لا نعرف متى وكيف استهدى الصيادون في لبنان إلى الصيد مستعينين بـ “الكومبريسور”، أي خزان الهواء ذاته الذي يستخدم في نفخ إطارات السيارات وفي رش الطلاء، ما ينطوي على مخاطر جمة، من المرض إلى التعرض لاعتلال صحي دائم وأيضا إلى الوفاة، ولا يقدم الصياد إلى الاستعانة بـ “الكومبريسور” كنوع من الترف، وإنما مدفوعا بالحاجة إلى تأمين موجبات حياة كريمة في حدها الأدنى، ولكن على حساب صحته وحياته ومستقبل عائلته.

وبحسب ما توافر لـ greenarea.info من معلومات كان قد تداولها بعض الصيادين، من بينها مطالبة وزير الزراعة بإصدار قرار يسمح لهم استعمال “الكومبريسور”، علما أن مثل هذا القرار يعني “حكما بالموت”. ومن جهتنا نجد أننا مطالبون كموقع بيئي علمي متخصص بأن نقدم النصح بالإستناد إلى العلم والتجربة، ومن هنا نرى أن أي قرار في هذا المجال، يجب أن تكون مبينياً ومستنداً إلى دراسات حول فوائدها وأضرارها، فضلا عن أن ما هو ممنوع قانوناً يجب ألا يسمح به تحت أي ظرف فالممنوع ممنوع، ولا يمكن تشريعه تحت أي مبرر، ويجب إبعاده عن مصالح إنتخابية وسياسية، لأنه من غير المقبول أن نساوم على صحة الناس والبيئة البحرية، وأن نمنح الفقراء منهم منفعة مؤقتة تكون نتائحها مخدرة وقاتلة، لا يمكن ان نرضى بأي أمر من شأنه الإضرار بـ “تاج” الصحة فوق رؤوس الأصحاء، ذلك “التاج” الذي لا يراه إلا المرضى، حتى لو كبرت الفجوة ما بين الوزارة المعنية وأصحاب الطلب، لأنه سيأتي يوماً ويعلم الصياد أن مصلحته وحمايته هما الهدف.

5 (4)

سماحة: أضرار ومخاطر كبيرة

وفي هذا السياق، وللإطلال على هذه القضية من مختلف جوانبها الصحية والبيئية والتقنية والقانونية، التقينا مدير برنامج إدارة المناطق البحرية الساحلية في “الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة”International Union for Conservation of Nature   IUCN زياد سماحة، فأكد لـgreenarea.info  أن “الكومبريسور موضوع خطير جدا ويطاول جوانب عدة لا يمكن التغاضي عنها، أهمها الصحة والسلامة العامة”.

وقال: “هذا الكومبريسور صنع خصيصا لتعبئة إطارات السيارات بالهواء، أو لرش الطلاء (الدهان)، وليس لاستخدامات أخرى، فضلا عن أن من يستخدمونه في الغطس يغوصون في المياه دون ساعة ضغط، وإلى أعماق لا يمكن تقديرها بدقة، وقديما كانوا يستخدمون هذه الطريقة في الصيد، ولكن لم نكن نعلم وقتها حجم أضرارها ومخاطرها الكبيرة، لنكتشف أن مثل هذا الأمر يشتمل على مخاطر كبيرة، والناس عادة يتقدمون إلى الأمام في قطاع الصيد البحري، رغم حصول حالات وفاة سنويا وإصابات صحية، خصوصا وأن الصياد لا يعرف إلى اي عمق وصل، ما يسبب له decompression، فهو يستفيد بـ 200 ألف ليرة، لكن يضع أكثر من نصف هذا المبلغ أدوية وحقن وفاتورة معاينة طبيب، وربما يتعرض للشلل أو للوفاة، وهذا ما لا يعرفه الصياد، بمعنى أنه إذا أصيب بعطب وعاهة دائمة فمن سيعيل أولاده، وهو ليس لديه أي ضمان صحي أو اجتماعي”.

ومن الناحية البيئية، أشار سماحة إلى “انقراض التوتيا والكركند والاخطبوط، أو قلّت أعدادها، ومن يستخدمون الكومبريسور يتحملون السبب بنسب كبيرة، فهم يغوصون إلى عمق 50 مترا”، لافتا أيضا إلى “اصطياد اللقس ورمي الديناميت، ومن ثم يغوص الصياد ليجمع ما بقي في القاع، وبيستعملونها لالتقاط الديدان والأحياء البحرية القاعية، وحاليا يخرجون كميات كبيرة من الصدف”، منوها إلى أن “ما يتداوله الصيادون بشأن استعمال (الكومبريسور) لسحب الاقفاص فيه شك، كون الاقفاص لا تحتاج الى وقت طويل لسحبها، وعادة يستطيع أي كان وضع الاقفاص من خلال الاعتماد على نَفَسه الطبيعي فحسب”.

22635296_737667289767667_565820888_n

 

“يتنفسون” الأمراض والعلل والسرطانات

وأضاف سماحة: “قبل الحديث عن المشكلة من الناحية البيئية، لا بل إذا كانت البيئة تهمنا فعلا، فيجب منع استخدام الكومبريسور، لأنه خطر عالسلامة العامة، فهو جهاز غطس غير آمن، هو عبارة عن مولد يخرج منه الزيت الذي يدخل إلى رئتي الصياد، هذا قبل أن نتحدث عن الضغط والمرض والإصبات بمرض ازالة الضغط الناتج عن الانتقال من الأعماق الى المياه السطحية بسرعة، دون التوقف المرحلي المتدرج للتخلص من الآزوت المكثف في الجسم، وايضاً تخطي الوقت المتاح به على الأعماقdecompression ، فهذا الكومبريسور صنع خصيصا لغرض آخر، أي للدهان ونفخ الإطارات، ولذلك هو غير مصنع بطريقة تعزل الزيت عن الهواء، كما هو الحال بالنسبة للكومبريسورات الخاصة بالغوص وتعبئة أسطوانات الهواء المخصصة للغطس، بالإضافة أنه غير مجهز بـ (شاروق)، وأكثر من مرة طلبنا منهم وضع (شاروق) للتخفيف من الضرر ورفعه عن الدخان الصادر من عادم مولد المركب، كي لا يتنفسوا ما ينفثه دخان المولد من سموم مع الزيت الذي يدخل إلى الرئتين”.

ولفت إلى أنهم “(يتنفسون) الأمراض والعلل والسرطانات، ويراكمون فاتورة الدواء والعلاج على أنفسهم”، وأشار إلى أنه “لو سمح لهم باستخدام الكومبريسور فسيصطادون كميات أكبر من السمك، لكن في مقابل باهظ على الصحة والعلاج والدواء، وهم أساسا ليس لديهم إمكانيات”.

وتابع سماحة: “هناك أيضا أمر غاية في الخطورة، إذ يقومون بإزالة خزان الكومبريسور لان سعته قليلة، ويضعون مكانه (قازان) مصنوع من الحديد المجلفن (المزيبق)، والذي يكون غالبا قد تآكله الصدأ من الداخل، ولا يجوز التنفس عبره، ففي بالبيت ومع المياه العذبة يضربه الصدأ، فكم بالحري مع المياه المالحة وهواء البحر؟ واحيانا يُحضر الصياد “بيستونات غاز” cylinders خاصة بالشاحنات وتستخدم لتنفيس مكابحها، وبيشترونها من الكسر ويضعونها مكان الخزان بحجة انه مصنوع من الألمنيوم من الداخل، صحيح ألمنيوم لكن ليس ذلك المخصص ليتنفس منه الانسان، وفي حال سمح لهم باستعمال الكومبريسور من قبل وزارة الزراعة، فهل ستتكفل وزارة الصحة بتحمل تبعات العلاج؟”.

 

فقير معافى أفضل من فقير مريض

 

وأردف سماحة: “أعود وأكرر، هذا الجهاز ليس للاستخدام البشري، وإن قرار السماح باستخدامه ينبغي أن يكون على أساس اعتماد أجهزة آمنة، وهذه ليس بإمكان الصياد تأمينها وسيتطلب الامر تمويله أو شراء هذه المعدات، وإلا فإن القرار سيكون ضمنا قرارا بالموافقة على الموت انتحارا لهذه الفئة المهمشة والفقيرة والمعدومة في المجتمع، وليس قرارا منصفا لمن يعاني الفقر والعوز والحاجة، وبالنسبة لي (فقير معافى أفضل من فقير مريض)، وعلى الوزارة قبل السماح بهذه التقنية في الغطس أن تأخذ عينات من الهواء الذي يخرج من هذه المعدات، وأن تقوم بفحصها في الـ AUB أو البلمند أو الـ CNRS”.

وقال: “لا يمكننا الموافقة على مطالب غير منطقية، وأن نفتح على الصياد والوزارات مزاريب مالية، فمن سيعالج الصياد أو يساعد عائلته؟ ومن يتحمل نتيجة جهله وقلة تقديره؟ ومن ثم هل بإمكان الوزارة ان تأخذ على عاتقها هكذا قرار وتتحمل تبعاته؟”.

ولفت سماحة إلى أن “هناك أمرا آخر، وهو أن الغطس بطرق ووسائل آمنة لا ينبغي ان يترافق مع أي مجهود تحت الماء، لذلك البارودة تحت المياه و(دكها) ممنوع لانها تعرض الصياد لذبحة صدرية بسبب المجهود، فكيف مع هكذا معدات؟”.

aaa

تصريح بالقتل

 

وأضاف: “الانسان تحت المياه هو في الاساس (مضغوط) واي مجهود تحت المياه وهو بهذه الحالة من الارهاق الزائد والتنفس الزائد، يجعل غاز الآزوت يدخل ويتغلغل اكثر إلى جسمه، وهذا الغاز يدخل بسرعة ولكن خروجه يتطلب وقتا، ومعظم الصيادين يواجهون مشاكل لانهم يدخنون، ومن لا يدخن منهم فهو (يدخن) السموم التي تخرج من موتير المركب ومعظمهم أيضا لا يشربون ما يكفي من المياه، ولذلك يتعرضون لإصابات جراء الغطس حتى لو كان الهواء نظيفا، لان معظمهم لا يرتوون بالحد الأدنى اليومي من المياه، ويعانون نقصا بالمياه”.

وقال سماحة: “قمنا مرة بإحصاءات لمعرفة حجم وعدد الإصابات خلال فصلي الصيف والشتاء، وتبين لنا أنه في الصيف تكون الإصابات أكثر، لان الصيادين لا يشربون المياه ويتعرقون أكثر، بالاضافة الى القهوة والشاي ونوع المشروب الرخيص الذي يحتسونه، ما يعني أن نمط حياتهم مع الهواء هو بمثابة تصريح بقتلهم، حتى الخرطوم الذي يستعملونه ليس مخصصا للتنفس منه، يعني أنه إذا هذا كان الصياد يقوم بالغطس ليعيش، فأقله عليه أن يجهز نفسه بمعدات أقل ضررا، وقد يتعرض لإدمان الغطس، وهو ما يعرف بـ (سكرة المياه) ويشعر بها  بعد عمق30  مترا، إذ يتخدر الانسان، ويؤثر والغاز على الجهاز العصبي ويسبب له دوارا”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This