فضلاً عن الأزمات الإقتصادية، تتفاقم المشاكل العائلية التي تسبّب خللاً نفسياً لدى الطفل، خصوصاً الذي يعيش في ظروف متوتّرة أو عائلة منفصلة، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشرعلى تصرّفاته وبالتالي على تحصيله العلمي. وبينما يحضن مجتمع الغرب الأطفال ذوي الحاجات النفسية الخاصة، إلا أن أطفال مجتمعنا للأسف يصبحون ضحايا إهمال العائلة والمحيط.
هل من خطوات تنقذ الطفل من أن يصبح ضحية لخلافات عائلية مستمرة؟ وما هي أبرز مظاهر الإكتئاب النفسي لديه؟
صياد: شراهة في الطعام .. وإنزواء
المتخصّص في طب الأطفال الدكتور روني صياد يشير في حديث لـ greenarea، إلى معاينته الكثير من الأطفال الذين يعانون من تداعيات نفسية وصحية نتيجة الإضطرابات العائلية، وأبرز المظاهر النفسية، تكمن في أن يصبح سلوك الطفل أكثر عدائية وشراسة، إضافة إلى رغبته الدائمة بالإنطواء على نفسه مع ما يترافق معه من قلّة تركيز .. كلها عوامل تؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع في التحصيل العلمي.
فيزيائياً، يتحدث صياد عن معاناة الطفل من خلل في تناول الطعام، فإما يصبح شرهاً أو يتوقّف عن الأكل بشكل منتظم . تلك الإضطرابات ترتبط بشكل وثيق بشخصية الطفل وقدرته التفاعلية معها، الأمر الذي ينعكس بالتالي على مناعة الطفل الداخلية.
نهرا: المطلوب رعاية اكثر
نقيبة المعالجين النفسيين الدكتورة ماري أنج نهرا، تشدّد في حديثها على ” أن الإضطرابات العائلية تؤثر سلباً على كل الاطفال، خصوصاً بين عمر 5 سنوات و 15 سنة، إذ أن المرحلة التي ينتقل فيها الطفل إلى المراهقة تعتبر حساسة جداً، وبالتالي اذا عاش الأجواء المشحونة وقلة الإستقرار داخل المنزل – لسبب قد يكون سخيفاً نتيجة الوضع الاقتصادي والضغوط اليومية التي يتعرض لها الشريكين- يتحوّل الطفل إلى فشة خلق، و يذهب الى المدرسة مشغول البال حول ما يحصل أو ما يعيشه داخل المنزل ويكون له التأثير الكبير على نفسيته .”
تتأسّف نهرا في هذا المجال من غياب المبادرة لدى المدارس لمساعدة الطفل للخروج من حالته النفسية المتأزمة بفعل الاضطرابات العائلية، وتقول: ” لا تعطي المدارس أولوية للإعتناء النفسي بأي طفل يعاني من مشاكل نفسية، بل يتعاملون مع الأطفال كمجموعة عليهم الإنتهاء من تلقينها البرنامج الدراسي كاملاً قبل إنقضاء السنة دون التركيز على التربية الصحيحة وعلى الشخصية المتزنة، الأمر الذي قد يتأتى عنه في المستقبل محامي كذاب، مهندس سارق أو حتى طبيب فاشل” !
في السياق، نوّهت نهرا بأهمية دور إدارة المدرسة في تأمين مساعدة إجتماعية وأخرى نفسية تكونان على تواصل دائم مع التلاميذ لمعرفة المشكلة إن وجدت والمساعدة في حلّها إذا أمكن، والأهم مساعدة الطفل الذي يعاني من إضطرابات نفسية على التعامل مع المشكلة بأقل الأضرار الممكنة، لا بل تحييده عن التأثر بها لضمان مستقبله، فضلاً عن أهمية إطلاق حملات توعية في المدارس للأهل لإدراك الطريقة الصحيحة في التعامل مع أطفالهم عند أي مشكلة عائلية تواجههم.
سعد: صورة الأهل المثالية تهتزّ !
من جهته، يشدّد المتخصص في الطب النفسي، الدكتور أنطوان سعد على أن الطفل الذي يعيش في أجواء عائلية مضطربة، من الطبيعي أن يتأثر سلوكه ونفسيته، الأمر الذي سينعكس على تحصيله العلمي، فيقول: ” أهل الطفل هم مثاله الأعلى، والإضطرابات العائلية تجعل هذا المثال يهتز، الأمر قد يولّد لديه شعوراً بالذنب معتقداً أنه السبب الرئيسي في تلك الخلافات، وبالتالي قد يسبب له أذى جسدياً ونفسياً ينعكس على شكل ردات فعل سلبية تجاه أهله أو رفاقه .
دراسة : دماغ الطفل يتأثر بالخلاف العائلي
اما الاختصاصية في المتابعة النفسية الجسدية شنتال خليل، فتشرح عن ما يحدث من تغيرات في شخصية الطفل، وتقول: ” إن الاضطرابات العائلية لها تأثير كبير على شخصية الطفل خصوصاً في عمر مبكر وعلى تحصيله المدرسي”.
وتستند إلى دراسة أجريت في بريطانيا أظهرت أن شريحة من الأطفال الذين يعيشون في بيئة مضطربة عائلياً أو ساحة حرب وسواها يعانون من أذى نفسي. وقد أظهرالتصوير المغناطيسي لدماغهم أن هذه الفئة من الأطفال تعاني من شلل في القدرات الفكرية والإنتاجية. وعندما يخاف الطفل من اي شيء يعيشه، يفرز هورمون الكورتيزون او الأدرنالين بصورة مرتفعة وهي بالتالي خطرة على الدماغ تفقد قدرته على التركيز . لذا من المستحيل أن نجد طفلاً يعيش أجواء مضطربة عائلياً، يعطي نتيجة إيجابية في دروسه، عكس ما هو عليه لطفل يعيش في سلام عائلي.
أمام هذا الواقع، تشدّد خليل على أن أهم ما يجب أن يدركه الأهل أن الأولاد أمانة بين أيديهم ، وتحسين العلاقة ما بين الأهل هو الحل الوحيد لتخفيف الضغط النفسي الذي يعيشه الطفل والذي يؤثر سلباً على تحصيله العلمي، فضلاً عن إرتفاع أوجاع البطن لديه دون مبرّر…”