في دولة القانون والمؤسسات الراعية لأبنائها وحقهم في حياة كريمة، ما نزال نشهد تناقضات صارخة بين أحياء باذخة وأخرى تحت وطأة الحرمان، وكأن قدر بعض اللبنانيين أن يكونوا مجرد أرقام في أحزمة البؤس، وهي تستحضر الفروقات الاجتماعية والاقتصادية، في مشهد لم يتغير منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي.
هذا هو حال منطقة الليلكي في ساحل المتن الجنوبي المحاصرة بالنفايات والإهمال، وكأنها لا تنتمي إلى فضاء الدولة إلا في تحصيل الضرائب والرسوم، وأما الخدمات فمؤجلة، ومشاريع التنمية ليس ثمة من ينفض عنها غبار الإهمال ويخرجها من أدراج الوزارات.
ومن يجلْ في أحياء الليلكي يرَ حجم المعاناة الماثلة: شوراع ضيقة بعضها غير معبد، أكوام نفايات، سيول على الطرق، وسيارات خردة تنتظر من يزيلها، حفر على الطرقات، فيما المناطق غير البعيدة تنعم بالنظافة ومرافق وخدمات عصرية، فيما الليلكي ترزح تحت خط الحرمان وتعتبر منكوبة بيئيا وإجتماعيا وإنمائيا منذ عقود.
مغيبة إنمائيا وخدماتيا
هذه المنطقة، وبحسب ما أكد بعض أبنائها لـ greenarea.info ما تزال ومنذ سنوات عدة تناشد المعنيين لرفع الظلم عنها، بدءا من بلدية الحدث مرورا بالإدارات الرسمية وصولا إلى أعلى المراجع السياسية في الدولة، ولكن دون جدوى، وهي إلى الآن تتحمل عبء تبعيتها إداريا الى بلدية الحدث وسقوطها من حساباتها إنمائيا.
وللوقوف على حجم المعاناة، قمنا بالتواصل مع رئيس بلدية الحدث جورج عون، وعند استيضاحنا ما إذا كان جزء من الليلكي يقع ضمن نطاق بلدية الحدث، قال إن “الليلكي تتبع (بلدية المريجة – الليلكي – تحويطة الغدير)”، لافتا إلى أن “علينا الاتصال برئيس بلديتها سمير أبو خليل والاستيضاح منه حول ما تريدون معرفته من أمور”، وأضاف عون
: “إننا كبلدية نهتم بالمنطقة المتاخمة لمنطقة الليلكي، ونحن خلال فترة سنة سننجز الكثير من الأعمال الانمائية فيها”.
بدوره رئيس بلدية المريجة تحويطة الغدير سمير ابو خليل قال لـ greenarea.info أن “المنطقة متداخلة عقاريا”، وأنه يمكننا “الاستيضاح أكثر بالتواصل مع مهندس البلدية محمد علام أو محمد نبوح لإفادتنا بشأن تبعية العقارات ما إذا كانت تابعة لبلدية المريجة أم لا”.
وهذا يؤكد أن الليلكي “ضائعة” عقاريا ومغيبة إنمائيا وخدماتيا، بالقصد أم بالعرض لا فرق، طالما أن النتيجة واحدة، أي معاناة مستمرة ومأساة تتفاقم يوما بعد يوم.
جمعية بشرى الانمائية
وفي هذا السياق، ناشد رئيس “جمعية بشرى الانمائية” إبراهيم زين الدين greenarea.info إيصال صوت الناس إلى المعنيين، وقدم لنا مستندات تثبت أن المنطقة تقع ضمن نطاق بلدية الحدث، وزودنا بصور وتقارير توضح معاناة أهالي المنطقة وحجم الاهمال الواضح.
وقال: “إن المنطقة هي جزء من بلدية الحدث، وهي عبارة عن الجزء الممتد نزولا من الحدث الى طريق صيدا القديمة، وهي مهملة من عشرات السنوات إنمائيا، بالرغم من أننا نقوم بدفع المستحقات البلدية والضرائب لبلدية الحدث وهي تنكر تبعيتنا لها”.
وأشار زين الدين إلى أن “رئيس البلدية جورج عون ينتهج سياسة التضليل والتهرب دوما من مسؤوليات البلدية تجاه المنطقة وانتمائها للحدث لاعتبارات لا نعلم أسبابها”، لافتا إلى أنه “يقوم بذلك بشتى الطرق والأساليب علما أن جرافات وشاحنات البلدية تقوم برفع النفايات في مناطق محددة من دون أن تصل الى منطقتنا مع إهمال واضح من قبل شركة cityblue التي لزم اليها العمل لرفع النفايات التي تساهم بانتشار الأوبئة والأمراض بجانب التلوث البصري وانتشارها أمام المدراس والأبينية السكنية وما يفاقم الوضع سوءا إنتشار الحشرات والبرغش فلا البلدية تتكبد عناء رش المبيدات ولا الوزارات المعنية”.
زين الدين: منبوذون خدماتيا
وتابع زين الدين: “إن حجم المشاكل تفاقم مع وجود النازحين السوريين في المنطقة، ويقدر عددهم بنحو 5000 نسمة، هذا بالإضافة الى وجود عبّارة مياه آسنة مكشوفة تمر ضمن الليلكي، وقد حولت المحيط السكني الى بؤرة تهدد المواطنين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف بكارثة صحية أكيدة في غياب للخدمات الصحية، إذ لا وجود لمستوصف ولا مراكز طبية أو عيادات”.
وأضاف: “حتى المدرسة الرسمية التي كانت ضمن المنطقة نقلت إبان الحرب الى المريجة، وهي تحمل اسم الليلكي، وهذا ما يزيد حرماننا من ابسط الامور، وكنا قد ناشدنا مرارا مطالبين بفتح مستوصف صحي أو مركز طبي آملين التجاوب، ولكن لا نعلم لماذا التمادي بإسقاطنا من حساب البلديات والدولة وكأننا خارج نطاق الوطن، ولأننا منبوذون خدماتيا من قبل بلدية الحدث قمنا بتقديم طلب لضم المنطقة الى بلدية المريجة وفصلها عن بلدية الحدث بهدف الاستفادة انمائيا ولا زلنا قيد الانتظار والاهمال”.
خلاصة ما ورد سابقا، فإن منطقة بكاملها يقطنها حوالي 90 الف نسمة تبدو وكأنها سقطت من خارطة الوطن، بعد أن تخلت عنها بلديتها وتركتها ترزح تحت خط الحرمان والفقر في بؤرة مهملة يعيش سكانها على الهامش مهمشين بلا ادنى حق بالعيش الكريم.
فمن ينصف الليلكي ويعيدها إلى كنف الدولة؟
هذا السؤال سيظل ماثلا إلى أن تستعيد هذه المنطقة حقوقها المسلوبة والضائعة عند تخوم جغرافيا الإهمال والفوضى!