تختلف عناوين الحروب مع إختلاف أسبابها في الدرجة الأولى، قادتها من جهة وأهدافها من جهة أخرى، وبينما توقّع العلماء منذ فترة طويلة أن تكون “المياه” عنواناً أساسياً لحروب قد تصبح دامية، يبدو اليوم أن التغيّر المناخي يتواطؤ مع إستخدام البشر العشوائي لموارد المياه، فيقرّبان معاّ تاريخ الحروب المائية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط!
ففي أحدث تقرير له، كشف البنك الدولي أن نقص مياه الشرب والصرف الصحي يكلّف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 21 مليار دولار سنويا من الخسائر الاقتصادية، وأن التدابير اللازمة لتحسين إدارة وتوزيع الموارد المائية النادرة أصبحت أمراً حيوياً لنمو المنطقة واستقرارها. في حين يرى مؤرّخ كتاب “حروب المياه في الشرق الأوسط الجديد” حسن بكر أن نقطة المياه في الألفية الثالثة ستصبح أغلى من نقطة البترول! وقبله حذر أمين عام الامم المتحدة السابق دكتور بطرس غالي من أن حرب المياه هي حرب القرن الـ21 في الشرق الأوسط.
وها هو المغرب اليوم يعلن إتجاهه نحو الكارثة المالية بسرعة كبيرة، الأمر الذي أجبر الرئيس على تشكيل لجنة من أجل الإنكباب على إيجاد الحلول للمشكلة.
ففي أعقاب تزايد أعداد السكان على مستوى العالم إرتفع الطلب على المياه، وفي ظل السياسات التنموية الفاشلة في عدد كبير من الدول، بات أمر هدر المياه عادي إلى أن بات التهديد يطرق كل الأبواب. في حين أنه يجب بحسب البنك الدولي ألا تؤثر محدودية الموارد المائية على مستقبل المنطقة، بل يمكن حتى استخدام مزيج من التكنولوجيا والسياسات والإدارة لتحويل تلك الندرة إلى أمن.
يشير البنك في تقريره إلى أن إمكانيات إعادة تدوير المياه لم يتم استغلالها بشكل كامل في المنطقة، وفي الوقت الراهن، يعاد أكثر من نصف المياه العادمة التي يتم جمعها في المنطقة إلى البيئة دون معالجة، ما يشكل مخاطر صحية وهدراً في الموارد المائية. وحسب البنك الدولي، فإنه يعيش أكثر من(60%) من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مناطق إجهاد مائي مرتفع أو مرتفع للغاية، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى نحو (35%.)
المغرب أكبر دليل على ذلك، فرغم الجهود التي بذلت لتوفير كل السبل لتأمين المياه للبلد إلا أن مستقبل المغرب في هذا الصدد لا يبشر بخير.
فقد أفادت دراسة جديدة لمركز الدراسات والأبحاث في المغرب أن البلد يتجه نحو كارثة مائية بسرعة فائقة، والزراعة هي السبب الرئيسي، والمعطيات الإحصائية التي تضمنتها الدراسة، تقول إن السقي الفلاحي يستهلك 90 في المائة من المياه المستعملة في المغرب، مقابل 9 في المائة تخصص للإستعمالات المنزلية، وواحد في المائة فقط، للأنشطة الصناعية، وتم طرح الحلول بربط استهلاك المياه بالمنتج الذي يحققه النشاط الاقتصادي، ومدى مردوديته الاقتصادية.
هذه الدراسة التي أنجزها مكتب “غلوبال نيكسوس”، تقول إن المغرب بات يندرج رسمياً، حسب الأمم المتحدة، ضمن المناطق الـ”جد هشة” من حيث وفرة المياه، وأن درجات الحرارة ستعرف إرتفاعًا في الأعوام المقبلة بأكثر من درجة واحدة، فيما ستتراجع المتساقطات المطرية بما بين 10 و20 في المائة، حسب مناطق المملكة.
وأضافت الدراسة، أن التساقطات المطرية التي تتساقط دفعة واحدة سترتفع، وتؤدي بذلك إلى سرعة ذوبان الثلوج، وبالتالي تراجع المخزونات الجوفية من المياه، والمناخ في المغرب سيصبح أكثر فأكثر غير منتظم، مع ما يعنيه ذلك من توالي موجات الحرارة، فيما سيرتفع مستوى مياه البحر بما بين 18 و59 سنتيمتراً خلال القرن المقبل، وهو ما يعني تلويث المياه المالحة لجل المخزونات المائية الجوفية في المناطق الساحلية للمغرب. وتابعت الدراسة، إن مجموع الموارد المائية التي يتوفر عليها المغرب سنويًا، تقدر بـ18 مليار متر مربع، 83 في المائة منها مياه سطحية، موضحة أن معدل الحصة السنوية لكل فرد من المياه، تراجعت منذ 1960 من 3500 متر مكعب إلى 750 مترًا مكعّبًا، فيما ستنخفض الحصة اليومية لكل مواطن من المياه خلال الأعوام الخمسة المقبلة، إلى ما دون عتبة الخصاص المطلق في المياه، حسب معايير الأمم المتحدة.وخلصت الدراسة إلى أنه في العام 2050، سيضم المغرب 42 مليون نسمة، تتركّز أساسًا في الحواضر الساحلية، وسيدخلون في تنافس حول المياه والغذاء والشغل،ولكي يحافظ المغرب على معدل نمو اقتصادي بين 4 و5 في المائة سنويًا، فإن عليه تخصيص ما بين 9 و15 في المائة من استثماراته للتأقلم مع التغيرات المناخية.
وأشارت الدراسة، إلى أن الاختيارات الإنتاجية يجب أن تُبنى على أساس الكلفة المائية التي يتطلبها المنتوج، حيث إن كيلوغرامًا واحدًا من القهوة يتطلّب 19 ألف لتر من المياه، أي 130 لترًا لكل فنجان قهوة، فيما يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد من القطن إلى 10 آلاف لتر من المياه، في مقابل 2500 لتر مياه لكل كيلوغرام واحد من الأرز.ويعد إدخال الكلفة المائية في الخيارات الاقتصادية والإنتاجية، ستجعل الأنشطة الاقتصادية تتجه أكثر نحو المجالات الأقل استهلاكًا للمياه والأكثر إنتاجية، وكشفت الدراسة أنه، وحسب البنك الدولي، فإن كل متر مكعب من المياه يستهلك في المغرب، ينتج 10 دولارات.في المقابل تقول الدراسة إن كل متر مكعب من المياه يستهلكه المكتب الشريف للفوسفات، تحقق أكثر من 39 دولارًا من المردودية، متابعة أن المتر المكعب من الماء الذي يستعمله مكتب الفوسفات، ينتج فرصًا للشغل أكثر مما تنتجه الكمية نفسها في قطاعات أخرى مثل الفلاحة، وهكذا، فإن المتر المكعب الواحد الذي يستعمل في الأنشطة الفوسفاتية، يوفر 7 مرات عدد فرص الشغل التي توفرها حقول العنب “الكروم”، و14 مرة عدد مناصب الشغل التي توفرها ضيعات الأشجار المثمرة، و33 مرة عدد الوظائف التي يوفرها حقل القطن، و250 مرة عدد الوظائف التي توفرها زراعة..