أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) تقريره عن “البيئة العربية في عشر سنين”، في مؤتمره السنوي العاشر الذي افتُتح اليوم في فندق بريستول في بيروت، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي مثله وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون.
حضر رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة ووزير الدفاع يعقوب الصراف ونواب وديبلوماسيون وعدد كبير من الوزراء العرب ورؤساء منظمات إقليمية ودولية.
وجاء في كلمة الرئيس الحريري التي ألقاها الوزير فرعون: “منذ دُعيت إلى المشاركة في المنتدى العربي للبيئة والتنمية عام 2006 كعضو مؤسس، أتفاجأ كل سنة بإصرار هذه المنظمة الإقليمية على الاستمرار في رفع راية البيئة في منطقة مضطربة قد لا تكون البيئة في طليعة اهتماماتها”. وأضاف: “في حين يعتقد البعض أن الحديث عن البيئة قد لا يتناسب مع التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه منطقتنا، يأتي التقرير الذي يطلقه “أفد” اليوم عن وضع البيئة العربية في عشر سنين ليذكّرنا بأن رعاية البيئة والإدارة المتوازنة للموارد الطبيعية واجب لا خيار. صحيح أن بلداننا تواجه تحدّيات ضغط النازحين على البنى التحتية وإعادة البناء وتوفير الأمن والسلام، لكن من الضروري إدخال إدارة البيئة في هذه جميعاً، إذ لا نملك رفاهية الانتظار”.
وأظهر تقرير “أفد” أن وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات، خاصة في عمل المؤسسات البيئية. وأشار إلى أن اعتماد سياسات تعزز التحول إلى الاقتصاد الأخضر لم يكن دائماً مبنياً على خطط بعيدة المدى، بل انطلق من حتمية معالجة المشاكل الاقتصادية الحرجة الناشئة. ووفق الأمين العام للمنتدى نجيب صعب، “اتخذت التغييرات في حالات كثيرة صفة “الهبوط الاضطراري” في أوضاع مضطربة، بدل “التحوّل السلس” في ظروف مستقرة. والتحسن المتواضع الذي حصل مهدّد بالزوال في حال استمرار الصراعات والحروب وعدم الاستقرار”.
يشارك في المؤتمر نحو 400 مندوب من 46 بلداً، يُمثّلون الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية والشركات وهيئات المجتمع المدني والمؤسّسات الأكاديمية. ويتخلله اجتماعات يعقدها “منتدى قادة المستقبل البيئيين”، يشارك فيها 60 طالباً من الجامعات الأعضاء في “أفد” حول العالم العربي. كما يعقد ممثلو هيئات المجتمع المدني اجتماعات لمناقشة مواضيع المؤتمر، ويقدّمون مقترحات وتوصيات إلى الجلسة الختامية العامة.
حضر الافتتاح وزراء ونواب وديبلوماسيون ورؤساء جامعات ومنظمات ووفود من صناديق التنمية العربية، وعدد كبير من رجال الأعمال ورؤساء الشركات والباحثين والهيئات الأعضاء في “أفد”.
يُشار إلى أن الدورة العاشرة للمؤتمر مُهداة لذكرى مارون سمعان، أحد الأعضاء المؤسسين للمنتدى، الذي غاب هذه السنة عن 62 عاماً، بعد حياة حافلة بالإنجازات المهنية والخدمة الاجتماعية.
بدران: الاقتصاد الأخضر لعدالة اجتماعية
افتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية من رئيس مجلس أمناء “أفد” الدكتور عدنان بدران، الذي قال إن المنتدى “كافح على مدى عشر سنين من أجل بيئة مستدامة ينمو خلالها الاقتصاد الأخضر لتأمين حياة أفضل لمجتمعاتنا العربية من دون استنزاف الطبيعة”. وأضاف أن “الاقتصاد الأخضر يعطي وزناً متساوياً للاقتصاد والعدالة الاجتماعية والحد من الفقر والبطالة، ويحقق الأمن المائي والغذائي والطاقوي”، مشيراً إلى أنه علينا وضع “معايير بيئية مستدامة موحدة للوطن العربي، للإنتقال من مجتمعات ريعية إلى مجتمعات إنتاجية”.
صعب: سنة الصعوبات والفرص
ثم قدم أمين عام “أفد” نجيب صعب تقرير أعمال “أفد” لسنة 2017، مفنداً مهمة المنتدى بدعم السياسات والبرامج البيئية الضرورية لتنمية العالم العربي، استناداً إلى العلم والتوعية. وقال إن العام 2017 حفل بالفرص مثلما حفل بالصعوبات والتحديات، “فليس باليسير إيصال صوت البيئة وإثارة الاهتمام بها في منطقة تعاني نصف بلدانها حروباً ونزاعات، وتواجه تحولات اقتصادية غير مسبوقة. لكن بعد كل الحروب والنزاعات، لا بد للحياة أن تستمر من خلال إدارة متوازنة للموارد”.
وقال صعب إن توصيات تقارير “أفد” عن وضع البيئة العربية اعتُمدت هذه السنة في أكثر من عشر استراتيجيات وبرامج وطنية، خاصة في ما يتعلق بتعديل أنظمة دعم الأسعار، وتسعير الأصول الطبيعية، وتحسين كفاءة المياه والطاقة، وإدخال مصادر الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر. كما استخدمت تقارير “أفد” في أكثر من 500 دراسة وبحث. وتابع المنتدى ربط أعضائه من قطاع الأعمال بشبكات عالمية، واستمر في توفير المراجع الرئيسية للمعلومات البيئية بالعربية، خاصة عبر مواقعه على الإنترنت. وعُرضت الأفلام الوثائقية البيئية الـ16 التي أنتجها 420 مرة على شبكات وطنية وإقليمية. وقدم مكتبات بيئية لنحو 300 مؤسسة تربوية، كما وضعت تقاريره في مكتبات أكبر 100 جامعة في العالم، وتم اعتماد برنامجه للتربية البيئية في مدارس إضافية من الجزائر إلى الأردن.
الخياط: سياسات ضريبية لتشجيع الطاقة المتجددة
وتحدث وزير البيئة الأردني الدكتور ياسين الخياط عن تجربة بلاده في التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر واعتماد مصادر الطاقة المتجددة، عبر سياسات وأنظمة استقطبت ثقة مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص. وأدى هذا إلى تطوّر كبير في المشاريع، بحيث تم تصنيف الأردن في المركز الأول عالمياً في زيادة استثمارات الطاقة المتجددة خلال سنة. وأشار إلى أن السياسات الضريبية الملائمة لتشجيع السيارات الكهربائية والهجينة أدت إلى بلوغها نحو نصف عدد السيارات المستوردة سنة 2017، ما ساهم في تحسين نوعية الهواء.
الحريري: الاستقرار الاقتصادي شرط للاستقرار البيئي
جاء في كلمة الرئيس سعد الحريري أن “الإدارة البيئية ليست ملحقاً يضاف إلى البرامج الإنمائية، بل هي جزء عضوي منها. والتنمية الصحيحة ليست ضد البيئة. والخدمات الأساسية، من مياه نظيفة وشبكات صرف وكهرباء ومواصلات حديثة، إضافة إلى خلق فرص للنمو الاقتصادي، كلها تساعد في تحسين الوضع البيئي، إذ ان الاستقرار الاقتصادي شرط أساسي للاستقرار البيئي”.
وتوقف عندما جاء في تقرير “أفد” عن وضع البيئة العربية في عشر سنين، حول اعتماد جامعة الدول العربية عشرات الاستراتيجيات والخطط الخاصة بالبيئة والتنمية المستدامة، لكن التنفيذ كان بطيئاً، بسبب ضعف التعاون الإقليمي. فدعا البلدان العربية إلى “تعزيز التعاون في ما بينها، وإقامة المشاريع المشتركة، خاصة في مجالات المياه والطاقة وإنتاج الأغذية، فضلاً عن الأبحاث والتعليم وبناء القدرات”. كما دعا إلى حلول سريعة وعادلة للصراعات والنزاعات في المنطقة، “لأن الاستقرار السياسي والأمن شرطان ضروريان لتحقيق التنمية المستدامة ورعاية البيئة”.
ووعد الحريري في ختام كلمته بأن حكومته ستدرس توصيات مؤتمر “أفد” بعناية “للاستفادة منها في الوصول إلى أداء بيئيّ أفضل”.
الجلسة الأولى: نتائج تقرير “أفد”
النتائج الرئيسية لتقرير “أفد” قدمها مجموعة من المؤلفين المشاركين في التقرير، ضمت الدكتور إبراهيم عبد الجليل، أستاذ البيئة في جامعة الخليج العربي، والدكتور محمود الصلح، المدير العام السابق للمركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة (إيكاردا)، والدكتور وليد الزباري، مدير برنامج إدارة المياه في جامعة الخليج في البحرين، وراضية سيداوي، رئيسة قسم الطاقة في الإسكوا. بدأت الجلسة بعرض نتائج استطلاع الرأي العام، الذي أجراه “أفد” في 22 دولة، والذي أظهر أن 60 في المئة من الجمهور يعتقدون أن وضع البيئة في بلدانهم يتراجع، بينما تعتقد غالبية عظمى وصلت إلى 95 في المئة أن بلدها لا يقوم بما يكفي للتصدي للتحديات البيئية.
وعلى رغم عشرات الاستراتيجيات والخطط الخاصة بالبيئة والتنمية المستدامة التي صدرت عن جامعة الدول العربية، لم يحصل تقدم في العمل البيئي على المستوى الإقليمي. لكن المؤسسات البيئية تعززت على المستوى الوطني بوجه عام. وتفاقمت ندرة المياه في المنطقة بسبب النمو السكاني وسوء الإدارة. وشكلت البلدان العربية خلال العقد الأخير أكبر منطقة عجز غذائي في العالم، إذ تضاعفت الفجوة الغذائية الإجمالية من 18 إلى 34 بليون دولار. ودعا المتحدثون إلى تخفيف الهدر وتحسين الكفاءة والإنتاجية والتعاون الإقليمي. وفي حين لا تتجاوز مساهمة الطاقة المتجددة 4 في المئة من مزيج الطاقة، إلا أنه من المتوقع أن يتضاعف حجمها حتى سنة 2020. وشهد العقد الماضي تدهوراً في نوعية الهواء في معظم المدن العربية، خاصة بسبب التوسع في توليد الطاقة بأساليب ملوثة وزيادة عدد السيارات. وعرض المتحدثون تجارب ناجحة في التحول إلى وسائل نقل أنظف، خاصة في الأردن ودبي، بسبب حوافز تشجيعية للسيارات الكهربائية والهجينة أدت إلى مضاعفة أعدادها.
الآثار البيئية للنزاعات
قدّم حسن بارتو، مدير البرامج في إدارة ما بعد النزاعات في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، عرضاً خاصاً عن الآثار البيئية للنزاعات، مع التركيز على العراق. بارتو، العائد للتو من الموصل، شرح المشاكل البيئية التي نشأت جرّاء الصراع المسلّح في مدينة الموصل وجوارها، بناء على مهمة استطلاع نفذها برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعد استعادة الحكومة العراقية للموصل. وقد تبين ان الأثرين البيئيين المباشرين للأعمال العسكرية هما التلوث الناتج عن تدمير المنشآت الخطرة بما فيها المصانع ومحطات الطاقة ومصانع الأسلحة والمستشفيات، والكمية الهائلة من الردميات التي نتجت عن المعارك. وأشار بارتو إلى أن سياسة الأرض المحروقة، التي استهدفت بشكل ممنهج البنى التحتية الحساسة، خاصة المنشآت النفطية والمناجم، تعرّض المجتمعات المحلية لمخاطر صحية وبيئية جدية. وعلم أن بارتو سيجتمع ببعض الجهات التي تولّت إزالة الأنقاض ومعالجتها في بيروت عقب الحرب.
واختتمت الجلسة بمناقشة رفيعة المستوى حول التحديات والآفاق، شارك فيها وزراء ورؤساء منظمات دولية وإقليمية.
الاقتصاد الأخضر
تناولت الجلسة الثانية سبل تمويل الاقتصاد الأخضر وإشراك القطاع الخاص، أدارها حسين أباظه مستشار وزير البيئة المصري وأحد مؤلفي التقرير. شارك في الجلسة جيتانو ليوني، منسق خطة عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المتوسط، وفارس حسن، مدير التخطيط الاستراتيجي والخدمات الاقتصادية في صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، وراجي حتر، رئيس عمليات التنمية المستدامة في شركة أرامكس، ومنية إبراهيم، رئيسة وحدة الإستثمارات الخضراء في وزارة الشؤون المحلية والبيئة في تونس.
واتفق المتحدثون أن العقد الماضي شهد انتقالاً ملموساً للبلدان العربية نحو الاقتصاد الأخضر. فمن الصفر تقريباً في اعتماد أنظمة اقتصاد أخضر أو استراتيجية مستدامة، أدرجت سبعة بلدان عربية عناصر الاقتصاد الأخضر والاستدامة في خططها. وأعطى هذا إشارة قوية للقطاع الخاص لزيادة الاستثمارات أضعافاً، خصوصاً في الطاقة المتجددة. ونوّه أباظه بالسياسات المالية للمصارف المركزية في لبنان والأردن والإمارات، التي أدت إلى زيادة كبيرة في تمويل مشاريع وبرامج الاقتصاد الأخضر. لكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب استثمارات جديدة توازي أضعاف ما يتم صرفه حالياً.
البحث العلمي البيئي
تناولت الجلسة الثالثة أهمية البحث العلمي من أجل بيئة أفضل، تحدث خلالها الدكتور أحمد جابر، مدير عام شركة “شيمونيكس المصرية” للإستشارات البيئية وأحد مؤلفي التقرير، والدكتور معين حمزه، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، والدكتورة ليلى حمدان أبو حسّان، عضو المجلس الأعلى للتربية في الأردن، والدكتور حسين بهبهاني، مدير الوحدة الوطنية للأبحاث والخدمات البيئية في جامعة الكويت. أدار الجلسة الدكتور عدنان شهاب الدين، مدير عام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.