لم يعد اقتلاع الأشجار المثمرة يقتصر على المعمَّر منها، أو تلك التي فتكت بها الأمراض. كل الأشجار باتت تحت رحمة مناشير الحطب التي تجتاح عشرات الآلاف من أشجار الدراق والخوخ والتفاح والكرز وغيرها في البقاعين الأوسط والغربي
في بساتين البقاعين الأوسط والغربي لا صوت يعلو فوق صوت… مناشير الخشب! نحو 80 ألفاً هو العدد التقريبي للأشجار المثمرة التي يرجَّح أن تقتلع وتقطع لتباع حطباً للتدفئة هذا العام. ارتفاع كلفة الإنتاج والعناية بالأشجار وإقفال أسواق التصريف، بسبب الأزمة السورية، يكبّدان المزارعين خسائر جسيمة يحاولون تعويض جزء منها… بالقطع. أما اللجوء إلى زراعات بديلة، فليس خياراً مطروحاً، لأن ما يسري على الدراق والخوخ والتفاح والكرز وغيرها، ينسحب على زراعة الخضار والحبوب التي تواجه الصعوبات نفسها. تاجر الحطب نادر ريمي يقدّر عدد الأشجار المثمرة التي ستقتلع هذا العام في البقاعين الأوسط والغربي بنحو «80 ألف نصبة معظمها لا تتجاوز أعمارها عشر سنوات، ولا سيما الدرّاق والخوخ والتفاح». ريمي الذي التقته «الأخبار» مع عمّاله أثناء قطعهم أشجار الخوخ من أحد البساتين في بلدة كفرزبد (شرق زحله)، أكد أن «الأشجار لا تزال في عزّ عطائها…
لكن ما باليد حيلة»، موضحاً أن سعر طن الحطب يراوح بين 250 و300 ألف ليرة.
فارس الكفوري، وهو صاحب محل لبيع الخُضَر والفواكه في سوق الحسبة في قب إلياس، يوضح قائلاً: «لم يسبق أن شهدنا منذ سنوات طويلة أسعاراً متدنيّة جداً وكساداً للإنتاج. مئات الأطنان من المنتجات الزراعية من فاكهة وخضار انتهت في الزبالة لعدم قدرتنا على تصريفها، ومئات الأطنان من الفاكهة لم تُقطَف وتساقطت أرضاً تحت الأشجار بعد نُضجها».
وأشار إلى أن العشرات من زبائنه عمدوا إلى قطع أشجار بساتينهم لعدم قدرتهم على تحمّل الخسائر المتلاحقة، «وهؤلاء لا يلامون لأن الأسعار هذا العام راوحت بين 500 و800 ليرة للكيلوغرام الواحد من الدراق العالي الجودة من الباب الأول، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخوخ والتفاح وغيرهما من الأصناف، علماً أن ثمن البضاعة لا يصل إلى جيب المزارع كاملاً، إذ تحسم 11% منها للحسبة، فضلاً عن ثمن الأقفاص وأجرة النقل والعمال. أما بقية أنواع الخُضَر فليست أفضل حالاً».
التاجر زهير عبد الفتاح يشير إلى تكدس آلاف الأطنان من الفاكهة على أنواعها في البرادات بانتظار إيجاد أسواق خارجية لتصديرها، «وأملنا الوحيد هو ما يحكى عن فتح للحدود البريّة بين سوريا وباقي الدول العربية والخليجية، وإلا فإن خسائرنا ستكون بمئات آلاف الدولارات»، متمنياً على المعنيين معالجة هذه المشكلة بعيداً عن الحسابات السياسية.
وفيما رفض عدد من أصحاب البساتين التحدث في الأمر «لأننا مللنا الوعود الكاذبة ومين جرب المجرّب كان عقله مخرّب»، بحسب أحدهم، يضع نائب الأمين العام للاتحاد العام للنقابات الزراعية في لبنان ماجد سعيفان «مأساة المزارعين» في إطار غياب السياسات الإرشادية، و«ما زاد الطين بلة في السنوات الأخيرة أزمة التصدير بعد إقفال المعابر السورية، المنفذ الوحيد براً إلى باقي الدول العربية والخليجية». ولفت إلى أن التصدير بحراً أو جواً «قلل جزئياً من حجم المشكلة»، مشيراً إلى زيادة كلفة النقل وعدم توزيع المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال) المساعدات بالتساوي بين التجّار وشركات الشحن والمزارعين، «والمستفيد الأكبر هو التاجر، ثم شركات النقل التي زادت كلفة النقل، فيما الحلقة الأضعف في هذا البرنامج هي المزارع الذي لا يلحقه سوى جزء قليل لا يسمن ولا يغني من جوع ».
سعيفان الذي عين أخيراً عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، طالب بإنشاء المجلس الزراعي الأعلى المفترض أن يضم ممثلين عن جميع الوزارات على أن تكون لهم صلة بالزراعة، «لكون تنفيذ الخطط الموضوعة يحتاج إلى 5 سنوات على الأقل، وليس كما هي الحال، إذ يضع كل وزير زراعة خطته ولا يستكمل تنفيذها، ثم يأتي خلفه ليلغي الخطة… وهكذا دواليك». ورأى أن «من غير المقبول أن يبقى الوضع الزراعي رهينة تقاسم الحصص الوزارية»، مشدداً على «ضرورة إنقاذ الوضع الزراعي من الانهيار من خلال خطة متكاملة بعيدة المدى لحماية أبناء الأرياف من خطر إهمال أراضيهم والهجرة إلى المدينة للتفتيش عن مصادر للرزق».