ربما يرتبط إسم الوزارات بمضمون استراتيجياتها المفترضة، أو هو تعبير عن مجال سياساتها وعلاقتها بالتنمية الشاملة، أو هو دالة على القطاع الذي ترعاه في إدارة شؤون البلاد والعباد.
كانت تسمَّى “وزارة الموارد المائية والكهربائية”. في تلك الحقبة، لم يلحظ البلد أي تطوير لهذه الموارد، ولا لسياسات إدارتها. فالموارد المائية هي في حالة تدهور مستمر، لم يتوقف منذ عقود طويلة. وكذلك الموارد الكهربائية، هي في عجز مستمر عن تلبية حاجات البلد المتزايدة للطاقة الكهربائية، بل انحدر بلدنا إلى وضع غاية في السوء، حيث أصبح رهينة في يد أصحاب المولِّدات، في ظل تراجع حاد لقيام الدولة، وفي المقدمة الوزارة المعنية، بمسؤولياتها المتنامية تجاه الشعب اللبناني وقطاعات الإقتصاد الوطني.
في 18 حزيران من العام 2000، كتبتُ هذه السطور، عند إعلان نية الحكومة لتعديل إسم وزارة “الموارد المائية والكهربائية”، ليصبح ” وزارة الطاقة والمياه”: “قريبا سيصبح عندنا وزارة للطاقة، هذا ما يدعو للتفاؤل، إذ أن ذلك يشكل خطوة أولى ضرورية لتوقع اعتماد سياسة طاقوية عقلانية اقتصاديا وبيئيا، أي تنمويا مستداما. إن هذا التفاؤل مشروط بحدوث تبدل عميق وجذري بالسياسات العبثية المعتمدة حاليا، والإرتكاز في اعتمادها على رؤية تلبي المصلحة العامة بمفهومها الواسع، وعلى حساب مصالح فئوية لحفنة من الشركات البترولية ومن يرتبط معها في الأوساط الاقتصادية والسياسية النافذة في البلاد.”
نحن اليوم على مسافة 17 عاما ونيف من ذلك التاريخ، هل يحق لنا أن نسأل، هل أدى هذا التغيير في الإسم، أو أنه شكَّل خطوة أدت إلى اعتماد سياسة طاقوية عقلانية اقتصاديا وبيئيا وتنمويا مستداما؟ وهل حدث تبدل “عميق وجذري” في السياسات العبثية، التي كانت معتمدة سابقا، بحيث ترتكز السياسة الطاقوية الجديدة على رؤية تلبي المصلحة العامة بمفهومها الواسع، على حساب مصالح فئوية لحفنة من الشركات البترولية، ويمكننا الإضافة الآن، لحفنة من أصحاب المولِّدات وشركات تأجير البواخر، ومن يرتبط معها في الأوساط الإقتصادية والسياسية النافذة في البلاد؟
منذ تاريخ تغيير إسم الوزارة، أي منذ العام 2000، لم يتم إنشاء أي معمل جديد لتوليد الطاقة الكهربائية، بل جرى استهلاك المعامل القائمة حتى الرمق الأخير، بحيث أن معملي الجية والذوق أصبحا غير قابلين للتأهيل، ولا بد من عملية تحديث جذرية لهما. على مدى تلك السنوات، تنامت حاجة لبنان، بشعبه وقطاعاته الإقتصادية كافة، للطاقة الكهربائية. جاء الخبراء والإستشاريون الأجانب ومعهم الوطنيون، ليضعوا مخططات توجيهية شاملة وفق رؤية تمتد لعشرين سنة قادمة، وحددوا حاجة البلاد. ولكن أين نحن الآن من ذلك الميزان، بين حاجة البلد وقدرة معامل الدولة على الإنتاج؟ فبدل وضع توصيات هذه المخططات التوجيهية موضع التنفيذ، ذهبت السياسات الطاقوية نحو استئجار البواخر، والركون لأصحاب المولدات، الذين يُملون اليوم مصالحهم على الدولة والمواطنين على حد سواء.
وماذا حلَّ بالمياه، عندما غيرنا إسمها من موارد مائية إلى مياه؟ كل مواردنا المائية ملوَّثة، تلوُّثا يتفاوت بين أعلى الدرجات، كما هي الحال مع نهر الليطاني وبحيرة القرعون، ومتوسطها كما هي حالة معظم مياهنا السطحية، وكثير من مياهنا الجوفية. وهي تتوزع بين مصابة بالتلوث فعلا، وبين المعرضة للتلوث والإستنزاف والملوحة.
مياه الشرب غير آمنة في معظم مناطق لبنان، وبالتالي يضطر المواطنون إلى رصد حوالي 10 بالمئة من دخلهم الشهري لتوفير مياه معبأة للشرب لعائلاتهم. أمان المياه المعبأة غير مضمون بالكامل أيضاً، نظرا لضعف الرقابة الصحية، من قبل الوزارات المعنية والبلديات.
ماذا عن سياسة إدارة الصرف الصحي في لبنان، وعن الإنجازات الحقيقية في هذا القطاع، على الرغم من صرف مئات ملايين الدولارات خلال العشرين سنة الماضية على هذا القطاع؟ فكم عدد الشبكات التي تصب في البحر وفي الأنهر وفي الوديان والروابي؟ وكم عدد محطات المعالجة التي تعمل فعليا؟ وأي مستوى من المعالجة تحقق؟ وكم عدد المحطات المنجزة والتي لا تعمل؟ وكم عدد المحطات التي عملت لأشهر وهي متوقفة عن العمل حاليا؟ وكم وكم وكم؟
ماذا عن إدارة ومعالجة التدفقات الصناعية السائلة في لبنان، في ظل هذه الفوضى في زيادة عدد المؤسسات الصناعية غير المرخصة، أو غير مكتملة الترخيص، والتي تعمل خارج كل أنواع الرقابات والمتابعات، لا من وزارات معنية ولا من سلطات محلية؟ أين ترمي بنفاياتها السائلة وغير السائلة؟ في البحر؟ في نهر الليطاني؟ في الأنهر الأخرى؟ في مجاري المياه الشتوية؟ في روافد الأنهر وفروعها؟
إن الإصلاح الحقيقي في هذه الأيام، يتطلب تغييرات جذرية وعميقة في كثير من هيكليات الدولة، وليس زيادة تسمية وزارة من هنا، أو تعديل لفظي من هناك؟ لا وزارة مكافحة الفساد تكافحه فعلا، ولا وزارة التنمية الإدارية تنمي الإدارة فعلا، ولا وزارة البيئة تحمي البيئة فعلا، ولا وزارة الطاقة والمياه تعنى بتنمية موارد الطاقة وتلبية حاجات البلد الاستراتيجية من الطاقة الكهربائية، كما تفعل كل بلدان العالم، ولا هي تحمي المياه ولا مواردها.
ربما نحن نقترب من ضرورة فصل وزارة الطاقة عن المياه، وجعل الطاقة والنفط والغاز في وزارة جديدة. والمياه وإدارة الثروة المائية في وزارة جديدة أخرى، تكون مسؤولة عن حماية وإدارة الثروة المائية كميا ونوعيا، وعن معالجة الصرف الصحي، وإدخال المياه المعالجة في ميزان حسابات الثروة المائية المستردة، لاستعمالها في مجالات تتلاءم مع مواصفات جودتها. ربما يبدأ الإصلاح من هنا…الطاقة والمياه ركيزتي الحياة والإقتصاد الوطني. ولكن، شرط أن لا نكتفي بتغيير التسمية…..