تناهى إلينا اليوم أن جريمة طاولت نحو من مئتي كلب في مخيم نهر البارد، شمالي لبنان، لم تستهدف الكلاب الضالة فحسب، وإنما كل تلك التي تحظى برعاية ولها أصحاب يوفرون لها الطبابة واللقاحات، وكل الخوف أن تكون ثمة “فتوى” أباحت حياة هذه الكائنات، وأن يكون الدافع على صلة بموروث لا يمت إلى الدين بصلة، خصوصا وأن الكلب كان دائما حارس القبيلة وحامي قطعانها من الوحوش الكاسرة.
وإذا ما راجعنا الكثير من المرويات التاريخية، نجد أن ليس ثمة إشارة في أي من الكتب السماوية تجيز قتله، لا بل أننا نجد في أدبياتنا العربية منذ ألفي سنة ما أسبغ على هذه الكائنات صفة الأمانة، والأمثلة كثيرة وسردها يطول.
مادة شديدة السمية
وفيما كنا نتابع تفاصيل هذه الحادثة مع أفراد في المخيم، انتشر عبر بعض صفحات “فيسبوك خبر قتل حوالي 200 كلب بالسم من قبل اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد، مع صور لكلاب نافقة، وجاء وقع الخبر صادما لدرجة اننا اعتقدنا انه ربما تكون السموم قد انتشرت عن طريق الخطأ أو أن شيئا من هذا القبيل قد حصل دون قصد، ولكن حين تواصلنا مع بعض أبناء المخيم تأكدنا من هول الجريمة التي ارتكبت بدم بارد، بعيدا من أية اعتبارات أخلاقية ودينية وإنسانية.
ولم يتضح إلى الآن كم عدد الكلاب النافقة، فإحصاء عددها يتطلب بعض الوقت، إلا أن الشبان الذين تواصلنا معهم أكدوا أن “عملية التسميم لم تقتصر على كلاب الشوارع فحسب، بل قام رجل من اللجنة الشعبية بإلقاء الطعام المسموم لكلاب خاصة وعائدة لأناس يرعونها ويربونها في أماكن خاصة”، واللافت للانتباه ايضا استعمال مادة شديدة السمية، وهذا ما ثبت من خلال نفوق الكلاب بسرعة، وثمة مخاوف الآن بين سكان المخيم، ذلك أن من قام بإلقاء السموم لم يبلغ أحدا لأخذ الحيطة والحذر، خصوصا وأن الاطفال يلعبون ويلهون في كل مكان، وقد يلتقطون عن الارض ما يمكن أن يكون قد تلوث بالسم، كما أن من قام بهذا العمل، لم يأخذ في الحسبان التخلص من الكلاب النافقة بعد قتلها، فتركت في كل مكان وبين البيوت ومن المتوقع أن تنتشر رائحتها وتبث أمراضا وتتسبب بمعاناة تطاول السكان.
اللجنة الشعبية أعطت الأمر
أحد أبناء المخيم لؤي عوض قال لـ greenarea.info أن “شخصا من اللجنة الشعبية مر عبر دراجة هوائية ورمي طعاما مسمما للكلاب”، لافتا إلى أن صديقه “خسر كلبين نفقا بالسم وقام بتسجيل محادثة بينه وبين من ألقى السم، الذي قال بأن اللجنة الشعبية هي من أعطت الأمر، وبأن أحد المشايخ يحلل ما قام به”.
وتابع عوض “نفق من كلابي 15 كلبا إلى الآن، وأقوم بمداواة البقية مع بعض الشبان”، ورأى أن “الخطير في الموضوع أن هذا الرجل رمى السموم بطريقة تعرض السلامة العامة للخطر وليس الكلاب أو الحيوانات فحسب، ولم يكن يستهدف كلاب الشوارع فقط فالكلاب التين أهتم بها موضوعة في مكان مغلق ولكنه تعمد إلقاء السم لها”.
وأضاف: “أما بالنسبة لكلاب الشوارع فأعدادها كبيرة، وقام الأهالي برمي بعضها في البحر ودفن بعضها الآخر، إذ أنه لا مكان آخر للتخلص منها”، وقال عوض: “قمت بدفن الكلاب خاصتي وأتوقع نفوق المزيد بعد”، ولفت ايضا الى ان “روائح الجثث بدأت تنبعث”، لافتا إلى أن من سمموا الكلاب لم يحركوا ساكنا ولم يقوموا بدفن اي من الكلاب التي قتلوها”، وتمنى أن “يتوقفوا عن القاء السموم وقتل الحيوانات”، وختم عوض بأنها “هذه ليست المرة الأولى اذ أنهم قاموا في السابق بقتل وتسميم الكلاب”.
لم تكن مؤذية ولا مسعورة
علي دكور أيضا فقد العديد من الكلاب التي يرعاها، وقال لـ greenarea.info: “بدأوا بالقاء السموم منذ نهار أمس وتابعوا فجر اليوم، وما حصل هو مجزرة، وعدد الكلاب كبير جدا لم يحصَ بعد، وهذا العمل غير مقبول لا إنسانيا ولا أخلاقيا ولا دينيا، قاموا بإلقاء الطعام المسمم والسم بطريقة مخيفة قد تعرض أي إنسان للخطر والتسمم”.
وأكد دكور ان “الكلاب لم تكن مؤذية ولا مسعورة، وبعض الكلاب التي نربيها لديها جوازات ودفاتر لقاحات، وهذا يعتبر جريمة وقتل أرواح، فالكلاب لم تؤذيهم بل هم من سبب لها الأذى”.
أما ورد السعدي، فتساءل: “كيف لشخص أو لجنة أن تقوم بهكذا فعل دون قرار حكيم؟”، وقال: “لو افترضنا بأنها حملة ضد الكلاب الشاردة، فهل يفترض قتلها بالسم علما أنهم لم يستهدفوا كلاب الشوارع فقط فهم قاموا بإلقائها لكلاب البيوت والأماكن التي يربي فيها البعض كلابه؟ وكيف تم إدخال هذه السموم إلى المخيم؟ ومن سمح بذلك، فهي قوية لدرجة أن الكلاب نفقت فورا بعد تناولها؟”.
وانتقد “اللامبالاة بصحة الناس وليس الحيوانات فقط، فهم رموا أكياس طعام مسممة لو لمسها أي من الأطفال أو الأهالي لا نعرف ما كان ييحصل”، وتابع أن “من حقنا ان نعرف على اي قانون أو شرع أو منطق إستندوا في قرار قتل الكلاب، فيما يفترض أننا محكومون بقوانين”.
وختم السعدي: “كنا نأمل أن نجد اهتماما أكبر، ولكن لم يتجاوب معنا أحد”، وتوجه بالشكر لـ “greenarea.info على متابعتها لهذه الجريمة وتسليط الضوء على ما يرتكب بحق هذه الكائنات التي نتقاسم معها فضاء العيش”.