تتبوّأ أخبار البيئة عالمياً ومحلياً عناوين وسائل الإعلام، المكتوبة، المرئية، المسموعة، ومواقع التواصل الإجتماعي. وكلما تقدّم العلم في طرح أبحاث ودراسات تثبت علاقة الأنشطة البشرية في رفع حدة الإحترار المناخي والحد من قدرة الطبيعة على إستيعابه، كلّما زاد تعنّت بعض رؤساء العالم برفض هذه الحقيقة من جهة والقيام بأفعال تضرّ البيئة عن قصد أو بدونه من جهة أخرى.
ورغم أن العالم يتّجه نحو استنباط وسائل تطيل من الحياة على الكوكب الأزرق، يبدو أن لعب الكبار يفاقم من معضلة التغيّر المناخي بشكل لا يدركونه فيحصد تداعياته الصغار.
خير مثال على اللعب بالنار، ما ينتج عن الصراع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والكوري(كوريا الشمالية) كيم يونغ أون من شظايا تضرّ ببيئة العالم أجمع.
تهديد من هنا وآخر من هناك، إلى أن أطلّت “لإعلامية الجدة”الكوريّة، ري تشون هي، لتعلن بحماس وفرح نجاح تجربة نووية سادسة على قنبلة هيدروجينية يمكن تحميلها على صاروخ باليستي “عابر للقارات”.
إهتزّ العالم على وقع حماس تلك المذيعة المعمّرة التي يُسند إليها نشر الأخبار المهمة بأمر من الرئيس نفسه، دون أن ترفّ جفون البشر حول هول التداعيات البيئية الناجمة عن تلك التجربة.
20 مليون طن TNT
في البيان الصادر عن كوريا الشماليّة، أعلنت أنّها جرّبت قنبلة هيدروجينيّة كانت عبارة عن “سلاح نوويّ حراريّ متعدّد الوظائف بقوّة تدميريّة عظيمة يمكن أن يتمّ تفجيره على مرتفعات عالية لشنّ هجوم نبض كهرومغناطيسيّ خارق جدّاً وفقاً لأهداف استراتيجيّة”.
تداعيات بيئية وصحية بالجملة، يحصدها المجتمع المحيط الذي تنشر فيه القنبلة الهيدروجينية تماماً كالنووية شظاياها الغازية. فالقنبلة الهيدروجينية هي قنبلة نووية حرارية تعتمد تقنية الإندماج بين عناصر الهيدروجين، الديوتيريوم والتريتيوم، من خلال توفير طاقة حرارية هائلة عبر قنبلة نووية إنشطارية.
قوتها التدميرية ضخمة جداً تتراوح بين عشرة آلاف وخمسين ألف قنبلة ذرية، وتقاس بالميغا طن، العادية منها تعادل قوة إنفجار نحو عشرين مليون طن من مادة “تي أن تي “، ويصل الإشعاع الناتج عن إنفجارها إلى مساحة قطرها مئتا كيلومتراً. علماً بأن قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وناكازاكي بلغت ما بين 13 و18 كيلو طن فقط.
تجربة كوريا الشمالية الأخيرة ولّدت هزّات أرضيّة أعنف من تلك التي تمّ تسجيلها في التجربة السابقة بحوالي 10 مرّات على ما قاله مسؤولون كوريّون جنوبيّون ويابانيّون. وكان ستيفن جيبنز، خبير وراصد زلازل ناتجة عن التجارب النوويّة، قد غرّد على “تويتر” بعد الهزّة الأرضيّة الأولى (6.3 درجات) التي تسبّب بها الانفجار مشيراً إلى أنّه يعادل قوّة 120 كيلوطن من ال “تي أن تي” (قنبلة هيروشيما 13 كيلوطن). وقد حدثت هزّة ثانية بقوّة أربع درجات بسبب انهيار باطنيّ لاحق تسبّب به التفجير.
أضرار صحية
مواد كثيرة تنتشر مع إنفجار القنبلة الهيدروجينية، وأهمها، غاز الكريبتون، وهو يؤثر على كل جسم الانسان ويساهم في الإصابة بسرطان الدم، وقد يستمر تأثيره حوالي 20سنة بعد حدوث الإنفجار او الإنشطار النووي. عنصر اليود الذي يتصاعد من الانفجار النووي بصورة غازية، تمتصه الغدة الدرقية، أما عنصر الاسترتشيوم فهو شبيه بعنصري الكالسيوم والباريوم، ويتركز تأثيره غالباً على العظام فيصيبها بالسرطان، وقد يستمر تأثيره حوالي 56سنة. السيزيوم، يؤثر على كل الجسم، وخصوصاً العضلات والكبد والطحال، وقد يستمر تأثيره لمدة 60 سنة.
ولا تقتصر أضرار التلوث النووي على آثاره المباشرة على حياة الانسان وصحته، بل إنها تمتد إلى تلويث أو تسميم كل جوانب البيئة التي يعيش فيها من ماء وغذاء وتربة وصخور وملابس وأدوات وغيرها.
من أخطر المواد المشعة الناتجة عن الانفجار نظير السترنشيوم (s3890Sr)، الذي إذا وقع على الأرض يمتص من التربة بواسطة النباتات ومنها ينتقل إلى الحيوان ثم إلى الإنسان عندما يتغذى على ألبانها ولحومها، ويترسب في العظام مسببا سرطان العظام.
فإشعاعات القنابل النووية تتسبب في تسمم المياه والهواء وإحراق التربة، الأمر الذي يعيق عملية الإنتاج، وتأثيرها قوي على البشرية والكائنات الحيّة بصفة عامة حيث ينتج عن إنفجارها عدداً من الأمراض الخطيرة على رأسها السرطان، فضلاً عن تشوهات الجلد والأجنّة في أرحام أمّهاتها. والأمر لا يتوقف على وقت حدوث الانفجار، وإنّما هذا التأثير يمتد لأكثر من 100 عام ويكون تأثير الإشعاعات واضح بصورة ملحوظة على الأجيال الجديدة..
كل من ترامب و كيم يونغ، يتعاملان مع علاقتهما النديّة بإستهتار بيئي، صحي وعالمي على أساس “الغاية تبرّر الوسيلة” وإذ شخّص أكثر من مسؤول تلك العلاقة بـ “الولادية” لا يمكننا القول أكثر من أن ” قاضي الولاد شنق حالو”.