في ظل التغيرات المناخية وتداعياتها المتتالية، فضلاً عن نضوب مصادر مهمة للطاقة أو تأثير غيرها سلبياً على البيئة، لا كلل ولا ملل في محاولة الخبراء إيجاد مصادر أخرى ولو حتى من الإنسان نفسه!
الكهرباء من البول باتت من الوسائل المتاحة بالنسبة لبعض العلماء، إلا أن إكتشاف اليوم يدخل في تفاصيل إفرازات البشر بشكل دقيق، فقد كشف علماء من إيرلندا إمكانية توليد الكهرباء من السوائل البشرية، وخصوصاً الدموع واللعاب!
فتشير الدراسة، التي نشرت في موقع science alert ، إلى أنه بفضل بروتين يسمى “الليزوزيم” المتواجد في مختلف إفرازات الإنسان، يمكن الحصول على الكهرباء عبر عملية ضغط متعدّدة المراحل، قد تساهم إذا كان الحصاد جيّداً، في تأمين مصادر جديدة للوقود لمختلف أنواع الأجهزة المزروعة في الجسم لدواعي طبية تحديداً.
يتواجد البروتين المذكور في الدموع، اللعاب، الحليب، المخاط، وزلال البيض، وهو يساعد على كسر جدران الخلايا البكتيرية في شكلها البللوري، وقد إكتشف باحثون من معهد بيرنال في جامعة ليمريك في إيرلندا، أنه يمكن التلاعب بها لإنتاج شحنات كهربائية.
في التفاصيل، توضح الدراسة كيف قام الفريق بالضغط على بلورات “الليزوزيم”، لتوليد الكهرباء، وكشفت التجارب أن البروتين المتوفر في زلال البيض، الدموع ، اللعاب وحليب الثدييات، يمكن أن يولّد شكلاً من أشكال الطاقة تسمى “كهروضغطية” يمكنها تحويل الطاقة الميكانيكية إلى كهربائية، والعكس صحيح.
الباحثة الفيزيائية إيمي ستابليتون، مؤلفة الدراسة، تفسّر وتقول: : “في حين تُستخدم الطاقة الكهرومغناطيسية في جميع أنحاء جسمنا، فإن القدرة على توليد الكهرباء من هذا البروتين بالتحديد لم يتم استكشافها بعد، رغم أن “الليزوزيم” مادة بيولوجية غير سامة.
أما أهمية الإكتشاف فتتلخّص بأنه يمكن أن يستخدم يوماً ما في التحكم في توزيع الدواء في الجسم، باستخدام أجهزة قادرة على أخذ الطاقة من محيطها، ويمكن لهذه التكنولوجيا في نهاية المطاف، أن تحل مكان الآلات الطبية الحيوية الحالية التي تحتوي على الرصاص والمواد الكيميائية السامة الأخرى.
ووفقا للفريق، فإن كفاءة بلورات “الليزوزيم” تنافس بلورات الكوارتز، التي عرفت منذ فترة طويلة ببراعة كهروضغطية، منذ اكتشافها من قبل الفيزيائيين الفرنسيين بيير وجاك كوري في أواخر القرن التاسع عشر.
وفي حين أن الكوارتز هو مادة غير بيولوجية، لذلك يرى العلماء أن العثورعلى ما يعادله متوافق مع الجسم الداخلي يفتح الباب أمام أنواع جديدة من الأجهزة الكهروضغطية المزروعة في الجسم.
ويقول الباحث الرئيسي، توفيل سيد: “هذا نهج جديد، حيث حاول العلماء حتى الآن فهم الكهروضغطية الكهربائية في علم الأحياء باستخدام هياكل هرمية معقدة مثل الأنسجة أو الخلايا بدلاً من التحقيق في أبسط اللبنات الأساسية. ”
أما المؤلف المشارك في التقرير، البروفسور توفيق سوليمان، فيقول: ” إنه على الرغم من أن خصائص البروتين معروفة منذ عقود، إلا أن تجارب الفريق الإيرلندي هي المرة الأولى التي تظهر فيها علامات “كهروضغطية”.
يشير الباحثون إلى أنه اذا استطاع البحث المستقبلي الإستفادة من هذا الإكتشاف، يتوقّع فريق العمل حقبة جديدة مرنة من حصاد الطاقة . وهذا يمكن أن يشمل أنواع جديدة من الغرسات التي تطلق المخدرات في الجسم، تسيطر عليها أجهزة الإستشعار التي تكشف “الليزوزيم” تحت الجلد.
ويتوقعون أن يمكن إستعمال هذا البروتين كمواد قابلة للتحلل، كهروضغطية و مضادة للميكروبات، وإذا حدث هذا الأمر، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يساهم هذا الإنزيم بتحقيق قفزات علمية.
فقد تم اكتشاف الليزوزيم لأول مرة، عام 1921، من قبل الصيدلي الاسكتلندي ألكسندر فليمينغ كمضاد حيوي قبل اكتشاف البنسلين، وفي عام 1965، أصبح واحدا من البروتينات الأولى التي تم رسمها بتقنية “3D”.