يعيش حوالي 150 مليون إنسان، أي قرابة 35 في المائة من مجموع سكان المتوسط، في مدن تقع على ارتفاع أقل من مترٍ واحدٍ من مستوى سطح البحر، يفدها سنوياً حوالي 170 مليون سائح، وتلقي نحو 80 في المائة من المياه العادمة في البحر المتوسط بدون معالجة، أي أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب/سنة. فيتحملون مع غيرهم من البشر 87 في المائة من أسباب التغير المناخي الذي سيؤدي يوماً ما إلى ذوبان أنهار الجليد الأرضية في جبال الهيمالايا، والأنديز، بشكل أسرع، فضلاً عن إختفاء أجزاء من كلا القطبين الشمالي والجنوبي، الأمر الذي ينذر بوقوع مأساة عظيمة، قبل نهاية المئة سنة الأولى من هذا القرن.
الحياة البحرية المتوسطية…مهددة!!
يتحمل البشر المسؤولية شبه كاملةً عن مسببات الإجهاد المباشرة وغير المباشرة للحياة والنُظم البحرية التي تضم فيها حوالي 75 في المائة من مجموع الكائنات التي تعيش على كوكب الأرض. وتتمثل تلك الأسباب المجهدة بالصيد المفرط، إستغلال السواحل، الترسيب والمصادر البرية والبحرية للتلوث. وقد لا نستغرب ذلك عندما نعلم أن هناك علاقة مباشرة وغير مباشرة بين هذه النظم ككل ونشاطات البشر الحياتية اليومية.
فقد أثر التطور الصناعي الرهيب بشكل سلبي وسلبي جداً، فالأبخرة و الغازات التي تنتجها المصانع ومصافي النفط، كذلك النفايات السائلة والصلبة وخاصة مياه المجاري التي تسكبها مدن المتوسط الساحلية.. كلها أدّت إلى زيادة حموضة مياه المتوسط وارتفاع درجة حرارتها، وبالتالي جرى تدمير الموائل البحرية، وحدوث خلل بيئي في النظم الحيوية البحرية في المتوسط.
وقد أظهرت دراسة لمركز الأبحاث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي CES-MED ( الذراع التقنية والعلمية للمفوضية الأوروبية) أن التغيرات المناخية أدت خلال الخمسين سنة الماضية الى أن يفقد البحر المتوسط 34في المائة من إجمالي كميات الأسماك(40 نوع من الأسماك مهددة بالانقراض وأهمها سمك التونة الاحمر، الهامور الداكن وسمك القاروس الاوروبي ) و 41 في المائة من الثدييات البحرية الموجودة فيه( لم يبق من الفقمة الناسكة المتوسطية حالياً سوى 400).
وفي إطار تأثر حوض البحر المتوسط بالتغيرات المناخية، تشير تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة إلى أن معدلات درجات الحرارة قد ترتفع حتى عام 2100 بمقدار 5 درجات، الأمر الذي سيعرّض مناطق عدة على كوكب الأرض للتصحر، ويشمل ذلك البلدان كافة على شواطىء المتوسط.
الغابات الى زوال
مؤخراً، أشار تقرير لمنظمة السلام الأخضر الدولية Greenpeace أنه في العام 2017 وحده، قضت الحرائق على أكثر من 100 ألف هكتار، وذلك نتيجة إندلاع حوالى 11600 حريق في غابات إسبانيا والبرتغال(شبه الجزيرة الايبيرية). وحدث ذلك نتيجة الإرتفاع الكبير في درجات الحرارة خلال فصل الصيف. والملفت للانتباه في ذلك التقرير إشارته الى أن نمط الحرائق تغيّر من حيث زيادة تواترها وكثافتها. ويتابع التقرير أن الغابات في منطقة حوض البحر المتوسط كلها، هي في حالة ضعف شديد، نتيجة الآفات والأمراض الناجمة عن إرتفاع درجات الحرارة، وعدم هطول الأمطار، وتملح المياه الجوفية، إضافة إلى النقص الخطير في رطوبة التربة. ويتوقع التقرير إنقراض الغابات في حوض البحر المتوسط لتحل محلها السهول العشبية، إضافة إلى أن رقعة التصحر ستتسع بشكل ملحوظ (يرجح حصول تصحّر كامل حتى عام 2100)……الخ.
الى ذلك يشعر خبراء البيئة في لبنان بالقلق من أن أشجار الأرز تواجه تهديداً جدياً من ظاهرة الاحتباس الحراري، فبالرغم من أن غابات الأرز اللبناني تغطي مايقارب من خمسة آلاف فدان فقط وعلى ارتفاع يتراوح حالياً بين 1200 و 1900 متراً من مستوى سطح البحر. إلا أن أشجار الأرز مدرجة كنوع سريع التأثرعلى القائمة الحمراء للإتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN)) حيث تهددها التغيرات المناخية، ومنها انخفاض نسبة الهطولات المطرية والثلجية، واختفاء الندى، كذلك الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة خلال السنوات الفائتة، والذي لعب دوراً أساسياً في تكاثر نوع من الحشرات كاد يقضي على غابة تنورين منذ سنوات (إرتفاع درجات الحرارة يجعلها تتكاثر ثلاث مرات سنوياً بدلاً مرة واحدة).
أمران يهددان البيئة في لبنان أحلاهما مرّ، الأول هو التغير المناخي والثاني وهو الأخطر، يكمن في السياسات الخاطئة لأصحاب الأيادي السوداء التي تعبث وتعمل على تدمير كل ما هو جميل ونقي، في قطعة السما “لبنان”…
فإلى متى؟