لا تختلف حياة الحيوانات عن تلك الخاصة بالإنسان، كما لا تقتصر مشاكل البيئة على البشر فقط، بل تطال مختلف الحياة الحيوانية أيضاً. وإذ أن تلوّث المحيط الذي يعيش فيه أي كائن حي هو المشكلة الأكبر، إلا أن تداعيات التغيّر المناخي تطال كل نواحي حياة الإنسان والحيوان، وتهددهم بخطر الإنقراض.
وقد تحدّث العلماء في أبحاث متعددة عن أسباب عديدة لإنقراض أنواع معينة من الحيوانات منذ عصر الديناصورات، وكان من ضمنها التغيّر البيئي، أو عدم ملاءمة البيئة لتكاثر تلك الأنواع وتأمين إستمراريتها.
وفي أحدث دراسة، إكتشف العلماء أن التغيّر المناخي يجعل الأسماك تصاب بالعقم، خصوصاً أسماك “النيمو”، فإن الإحترار المناخي يتسبب في تدمير منازل تلك الأسماك المعروفة أيضاً بـ “سمك المهرّج”، في جنوب المحيط الهادىء، بسبب إرتفاع درجة حرارة المياه.
وقد توصّلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن هذه المخلوقات الملوّنة تخفّف من إندفاعها الجنسي وتقلل أعداد بيضها بنسبة ثلاثة أرباع.
في التفاصيل، وبعد مراقبة مستمرة ودقيقة، لاحظ العلماء أن تلك الأسماك تأثرت بابيضاض ما يسمى شقائق النعمان أو anemonefish في العام الماضي. ورغم أن هذا الأمر معروف لدى الشعاب المرجانية، إلا أن إرتفاع درجة حرارة مياه البحار يؤثر أيضاً على شقائق النعمان. وبسبب هذا التغيّر في طبيعة الشقائق وألوانها قبالة ساحل جزيرة موريا في بولينيزيا الفرنسية، تأثر الحياة الجنسية لدى سمك المهرّج.
للإشارة، يوجد أكثر من 1000 نوع من شقائق النعمان وهي من الكائنات البحرية التي تعمر طويلاً، وتتكاثر في المياه الساحلية في كل أرجاء العالم ، خصوصاً في المياه الضحلة وفي عمق المحيطات بما في ذلك الشعاب المرجانيةِ. أما علاقتها بسمكة المهرّج، فهي أساسية لمعرفة أساس الدراسة المذكورة.
تعيش تلك السمكة بالقرب من شقائق النعمان وتتكيّف معها على مدار الساعة، لأنها توفّر لها الحماية الكاملة من الأسماك المفترسةِ، مقابل تنظيف مجساتها وما يعلق بها من فطريات وعوالقِ. لذلك فإن إبيضاض الشقائق يفقد سمكة المهرّج الشعور بالأمان بسبب تغيّر طبيعة محيطها فيخف إنتاجها الجنسي، خصوصاً وأنها تضع بيضها في قاعدة الشقائق كل شهر. فضلاً عن أن اللون اللون الذهبي لأسماك المهرّج يعود إلى الطحالب الدقيقة الموجودة في مخالبها. ولكن الإحترار يجعل الطحالب الحية تنمو في وئام مع الشعاب المرجانية مما يسبب لهم الإبيضاض.
في السياق، تقول الدكتورة سوزان ميلز، من جامعة إيف للبحوث: “على الرغم من ملاحظة آثار على وجود شقائق النعمان على قيد الحياة رغم آثار الإبيضاض، إلا أن النتائج السلبية الحقيقية قد تكون أكثر بكثير من تلك الملحوظة اليوم، ولا بد من أن تزرع هذه الدراسة الخوف من تداعيات الأنشطة البشرية غير المدروسة التي أدت إلى تغيير في الظروف البيئية، والمرجّح أن ترتفع نسبتها في العقود المقبلة”.
خلاصة هذه الدراسة سبقها إستكشاف يومي لمدة 14 شهراً لـ 13 زوجاً من أسماك المهرج وشقائق النعمان المضيفة لها في المنطقة المذكورة، في الفترة الممتدة من تشرين الأول – أوكتوبر 2015 وكانون الأول – ديسمبر 2016، والتي شهدت على ظاهرة النينو، فدرست الأوضاع قبل حصولها، خلالها وبعد إنتهائها.
فظهرت النتائج بإنخفاض أعداد البيض، كما أظهرت عينات الدم المأخوذة من 52 زوجاً من أسماك المهرج، زيادة حادة في هورمون الكورتيزول وانخفاض كبير في الهرمونات الجنسية للذكور والإناث، أي ما يعادل هرمون تستوستيرون وهرمون الإستروجين.
وكانت الخلاصة أن المسبب الرئيسي لهذا التراجع في الإباضة والتخصيب، هو إبيضاض شقائق النعمان،
فتحذّر الدراسة فس هذا السياق، من ردود هرمونية من الأسماك البرية الفردية على إبيضاض الشعاب المرجانية وشقائق النعمان، وتظهر العلاقة القوية في ما بين الكائنين الحيّين، ولم يعد يفلح يدق جرس الإنذار، بل إن التحرّك بات أمراً ضرورياً للحفاظ على الحياة البحرية.