلك يقودنا إلى فضيحة عروض الدلافين في بيروت، وسط تضارب في الصلاحيات، بدا فيها أن كل وزير يغني على ليلاه، فقبل تقديم العروض كان هناك موقف واضح لوزير السياحة أعلن خلال “رفض الوزارة لعروض الدلافين، وأي نشاط آخر قائم على استخدام الحيوانات المعرضة للانقراض في مجال الترفيه ولأهداف تجارية”، وكنا اعتقدنا أن القضية حسمت، لنفاجأ بعد أيام عدة بإعلان عممه Cirque Du Liban، أن العروض ستفتتج برعاية وحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي في 28 آب الماضي.

ورغم الحملات التي تزامنت مع توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على قانون حماية الحيوانات والرفق بها، لوقف العروض المقررة، إلا أن الوزير الرياشي ظل على موقفه ضاربا عرض الحائط كل المناشدات من جمعيات وبيئيين، وتعاطى مع هذه القضية بعيدا من مفهوم برنامجه الإذاعي على إذاعة “لبنان الحر” بعنوان “رأي عام”، ويبدو أنه منذ تسلمه مقاليد الوزارة ما عاد ثمة “رأي عام” يعنيه من قريب أو بعيد.

 

الدلافين أو الحيتان!

 

لم يكتفِ الرياشي بحضور ورعاية عروض الدلافين، وإنما التقط صورا معها وهو “يطبطب” على دولفين، لا بل ودعا الناس إلى حضور العروض الرائعة، والترويج لها، حتى أن بعض الصائدين في الماء العكر، لوحوا إلى أن الرياشي ربما يكون شريكا في العرض!

وطلع علينا بتصريح قال فيه أن “الدلافين لا تخيف، انما الدلافين البشرية هي التي تخيف”، هنا أخطأ الرياشي بين الدولفين والحوت، فالدلافين ما كانت لتخيف يوما إلا عرَضا وهي في البحر إن فاجأها سباح أو غطاس، فتلوذ بحركة سريعة ربما تتسبب بإصابة من هو قريب منها.

لقد التبس الأمر على وزير الإعلام بين الدولفين والحوت، فالأول يبقى رمزا للوداعة والذكاء، فيما الحوت يبتلع كل ما يمر بطريقه، وربما تقصّد ذلك، ليبعد عن الحكومة بعضا مما يصيبها من سهام النقد، باعتبارها تضم بعض “حيتان” السياسة والمال والفساد.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This