في ظل ما نشهده من مجتمع متفكك مريض وتراجع للروابط الإجتماعية والعائلية، إنتشرت حالة من التقوقع والإنزواء خصوصاً مع الإدمان على مواقع التواصل الإجتماعي دون رقابة ضابطة. ولهذه التغيرات تأثيرات مباشرة على الأطفال تهدّد الكيان اللبناني بأسره إذا وصلت إلى حدود ارتكاب الجرائم. إلا أن الأمل بتغيير الصورة السوداوية ممكن في حال إتّبع الإنسان خطة إستباقية إنقاذية !
نهرا: المجتمع اللبناني مهدد بالانهيار و الجرائم
في هذا الاطار تتحدث رئيسة نقابة المعالجين النفسيين الدكتورة ماري انج نهرا لـ greenarea عن التغييرات التي حصلت في المجتمع اللبناني، فتقول: ” أول دلالة للصحة النفسية تكمن في التواصل مع الآخر، فعندما يكون الإنسان في صحة نفسية سليمة يكون لديه الإستعداد للإنفتاح على الآخر وبالتالي مشاركته في تبادل الأفكار. في المقابل، فإن كل إنطواء على النفس يزيد المعاناة من حالة مرضية نفسية، وأي قمع يترجمه بسلوك عدائي تجاه الآخر لشد إنتباه الآخرين. ”
مثال على ذلك، تشير نهرا إلى ما حدث مع الطفل الذي ارتكب جريمة في محاولة منه للفت الأنظار صوبه بأنه صاحب كلمة وقرار وأن السلاح بين يديه يمكن إستعماله عن سابق تصوّر وتصميم . وكل ذلك نتيجة حالة مرضية تترجم بإنفعال غير موجه في الشكل السليم، فضلاً عن تأثير الألعاب الالكترونية التي فيها الكثير من العنف، فتختلط الصورة لديه عند استعمالها بين عالم الواقع وعالم الخيال معتقداً أن استعمال السلاح هو نوع من أنواع التسلية.
فتردف قائلة: ” نحن مسؤولون كمجتمع عن الأسر المهمشة في قلة التوعية من إعلاميين الى مجتمع اهلي والدولة أيضاً، عن الجرائم التي تحصل. باختصار نحن لا نؤسس لمجتمع مريض بل لمجتمع يتّجه الى انهيار، اذا قارنا ذلك مع فترة الحرب التي مر فيها لبنان، حيث كان المجتمع المدني متماسكاً رغم كل الاختلاف في الوجهات السياسية، عكس ما هو عليه اليوم في حالة تفرّد اي كل شخص منفرد في مشاكله ولا يستطيع ان يساعد الاخر. اذ ان تطور المجتمعات يكمن في العمل الجماعي، اما في حالتنا اليوم فيكمن في الانعزالية وابتعاد العائلات عن بعضها حيث ان الروابط العائلية تقلصت دون تفهم الآخر لان كل فرد بات متقوقعا على ذاته و ليس له القدرة في مواجهة الشخص الاخر. لذا اذا لم نقف في وجه هذه العوارض النفسية التي نعيشها سيؤدي بنا الى انهيار نفسي يتّجه بنا الى جرائم اكثر لان الجرم سلوك عنفي لم يكن موجودا بكثرة بل صار متاحا ومباحا في ظل غياب التوعية.”
وهبة: رغم الازمات النفسية المتصاعدة هناك امل
المتخصص في إدراة المشاعر و الضغط النفسي الدكتور جاد وهبة يحاول أن يعطي أملاً ينقذ المجتمع اللبناني من مهبة الانهيار النفسي، فيقول:” “نحن أصلاً مجتمع يعاني من عدة أمراض كونه مجتمع منقسم وطائفي، تعتبر فيه كل مجموعة أنها على حق وأن الآخر هو المخطىء، الأمر الذي يؤدي إلى تصلب فكري يجعل الانسان غير منفتح على الآخر، ويعزّز العبودية. اما في ما يتعلق بما نمر به من آفة مرضية هي ايضا عالمية تكمن في الشعور بين البسط واللذة والشعور بالسعادة الحقيقة. اي كل حالة منها يعبّر عنها من خلال الهورمونات، بمعنى أننا نعيش وفق هورمون اللذة والفرح “الدوبامين” بينما هورمون السعادة يكمن في “السيروتونين”. مفعول اللذة والبسط سريع ويخف مع الوقت انما في المقابل مفعول السعادة أطول بكثيرمع فرز هورمون الدوبامين. بمعنى أنه عندما يدمن الانسان على مواقع التواصل الاجتماعي والعاب الانترنت تعطيه لذة مؤقتة والاسوأ عندما يدمن الولد على الالعاب المعنفة دون التمييز بين الوهم والواقع وفي حالات القصوى يمكن ان يؤذي اهله دون ان يدرك ذلك كما حصل عند الولد الذي قتل والده . ”
الجدير ذكره بحسب وهبة : “ان كثرة الادمان على المواقع التواصل يزيد من فرز هورمون الدوبامين، اما هورمون السيروتونين فينشط عند التواصل النظري اي في الاختلاط الاجتماعي الواقعي. وهنا يجب التوقف عند اهمية ان هورمون الدوبامين يزيد الإدمان على شبكة التواصل الاجتماعي والانترنت، فلا نعطي التواصل الاجتماعي بين الأفراد أاهمية كونه يحتاج الى مجهود اكبرللتواصل فيرتفع هورمون السيروتونين بشكل بطيء. في هذه الحالة،على سبيل المثال اخترع اليابانيون جاكيت خاصة للانسان لتحفيزه عاطفياً عندما يرتديها، وبكبسة زر تنفخ الجاكيت و تعانق الانسان لترفع من هورمونات السعادة لديه كعلاج.”
خليل: الاسباب و الدوافع منذ الصغر
من جهتها، تركّز المتخصصة في المتابعة النفسية الجسدية شنتال خليل على أهمية الإعتناء بالجيل الصاعد لمجتمع أفضل، فتقول:” بتنا نعيش في عالم إفتراضي من التواصل الإجتماعي دون رقابة من الأهل على الانترنت، فيزداد الخمول في دماغ الطفل وتتأثر لديه القدرات الفكرية دون إعطاء قيمة للوقت، فينسى انه قد أمضى الوقت الطويل على الإنترنت إلى حد الإدمان. خصوصاً وأن 99 في المائة من الألعاب على الإنترنت تحمل حضارة العنف، الأمر الذي يؤثر على الدماغ ويزيد من خفقان في القلب، وتكرار مثل تلك الحالات يقتل منطقة الإنفعال في دماغ الطفل، فيعتاد على مظاهر القتل ويعتبرها من الأمور الطبيعية.”
إنطلاقاً من هذا المبدأ، تشدّد خليل على أننا نؤسس لمجتمع مريض في حال لم يتدارك الأهل خطورة الحالة النفسية المتدهورة عند الولد. ورغم أن الحياة العملية قد فرضت بعض التقصير، إلا أن إهمال الأولاد غير مقبول، والتنبّه أمر ضروري خصوصاً وأن الدراسات أثبتت أن وسائل التواصل الإجتماعي تزيد من نسبة حالات الإنتحار ومن الإضطرابات النفسية عند الأطفال والكبار معاً. ن الحياة العملية فرضت بعض التقصير خصوصا و ان الحوار الحقيقي جزء لا يتجزء من كلام و ردات فعل مرسومة على الوجه اما الحوار وراء الشاشة الالكترونية فهو غير كامل. وعلى البرامج التربوية التركيز على أخلاقيات مواقع التواصل الاجتماعي و مخاطر الإدمان عليها.
جاموس: الأرقام لا تشجع
من جهة أخرى تحدث الإختصاصي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس عن أن 30 في المائة من الناس هم من المرضى النفسيين و20 في المائة منهم مدمنون على الوحدة ونسبة 1 في المائة مصابة بانفصام في الشخصية.. والسبب يعود إلى أن ظروف الحياة قد تغيّرت وأصبح لكل فرد عالمه الخاص مع من يتواصل معه عبر هاتفه دون أن يرى الآخرين بأم العين ضمن علاقات اجتماعية وطيدة، وحتى الروابط العائلية تتراجع.
بدوره يشرح الاختصاصي في علم النفس الدكتور نبيل خوري الحالة النفسية عند اللبنانيين ويقول:” ان العلاقات الاجتماعية مهمة لتوطيد العلاقات بين الأفراد، إلا أن الإنسان اليوم أصبح مدمناً على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً عند الاجيال الصاعدة، الأمر الذي يزيد من حالات التقوقع والانعزال، فضلاً عن ان الوضع الاقتصادي الضاغط لا يسمح بالخروج للتنزه لأسباب مادية. فتكون النتيجة الإلتزام في المنزل، إضافة إلى ثقافة الحرب المتشنجة والكذب.. كلها عوامل تزيد في ضعضعة المجتمع، وتحويله إلى آخر مريض نفسياً في كل جوانبه. أما الحل، فيكون في التغييرات على الاجواء العامة كما وانه على المدارس ان تزيد من حملات التوعية لمساعدة التلاميذ نفسيا بأن لا يكونوا مدمنين على شبكة التواصل الاجتماعي مع التنبه منها لاننا لا ندري الى اي طريق يمكن ان تؤدي بالانسان الى الهاوية.”
اما الاختصاصية في الطب النفسي ادي شكور فشددت على اهمية الاهتمام بالاطفال وفي توطيد العلاقات الاجتماعية، فتقول: ان العلاقات الاجتماعية تتراجع في حين أن الإحباط النفسي يتزايد ليس فقط في لبنان بل في العالم ككل. واذا عدنا الى اصل السبب لنعرف الجواب، فندرك أن الأهل وطريقة تعاملهم مع ابنائهم، إضافة إلى مدى فعالية عملية تواصل الام مع ابنها منذ ولادته باللمس بالنظر والاهتمام به، ومدى وجود الاب ايضا في حياته والاهتمامبه تجنباً لاي توحد في اي عمر. لذلك يجب ان يكون هناك وجود مهم للاهل فكل واحد يلعب بدوره في حضن ابنه مع ضرورة التنبه الى انه لا يجب الاستهتار بالمرض النفسي لانه يؤدي الى الجرائم.”