تنطلق فعاليات المؤتمر السنوي للأمم المتحدة حول المناخ COP23 اليوم (الاثنين) في مدينة بون الألمانية، وسيكون “اتفاق باريس” الحاضر الأكبر في أروقة المؤتمر، في ظل هواجس كبيرة قدمت إلى الآن صورة قاتمة عن تغير المناخ، وتوقعات بأن لا يكون “اتفاق باريس” كافيا للحد من ظاهرة الاحترار، ففي مراجعة أحدث الدراسات نتأكد أننا نسير في خطى متسارعة نحو الهاوية، فالإجراءات التي اتخذتها الدول لجهة خفض انبعاثاتها لم يتحقق إلا ثلثها، والسيناريو الأسوأ – وفقا لدراسات حديثة – هو أنه حتى وإن تمكن العالم من إبقاء درجة الحرارة بمعدل درجتين أو أقل، تبعا لمحددات اتفاق باريس، فذلك لن يجنبنا الكارثة، خصوصا لجهة ارتفاع مستوى البحار والمحيطات وانحسار المسطحات الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي.
وليس من قبيل الصدفة أن تتولى جمهورية جزر فيجي رئاسة المؤتمر، وعدم قدرتها على استيعاب 25 ألف من المفاوضين وخبراء البيئة والصحفيين، فكم بالحري ستواجه ما يهدد وجودها مع دول جزرية عدة، فهذه الجزيرة الواقعة في جنوب المحيط الهادىء لا تملك مركزاً للمؤتمرات ذو طاقة استيعابية كافية، ولهذا حطت قافلة المناخ رحالها في مدينة بون.
أبعد من فيجي
ثمة إشكاليات كبيرة ستواجه المؤتمرين في بون، أبعد بكثير من فيجي، خصوصا في مجال التكيف والتمويل، فالدول الأقل تلويثا والأكثر تضررا هي أعجز من أن تتكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة، أعاصير وموجات جفاف وهجرة، وليست بقادرة على التحول نحو الطاقات المتجددة وامتلاك تقنيات حديثة تتيح لها إمكانية التحول، في وقت نجد فيه دولا كالهند وفيتنام والصين وتركيا وإندونيسيا تخطط لبناء معامل فحم بقدرة إجمالية تبلغ 850 غيغاوات، دون أن ننسى أن معامل الفحم في العالم، يبلغ تعدادها 7000 تقريبا وقدرتها حوالي 2000 غيغاوات حتى نهاية حياتها، ما يعني أنها سضخ في الجو ما يوازي خمس سنوات من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، بحسب تقرير لـ “وكالة الامم المتحدة البيئية” صدر قبل نحو عشرة أيام.
ومن جهة ثانية لم تحقق الطاقة المتجددة ما يبدد الهواجس الكبيرة، رغم ما حققت من خطوات هائلة، بمعنى أن الانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة لن يكون بالأمر السهل، وإن بات خيارا اقتصاديا قبل أن يكون بيئيا، من حيث الناتج الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
هامش تفاؤل ضئيل
لقد ألزم اتفاق باريس جميع الدول على السعي لتحقيق الأهداف المناخية الوطنية للحد من حرارة الأرض إلى أدنى من درجتين، إضافة إلى جعل الخطط المناخية الوطنية قابلة للمقارنة وصياغة أهداف أكثر طموحاً في المستقبل، لكن بينت التجارب منذ توقيع الاتفاق في COP21 في باريس أن التوقعات ما تزال دون المستوى المأمول، وهذه إشكالية سيتصدى لها المفاوضون في بون، لكن مع هامش تفاؤل ضئيل.
صحيح أن كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقريبا أقرت اتفاق باريس، ولا يزال يتعين على تركيا وروسيا وإيران التصديق عليه، فيما لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تشكل العائق الرئيسي في طريق تطبيقه، وقبل التئام المفاوضين في قاعة المؤتمرات في بون، طغت مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كل المواقف الاخرى، بعد أن ندد بالتزام سلفه الرئيس باراك أوباما باتفاق باريس، علما أنه لا يحق للولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق فعلياً إلا بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة.
وكان لافتا للانتباه إعلان حاكم كاليفورنيا جيري براون، والذي يمثل إلى حد ما صورة أخرى عن أميركا عن دعمه حماية المناخ وتطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يعني أن الرئيس ترامب غير قادر على مصادرة إرادة بعض الولايات والمؤسسات الكبرى لصالح الاستثمار في الوقود الأحفوري.
إنعاش اتفاق باريس
وبالاستناد إلى ما سبق، لن تكون المفاوضات سهلة، وهي لن تفضي إلى تحقيق الأهداف المرجوة، فإذا ما نظرنا إلى أمور تقنية مرتبطة بالانبعاثات والتلوث وتفاقم ظاهرة الاحترار العالمي، وإذا ما أخذنا في الاعتبار العوائق الماثلة أمام تحقيق التحول نحو الطاقات المتجددة في حدود تبقي الكوكب بمنأى تداعيات التغير المناخي، نتأكد أن تفعيل “اتفاق باريس” لن يكون بالأمر السهل.
وأقصى ما سيتوصل إليه المفاوضون إنعاش الاتفاق ورفده بالقليل من الأوكسيجين ليبقى المنطلق لمواجهة الكارثة، خصوصا وأنه إلى الآن يمثل الإطار المناخي الوحيد في العالم الهادف إلى إبقاء احترار الكرة الأرضية الشامل دون درجتين مئويتين، وحتى دون 1,5 درجات إذا أمكن، إذا بالغنا كثيرا في الطموحات.