يبقى شاطىء عدلون حكاية حب ومرمَح جمالٍ وضوع أطياب البحر، وتفاصيل تعرِّش في فضاء الفرح، موجا يلاطم الصخر، يرسم للرمل أحلامه، موجا يتسابق لينحتَ عشقه الأزلي على زفرة الماء ويتلو الزبدَ شِعرا وموسيقى، ليعلن قيامةَ التاريخ من رحم السنين، ويدنو من قارعة الخوف على مِعلمٍ تزنره المطامع بأسلاك الموت الموعود على مذبح الخطيئة.

وشاطىء عدلون ليس فسحة جمال لطبيعة آسرة فحسب، هو ما يجري في عروقنا والأفئدة، هو ما لا نتلمسه إلا بلهثة الألق ساعة تتنهد آلهة البحر على شفق الغروب، ويرتحل إليها من لم يتلوثوا بمالٍ، ينأون عن صفقات نشتم منها رائحة فضيحة، تستهدف الذاكرة والتاريخ والإرث الثقافي وكل قيم الخير والمحبة والجمال.

من هنا، لا يمكن أن نقارب شاطىء عدلون بعيدا من ماضٍ وحاضر، في سيرورة الحياة وتواصلها، وهذا ما يبرر خوفنا فهذا الشاطئ من أي مشروع يمكن أن يهدد غناه وتنوعه البيولوجي، والذي يتسم بخاصية استثنائية كونه يعتبر موئلا حيويا لسلاحف البحر، وأي منشأة ستقام عليه، هي مشروع تهجيري لهذه السلاحف، غير القادرة على مواجهة حيتان المال، ولو قدر لها أن تشكو لـ “قالت”: “هذا موطني منذ ملايين السنين”.

 

محمية طبيعية وثقافية

 

وتجدر الإشارة في هذا المجال، إلى انه خلال فترة تقارب الشهرين وثق المرصد الأخضر التابع لـ “جمعية الجنوبيون الخضر” نفوق ثلاث سلاحف بحرية على شاطئ عدلون، الذي تصفه الجمعية بـ “التاريخي والحيوي”، وتطالب منذ العام 2014 بإعلانه محمية طبيعية وثقافية، وقدمت لدى وزارتي البيئة والثقافة مطالعات وكتبا حول هذا المطلب ولا زالت تتابعها إلى اليوم.

وآخر السلاحف البحرية التي عثر عليها كان نهار أمس الأول الأربعاء 6 أيلول الجاري، وهي من فصيلة “ذات الرأس الضخم” Big-headed turtle المعرضة لخطر الانقراض، وبحسب “الخضر”، فإن النفوق جاء نتيجة ضربة تلقتها على درعها (قوقعتها)، مما أدى إلى نفوقها، وقد يكون ذلك نتيجة اصطدام بجسم حاد أو تفجير ديناميت قريب، خصوصا وأن المنطقة لا زالت تشهد عمليات صيد غير مشروع بالديناميت. أما الحالتين السابقتين فقد رجح “الخضر” سبب النقوق إلى الاختناق نتيجة إبتلاع مخلفات من أكياس البلاستيك.

 

تصنيف وحماية الشاطئ

 

وأشار مؤسس ورئيس “جمعية الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس لـ greenarea.info على هذه الحوادث بالقول إن “تسجيل هذا العدد من نفوق السلاحف البحرية على هذه الرقعة الصغيرة وفي فترة قصيرة، يشكل نذيراً خطيراً لتردي أوضاع النظم البيئية البحرية والشاطئية على الساحل اللبناني، وذلك لخصوصية وحيوية الدور الذي تلعبه السلاحف البحرية على الرغم من أعدادها المحدودة والمهددة بالإنقراض على المستوى العالمي والمحلي”.

وأضاف: “لقد راسلنا وزارة البيئة مرات عدة وقمنا بحثها على اتخاذ إجراءات سريعة لحماية الشاطئ وتصنيفه، وعلى الرغم من  تقديرنا لحجم المتابعات المترتبة على وزارة البيئة، فإن ذلك لا يفترض أن يحول دون اتخاذ إجراء جدي لتصنيف وحماية هذا الشاطئ الحيوي خصوصا وأن الموضوع أخذ وقتاً طويلاً للغاية”.

وقال يونس: “ان العدد الإجمالي الذي تم رصده خلال فترة عشرة أشهر بلغ 10 سلحفاة بحرية نافقة على شاطئ عدلون وحده، وهو أعلى معدل مسجل على أي نقطة من الساحل اللبناني على الإطلاق”، مناشداً “وزير البيئة طارق الخطيب إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الشاطئ الذي يشكل أحد أهم مواقع الساحل اللبناني حيوية وغنى”.

 

حيوية النظم البحرية

 

وطالب يونس “السلطات الأمنية وقوى الأمن بملاحقة الصيد غير الشرعي واستخدام الديناميت الذي لا يزال البعض يستخدمه والذي ألحق أضراراً هائلة في النظام البيئي البحري، وأضر بالصيادين الحرفيين الذين يعتمدون وسائل الصيد البحري المستدام”.

وحث “البلديات على لعب دورها”، لافتاً ومنوهاً إلى “تجربة بلدية صور التي اتخذت إجراءات جادة ورادعة بحق مستخدمي الديناميت والسموم في الصيد، حماية للسلاحف والثروة البحرية وكان لذلك في فترة تقارب السنتين أثر هام على حيوية النظم البحرية كذلك في إلزام الصيادين بإعادة السلاحف التي تعلق في الشباك إلى البحر”.

ويعمل “الجنوبيون الخضر” على إعلان شاطئ عدلون في المنطقة الممتدة جنوب المرفأ الجاري العمل به محمية شاطئية وبحرية، لغناها البيولوجي وبإعتبارها موقعاً لنشاط السلاحف البحرية.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This