لأن النفايات العضوية تشكل أكثر من نصف حجم النفايات المنزلية، دراسة جديدة في الجامعة الأميركية في بيروت تدرس إمكانية اعتماد سياسة جديدة في فرم المواد العضوية في المصدر وتحويلها من إدارة النفايات الصلبة إلى إدارة مياه الصرف. فما هو تأثيرها وجدواها البيئي والاقتصادي، بالإضافة إلى بصمتها الكربونية؟ موضوع دراسة جديدة لأماني معلوف في الجامعة الأميركية في بيروت، قسم الهندسة المدنية والبيئية، بإشراف البروفسور معتصم الفاضل وبدعم من المجلس الوطني للبحوث العلمية
فيما لا يزال الجدل دائراً حول وضعية مطمرَي برج حمود والكوستابرافا الساحليَّين، بدأت بعض المصادر المعنية بالترويج بأنّ الدولة قد تلجأ إلى تمديد عمرهما لوقت إضافي، أو إعادة فتح مطمر الناعمة أو النقل إلى معامل ومطمر منطقة سرار في عكار وغير ذلك من حلول طارئة… ما دامت لم تضع حلاً مستداماً لإدارة معالجة النفايات. وهناك من يقترح إعادة فتح مطمر الناعمة، خصوصاً بعد الفشل في إيجاد مطمر لنفايات الشوف وعاليه التي بقيت خارج خطط الطوارئ!
كما لا تزال المصادر المعنية في مجلس الإنماء والإعمار تؤكد أن إنتاج النفايات اليومي تضاعف خلال السنوات الماضية، ما يُحتّم إبقاء مطمري برج حمود والكوستابرافا في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود بديل مطروح، وإلّا فإن أزمة إغراق الشوارع بالنفايات ستعود لا محالة.
مشكلة المواد العضوية
وحتى لو تم إيجاد بدائل طارئة، فإن المشكلة لن تجد طريقها إلى الحل إن لم تقترن بنظرة أكثر شمولاً. ومن دون العودة إلى جذور المشكلة البالغة التعقيد، فقد أدى النمو السكاني ومشاريع التنمية إلى جانب محدودية موارد الأراضي في المناطق الحضرية إلى ظهور تحديات أمام صانعي القرارات لإدارة الكميات المتزايدة باستمرار من النفايات الصلبة المنزلية. ولعل أكثر ما يميز النفايات الصلبة المحلية (في الاقتصادات النامية على وجه الخصوص) هو زيادة نسبة المواد العضوية بما يتجاوز الـ 60 في المئة من حجمها مقارنة بأقل من 30 في المئة في الاقتصادات المتقدمة (حسب دراسات البنك الدولي الصادرة عام 2012؛ والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادرة عام 2006). لذلك كان يفترض التركيز في سياسات الإدارة المتكاملة، على معالجة هذا الجانب العضوي المحوري والذي يشكل 60% من المشكلة و60% من الحل أيضاً.
أين معمل التسبيخ؟
لعل السبب الرئيسي في تعثّر خطة النفايات الطارئة التي وضعت عام 1997 في لبنان، ناجم عن تعثّر معمل معالجة النفايات العضوية نفسه. فهو الذي كان مخصصاً لاستيعاب 300 طن يومياً، وتم زيادة البلديات الى العقد من دون توسيع هذا المعمل، وقد فشلت عملية المعالجة وإنتاج أتربة خصبة منه صالحة للاستخدام الزراعي. وها هي الخطة الطارئة الجديدة، تفشل أيضاً حتى تاريخ كتابة هذا السطور، بأن يتم توسيع وتأهيل هذا المعمل لكي يستوعب 700 طن بدل 300!
لذلك لا تزال قضية معالجة النفايات العضوية هي المسالة المركزية في معالجة النفايات المنزلية الصلبة، إن في خطط الطوارئ أو في تلك المستدامة.
في العالم
في العالم تجارب كثيرة لحل هذه القضية، بينها اعتماد أو إدخال جهاز التخلص من النفايات العضوية (الغذائية في مجملها) على مستوى المنزل (المطبخ)، الذي هو كناية عن جهاز لفرم المواد العضوية وتحويلها إلى مجاري مياه الصرف الصحي.
وقد تم تصميم هذا الجهاز لطحن المواد العضوية القابلة للتحلل مثل بقايا اللحوم، الفواكه والخضار، القهوة والعظام الصغيرة…الخ.
تم استخدام هذا الجهاز للمرة الأولى بداية الثلاثينيات في الولايات المتحدة ثم تطوّر استخدامها لتصل إلى أكثر من 80٪ من تصاميم الأبنية الجديدة حتى باتت موجودة فيما يقارب نصف مساكن الأسر الأميركية (حتى عام 2000). غير أن هذا الاستخدام قد أحيط بكثير من الحذر في بعض المدن الكبرى، لا سيما في مدينة نيويورك على سبيل المثال، إذ تم حظر استخدام هذه الفرامات والمطاحن بسبب المخاوف من عدم استيعاب البنية التحتية للمجاري القديمة لها. وقد بلغ هذا القلق ذروته عام 1995 عندما أغلقت المدينة مطمرها الرئيسي. عندها تم تجريب أكبر مشروع نموذجي لدراسة أثر هذه التقنية على شبكات الصرف الصحي. وبناء على هذه الدراسة النموذجية تم رفع الحظر عن هذه التقنية وتم تشريع استخدامها في الأبنية الجديدة. واليوم يتم بيع هذه التقنية ضمن قيود محدودة. وانتشرت في أكثر من 50 بل بما في ذلك إنجلترا، إيرلندا، إيطاليا، إسبانيا، اليابان، كندا، المكسيك وأستراليا. وعلى الرغم من أن الحظر كان ساري المفعول في فرنسا، فقد رفع في عام 1986، بعد تحقيق آخر متعمّق أجرته السلطات الفرنسية.
مثيرة للجدل
على الرغم من فاعلية خفض كميات النفايات الصلبة البلدية التي يجب إدارتها، فإن هذه التقنية ظلت مثيرة للجدل بسبب التأثيرات الناجمة عن توليد أحجام أكبر من مياه الصرف الصحي والحمأة التي يجب إدارتها ومعالجتها بالإضافة إلى زيادة استهلاك الطاقة والمياه، مما يتطلب تدقيقاً أكبر عندما يتم اللجوء إلى هذا الخيار الذي يعتمد على تقليل المواد العضوية في المصدر، وتخفيف الكميات التي تذهب إلى الطمر.
بالإضافة الى ذلك، عندما تتحول النفايات العضوية من نظام معالجة النفايات الصلبة الى نظام معالجة النفايات السائلة، ينجم عن هذه المعالجة زيادة الأكسجين الكيميائي الحيوي (BOD) في المياه العادمة والمواد الصلبة العالقة والمواد المغذية الأخرى بسبب استخدام المركبات ذات القيمة المضافة في زيادة الانبعاثات أثناء إدارة مياه الصرف، مقترنة بزيادة في استهلاك الطاقة وتوليد الحمأة من أجل المعالجة النهائية، مما يسهم أيضاً في زيادة الانبعاثات. بالإضافة إلى زيادة كلفة معالجة الوحول الناجمة عن معالجة مياه الصرف.
ماذا عن الانبعاثات
سبق أن تناولت الدراسات السابقة الجانب التقني والاقتصادي من اعتماد هذا الخيار، إلا أنّها لم تتناول موضوع الانبعاثات والبصمة الكربونية بشكل متكامل ودقيق. مع العلم أن البصمة الكربونية في هذه الحالة، هي صافي الانبعاثات الناتجة عن تحويل مخلفات الأغذية إلى نظم معالجة المياه الصرف والحمأة.
تدمج هذه الدراسة الجديدة في الجامعة الأميركية في بيروت، قسم الهندسة المدنية والبيئية، التي قمت بها بإشراف البروفسور معتصم الفاضل وبدعم من المجلس الوطني للبحوث العلمية، بين هذه النظم في إطار واحد تم تطويره لتقييم البصمة الكربونية لإدخال المركبات ذات القيمة المضافة للحد من معالجة النفايات في سياق الاقتصادات النامية حيث تتجاوز نسبة نفايات الأغذية نسبة 60 في المئة. ثم تمت مقارنة النتائج مع مناطق اقتصادية متطورة مع انخفاض نسبة النفايات الغذائية بنسبة 30٪. وقد أجري التحليل مع مراعاة اقتصاديات العوامل البيئية الخارجية مع التركيز على إدارة الحمأة وصافي الانبعاثات من أجل التجارة المحتملة للكربون.
المكاسب الاقتصادية
لهذا الغرض، تم وضع نموذج يعتمد نهج دراسة “دورة الحياة” لدمج عمليات إدارة النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي في إطار واحد وسيناريوهات اختبار لنفايات ذات محتوى غذائي عضوي عال، نموذجي للاقتصادات النامية. وبالنسبة إلى مثل هذه التركيبة للنفايات، تظهر النتائج أن سياسة تقنية الـ”Food Waste Grinder” يمكن أن تقلل من الانبعاثات بما يقارب من 42٪ تقريباً (مقارنة بالوضع الحالي لطرق المعالجة)، وحسب ما يتم تبنيها في المنطقة (من 25 إلى 75%)، وحسب نسبة حجم النفايات العضوية التي يمكن طحنها من نفايات الطعام (بين 75 و95%)، فضلاً عن مخططات إدارة النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، بما في ذلك استعادة الطاقة المحتملة.
من ناحية المكاسب الاقتصادية يمكن توفير ما يقارب 28٪ من الكلفة الحالية عندما يتم النظر في العوامل البيئية الخارجية بما في ذلك إدارة الحمأة والانبعاثات. وإذ هناك تفاوت كبير في كلفة معالجة الحمأة، حسب التقنية المعتمدة، حاولت هذه الدراسة أن توفق بين الأسعار، أي بين الأقل والأعلى سعراً، التي أظهرت أنه لا يزال هناك جدوى اقتصادية لاتباع هذه السياسة وهذا النموذج المتكامل للمعالجة.
دراسة مقارنة بأسعار كلفة معالجة الوحول
هناك تقنيات عدة لمعالجة وإدارة الحمأة أو الوحول الناجمة عن معالجة مياه الصرف، ولكل تقنية كلفتها وهذه بعض معدلات هذه الكلفة:
– استخدام الحمأة كجزء من الكومبوستاج (التخمير الهوائي) لاستصلاح الأراضي بعد معالجتها بكلفة 223 الى 265 $ /طن.
– الطمر أو الحرق: بين 276 إلى 371 $/طن
– المعالجة بالتخمير اللاهوائي 881$/طن
– تقنيات أخرى تتراوح كلفتها بين 39 و2838 $