مجالات التحذير من تداعيات التغيّر المناخي بدأت بالتوسّع مؤخراً، وأصبحت تتركّز بشكل كبير على الحشرات وأعدادها التي إن إختلّت، تشكّل خطراً كبيراً على النظم البيولوجية والحياة المتسلسلة للنبات والحيوان معاً.
وبينما عرض موقع greenarea لدراسة تتحدث عن أهميّة الخنافس والديديان في صلب الحياة البيولوجية للبشر، وتطالب بوضع التنوع البيولوجي في مستوى تغير المناخ كقضية بيئية، كون تلك الأنواع من الحشرات باتت مهددة بالإنقراض.. ها أن دراسة جديدة في الإطار ذاته، تصدم علماء البيئة لمجرّد الإشارة إلى أن ثلاثة أرباع الحشرات الطائرة في المحميات الطبيعية في أنحاء ألمانيا قد اختفت خلال الـ 25 عاماً الماضية، الأمر الذي يهدد بآثار خطيرة على كل نواحي الحياة على هذا الكوكب الأزرق.
لا ضير لو إقتصرت تلك الدراسة على أماكن أو أحراج عامة، لكن المشكلة تتركّز في مجال البحث الذي أنتج تلك النتائج! فالعينات التي أخذت كانت من مناطق محمية ومن محميات طبيعية يفترض أنه يتم الإعتناء بها وبغناها الطبيعي كما بتنوّعها البيولوجي.
التقارير الأخيرة ليست الوحيدة في هذا المجال، فقد سبق لأخرى أن تحدثت عن إنخفاض في أعداد الحشرات، لكنها إقتصرت على أنواع معينة مثل الفراشات العشبية الأوروبية التي انخفضت بنسبة 50 في المائة في العقود الأخيرة. إلا أن الدراسة الأخيرة، فقد رصدت التحولات الصادمة في أعداد مختلف أنواع الحشرات الطائرة وصولاً إلى الدبابير والذباب التي يتم التطرق إليها للمرة الأولى.
في المحصّلة، فإن حجم الخسائر المكتشف حديثاً، والذي لحق بكل الحشرات، دفع إلى إصدار تحذيرات بأن العالم في طريقه إلى حرب بيئية فانية لها آثار جسيمة على المجتمع البشري.
إستندت الدراسة إلى جهود عشرات من علماء الحشرات الهواة في أنحاء ألمانيا كافة، والذين وضعوا معايير صارمة لجمع الحشرات منذ عام 1989، فجمعوا 1500 عينة من 63 محمية طبيعية. فكانت النتائج المزرية بتسجيل إنخفاض يتراوح من 76 إلى 82 في المائة في أعداد الحشرات الطائرة، تصل ذروتها في فصل الصيف.
الأمر الذي يربط ما بين إرتفاع درجات الحرارة الناتج عن الإحترار المناخي من جهة وحياة الحشرات الطبيعية من حهة أخرى، إلا أن سبب هذا الانخفاض الهائل بأعداد الحشرات لا يزال غير واضح حتى الآن، على الرغم من أن العلماء يربطونه بالواقع الزراعي وبتدمير المناطق البرية والإستخدام الواسع لمبيدات الآفات.
تشكّل الحشرات نحو ثلثي الكائنات الحية على وجه الأرض، فضلاً عن أنها جزء لا يتجزأ من الحياة على الأرض كالملقحات وفرائس الحياة البرية الأخرى، وبالتالي فإن نتائج الدراسة التي نشرت في صحيفة “بلوس ون” العلمية وسلطت الضوء عليها صحيفة “غارديان” البريطانية، دفعت العلماء للتكهن بـ”كارثة” قد يكون لها تأثير خطير على المجتمعات البشرية.
قائد البحث هانز دي كرون، من جامعة “رادباوند” الهولندية يقول إن “حقيقة تراجع أرقام الحشرات الطائرة بهذا المعدل المرتفع هو جرس إنذار مدوّي”. بدوره، أكد الأكاديمي البريطاني والمشارك في الدراسة ديف غولسون أن البشر يجعلون مساحات شاسعة من الأرض غير صالحة لحياة أغلب الكائنات الحية، وأشار إلى أن فقدان الحشرات سوف يؤدي إلى انهيار النظام البيئي.
من جهة أخرى، أشار الباحثون إلى أنهم سوف يدرسون عينات الحشرات التي حصلوا عليها من أجل الكشف عن مزيد من الحقائق، وطالبوا بإجراء دراسات مماثلة في دول أخرى، للوقوف على مدى تراجع أعداد الحشرات الطائرة عالمياً.
ولمواجهة خطر انقراض الحشرات الطائرة، إقترح المستشار العلمي للحكومة البريطانية دي كروون ضرورة التوقف عن استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع، والتصدي لتحويل المروج إلى أراضي زراعية.
دراسات تتوالى في هذا المجال، وعلى ما يبدو فإننا مع تقدّم السنين سنكتشف واقعاً مؤسفاً قد يحوّل حياتنا إلى جحيم إذا لم نتعاون معاً على محاربة التغيّرات المناخية ..