ينقاش مجلس الوزراء الذي ينعقد اليوم برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي، مقررات اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة دراسة مسودة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري ، وتحويل النفايات الى طاقة الذي اعده الاستشاري الدنماركي رامبول.
وكان مجلس الوزراء قد اعاد احياء هذه اللجنة في كانون الثاني الماضي، وهي لجنة موروثة عن الحكومات المتعاقبة منذ العام ٢٠١٠ ولم تتوصل الى اليوم الى قرارات نهائية وقابلة للتنفيذ في ما يتعلق بخيار تحويل النفايات الى طاقة عن طريق تقنية الحرق. ورغم ان هذه اللجنة المشكلة بالقرار رقم ١٠ تاريخ ١١ كانون الثاني ٢٠١٧ قد اعطيت مهلة شهر واحد لاعداد الاقتراحات المناسبة ورفعها الى مجلس الوزراء، فان خلاصة عملها بعد مرور قرابة عشرة اشهر على تشكيلها لا توحي بانها توصلت الى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ في غضون السنة المقبلة، اي بالتزامن مع موعد وصول المطامر الحالية في برج حمود – الجديدة والشويفات – مصب نهر الغدير (الكوستابرافا) الى اقصى طاقتها الاستيعابية.
والملفت ان هذه اللجنة تجاهلت بشكل كامل الاستراتيجية التي أعدتها وزارة البيئة ورفعتها الى مجلس الوزراء، والحقها وزير البيئة طارق الخطيب بخطة تنفيذية لم تناقش ايضاً، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جلسة الاسبوع الماضي الى رفض مناقشة مقررات اللجنة الوزارية بغياب وزير البيئة الذي كان يشارك في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة.
ما الجديد الذي تحمله مقررات اللجنة الوزراية التي يرأسها الرئيس سعد الحريري ؟ وتضم في عضويتها ثمان وزارات ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر.
تقول اللجنة في خلاصة تقريرها انها وافقت على دفتر الشروط للتفكك الحراري والذي تضمن معظم ملاحظات الوزارات المعنية واعتماده كدفتر شروط موحد. واستنادا الى قرار مجلس الوزراء في العام ٢٠١٠ والى توصية الشركة الدنماركية رامبول المقدمة الى مجلس الانماء والاعمار، تم اقتراح تحديد موقعين مركزيين للتفكك الحراري (المحارق) في كل من دير عمار والجية بسبب وقوع معامل توليد الطاقة في نطاق هاتين المنطقتين، كما وتسهيل عمل بلدية بيروت لانشاء مركز تفكك حراري ضمن نطاقها البلدي وذلك وفقاً لنفس دفتر الشروط.
وكان مجلس الوزراء قد اصدر بتاريخ ١ ايلول٢٠١٠ قراراً حمل الرقم ٥٥ ينص على اعتماد تقنية التفكيك الحراري (المحارق) في المدن الكبرى، وبناء على هذا القرار تعاقد مجلس الانماء والاعمار مع الاستشاري الدنماركي “رامبول” للقيام بمجموعة من المهام، بينها وضع دفتر شروط الفني للتصنيف الاولي لشركات التفكك الحراري، وتقييم وتصنيف هذه الشركات ووضع دفتر الشروط الفنية للمناقصة النهائية، وتقييم العروض ومراقبة التنفيذ.
خلص التقرير الى ان عملية معالجة النفايات يجب ان تكون مسؤولية مركزية، ويتم تمويلها من الموازنة العامة للدولة، ويتبين وفق الخريطة المرفقة بالتقرير اقتراح انشاء أربع محارق للنفايات على طول الساحل اللبناني، ثلاثة منها قرب معامل الكهرباء (دير عمار في الشمال، الجية في الوسط، والزهراني في الجنوب)، اما المحرقة الرابعة فلقد اقترحت الخطة ان تكون في منطقة الكرنتينا. لكن الشركة الدنماركية خلصت الى انه بالاستناد الى الواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي للبنان، فانه يفترض ان يتم تركيب محرقة او محرقتين على أبعد تقدير.
ومعلوم أن رئيس “مجلس الانماء والاعمار” قد طلب رسمياً من مجلس الوزراء في العام ٢٠١٦ تحديد موقع للمحرقة كي يطلق مناقصة المحارق المركزية، فصمت المجلس عن هذا الطلب، واحال الملف الى لجنة وزارية !
البند الأغرب في التقرير الدنماركي يتعلق بتحديد مطامر للرماد المتطاير الناتج عن حرق النفايات، اي ما نسبته 3 في المائة من اجمالي النفايات تصنف موادا سامة ينبغي معالجتها وفق طرق خاصة قبل طمرها. وحددت الخطة مطمر للرماد السام الناتج عن محرقة الكرنتينا في مطمر حبالين – جبيل، ومطمراً للرماد السام الناتج من محرقة دير عمار في مجدليا – زغرتا، أما الرماد السام الناتج من محرقة الجية، فاقترحت طمرها في مطمر الناعمة – عين درافيل المفترض أنه سيكون مغلقاً ومعالجاً حين تشغَّل المحرقة!
اللافت ان اللجنة الوزارية برئاسة الحريري تفادت كلياً في تقريرها الاشارة الى مواقع المطامر المتخصصة بدفن رماد المحارق، واكتفت بالطلب من مجلس الانماء والاعمار تلزيم مكتب هندسي بيئي عالمي للقيام بدراسة تقييم اثر بيئي مبدئي لدفتر شروط رامبول.
وتقول بلدية بيروت انها استعاضت عن خيار طمر الرماد في مطمر صحي، عن طريق صبه في مكعبات باطون وتخزينه فوق الارض في عقار تملكه البلدية، ويصلح للتخزين لفترة تمتد لاكثر من 25 عاماً ! والمفارقة الملفتة ان كل من بلدية بيروت واللجنة الوزارية لم يعلنوا صراحة ان موقع المحرقة التي تنوي بلدية بيروت انشائها قد حدد مبدئياً في منطقة الكرنتينا بسبب حساسية هذه المسألة شعبياً وانتخابياً، علماً ان دفاتر التأهيل المسبق للشركات التي تقدمت بملفاتها الى بلدية بيروت تدرس حالياً وسيتم الاعلان عن الشركات المؤهلة مطلع العام المقبل على أبعد تقدير.
وتبلغ كلفة انشاء اربع محارق 950 مليون دولار، بحسب التقرير الدنماركي، في حين تبلغ كلفة تشغيل كافة الانشاءات 114 مليون دولار سنوياً. وتم احتساب كلفة التشغيل والصيانة للمحارق بعد حسم مردود انتاج الطاقة الكهربائية البالغة 50 دولاراً للطن الواحد، مع الاشارة الى ان قدرة كل معمل تصل الى 48 ميغاواط في اقصى حد، بشرط حرق جميع المواد غير القابلة لاعادة التدوير، وتسبيخ ما لا يقل عن 20 في المائة من المواد العضوية للحفاظ على القيمة الحرارية للمحرقة. واذا احتسبنا الكلفة المقدرة لانشاء وتشغيل محرقة واحدة من قبل بلدية بيروت تصبح الكلفة على اقل تقدير 350 مليون دولار اميركي.
هذا على صعيد مناقصة بلدية بيروت، فماذا عن مناقصة مجلس الانماء والاعمار ؟ في حال اتخذ مجلس الوزراء قراراً بقبول مقررات اللجنة الوزارية ، يفترض ان يطلق مجلس الانماء والاعمار مناقصة جديدة لاستحداث محطتين لتحويل النفايات إلى طاقة، ولقد وتم تحديد المدة المقدرة لبناء المشروع 36 شهرا، والمدة المقدرة لتشغيل المشروع والصيانة بين 10 سنوات و 20 سنة.
وليس معلوماً اذ كان مجلس الوزراء سيعتمد على نتائج “بيان المؤهلات” Request for Statement of Qualifications ، التي اطلقها مجلس الانماء والاعمار في العام ٢٠١٥ لتحديد الكفاءة المسبقة للشركات، ام انه سيطلب اطلاق بيان مؤهلات جديد، علماً ان هذه الخطوة لن تتم قبل اتمام دراسة تقييم الاثر البيئي التي لن تنجز قبل عام على اقل تقدير.
وبناء عليه، قررت اللجنة الوزارية ايضاً الطلب من مجلس الانماء والاعمار القيام بما يلزم لجهة استكمال الاعمال في مطمري الكوستابرافا وبرج حمود ودراسة توسعتهما ! كما لجهة استحداث معمل للنفايات العضوية بقدرة ٧٥٠ طن يومياً في موقع الكوستابرافا في خلدة يعمل على تقنية التخمير الهوائي اي بنفس التقنية التي يعمل عليها معمل الكورال في برج حمود، وذلك “لتقليص” كمية النفايات قبل طمرها.
الملفت ان اللجنة الوزارية لم تشر الى مصير نفايات الشوف وعاليه، وما اذا كانت ستنضم الى مطمر الكوستابرافا بعد توسيعه وانشاء معمل في نطاقه، لكن الاكيد انه في حال المضي في هذا الخيار فان الاقتراحات التي تقدم بها الوزير طارق الخطيب سوف تكون حكماً خارج التداول، وابرزها اعادة فتح مطمري بصاليم والناعمة – عين درافيل وترحيل النفايات الى مكب سرار في عكار، واعتماد تقنية تحويل النفايات الى وقود بديل لاستخدامه في محارق الاسمنت.