لطالما حُكي عن أماكن لم تصل إليها “الحضارة” الإنسانية، وبالتالي بقيت “بكراً”، بمعنى بعيدة عن التلوث. إلا أن عدم وصول الإنسان إلى الأماكن المتجمدة أو الوعرة، لا يعني عدم وصول التلوث. منذ أكثر من عشرين عاماً تم اكتشاف بقايا مبيد الـ”دي دي تي” في بحيرات طبيعية في جبال الألب الشاهقة، وقيل وقتها إن غبار التلوث انتقل مع الهواء إلى أماكن بعيدة لا يمكن تخيّلها، أما أن ينتقل البلاستيك أيضاً إلى تلك الأماكن، فأمر جديد ومؤشر خطير بدون شك. دراسة تكشف عن وصول التلوث البلاستيكي إلى أماكن لم يمسّها البشر من قبل.
أثناء جولة دراسية لفريق من الأمم المتّحدة للبيئة في القطب الشمالي، تمّ العثور على ما يقارب 15 ألف طن من النفايات البلاستيكية مما أثار الكثير من المخاوف بشأن التلوث القطبي على نطاق واسع. حجم هذه النفايات ظهر خلال تنظيف يوم واحد في القطب الشمالي الروسي. ويمتد هذا التلوث المذهل على طول ساحل مورمانسك في شمال شرق روسيا، الذي كان يعتبر في السابق واحداً من أروع مساحات المياه في العالم.
وكانت في فترة سابقة قد أُنشئت منظمة جديدة هي مؤسسة “سلافا” لقيادة جهد دولي جديد للتوعية بأثر التلوث الذي يسبّبه الإنسان في القطب الشمالي الروسي.
قام بعملية التنظيف 500 فرد من السكان المحليين والأمم المتحدة للبيئة في المياه المحيطة بمدينة مورمانسك وهي أكبر مدينة مأهولة داخل الدائرة القطبية الشمالية التي يبلغ تعداد سكانها 300 ألف نسمة.
مِن صنع الإنسان
وتضيف النتائج إلى الأدلة المتزايدة على تأثير التلوث الذي صنعه الإنسان في أجزاء من العالم التي لم يمسّها البشر من قبل. ووجدت مؤخراً بعثة – بقيادة أكاديميين من جامعة إكستر في المملكة المتحدة، بدعم من الزملاء في الولايات المتحدة والنرويج وهونغ كونغ – أن أجزاء البوليسترين في الجليد العائمة تبعد فقط نحو 1000 ميل عن القطب الشمالي.
ووجدت هذه الدراسة أيضاً أن زيادة ذوبان الجليد أدت إلى ارتفاع تدفق التلوث البلاستيكي إلى المناطق التي لم يمسّها البشر من قبل في محيطات العالم. وإذا استمرّت درجة حرارة الأرض في الارتفاع بمعدلها الحالي، يمكن أن يكون القطب الشمالي خالياً تماماً من الجليد بحلول عام 2100.
تلوث في مناطق معزولة
وقد أبرز عدد من الدراسات المستقلة أن التلوث في مناطق القطب الشمالي الروسي يقترب بسرعة من المستويات التي سجلت في المحيطين الأطلسي والمحيط الهادئ، والتي هي موطن لطرق الشحن.
وقد أبلغت دول ذات خطوط ساحلية على المحيط المتجمد الشمالي، مثل روسيا والنرويج وفنلندا والولايات المتحدة، عن وقوع حوادث تلوث في المناطق المعزولة. ولكن حتى الآن، تفتقر المنطقة إلى منظمة متخصّصة تقود جهداً عالمياً لمكافحة تأثير التلوث في هذه المياه. وتهدف مؤسسة “سلافا” لملء هذا الفراغ الحرج.
وقد طالب سيرغي ريباكوف، الرئيس التنفيذي لمؤسسة سلافا في بيان له مؤخراً، جميع الدول، ولا سيما الدول ذات السواحل الواقعة على القطب الشمالي الروسي، “العمل معاً لإيجاد حلّ للتخفيف من تأثير الأنشطة البشرية على محيطاتنا والمجتمعات والحياة البرية التي تعتمد على صحة هذه المحيطات”.
تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة في نيروبي في الفترة من 4 إلى 6 كانون الأول/ ديسمبر وعلى جدول أعمالها لعام 2017 موضوع التلوث في جميع أشكاله. وقد أُطلقت بالمناسبة عريضة عالمية يتم توقيعها بالتعهد والمساعدة بشأن التغلب على التلوث في جميع أنحاء العالم.