لقد ان الاوان لقيام مقاربة اقتصادية مختلفة عن تلك المقاربة النقدية القائمة منذ ربع قرن .
حديث يتردد على لسان كل مسؤول وكل اقتصادي منذ سنوات ، إنما دون اَي ترجمة أو تطبيق أو حتى محاولة !
السؤال الجدي لماذا لا يعتمد لبنان خطة اقتصادية تفعل القطاعات الإنتاجية فيه وتعيده بلداً طبيعياً بمقاييس الاقتصاد والعمل ؟
هل هي فكرة عبقرية ؟ أو هي ضرب من ضروب العجائب ؟ أم هي بديهة من بديهيات بناء الاوطان ؟
في الاقتصاد لا وصفات جاهزة ،صحيح ، إنما مبادئ عامة وقوانين استناداً الى الأنماط المتبعة ولكن بالتأكيد انه العلم الذي تخضع مقارباته الى المصالح ومن هنا بالتحديد تبدأ الفوارق والاختلافات . المسألة ليست شطارة بل نقطة انطلاق مصلحية ، فئوية ، قطاعية وطبقية بطبيعة الحال .
واقع الامر في لبنان ان المستوى الذي بلغته الأزمة البنيوية في الاقتصاد بات يهدد كل المكونات الاجتماعية ،والمصلحة الْيَوْمَ للجميع بقيام اقتصاد طبيعي ،غير مشوه ، لان كل الهوامش السابقة قد أذيبت مما يهدد الجميع باستمرار النموذج المتبع وان كانت خسارة كل قوة اجتماعية تتفاوت حسب موقعها وقوتها الحالية الا ان احد منها مكتوب لها النجاة .
يمكن للحلول ان تبدأ كبيرة وتطال كل المستويات وتنتظر الرؤية والخطة والآلية والتوافقات وهو شئ ممتاز ، ويمكن ان تبدأ الحلول باجراءات بسيطة ولكن فاعلة ومؤثرة في مواقع متعددة بانتظار الخطط وحسم المواقف ولكن المهم ان يبدأ العمل من نقطة ما وفِي زمان محدد .
الْيَوْمَ يواجه لبنان ضغطاً نقدياً ومالياً يتعامل معه بكفاءة عالية وان كان بكلفة كبيرة ،والسبب ان اقتصاده مكشوف على الخارج بمعنى حاجته الدائمة للعملة الصعبة فبين خدمة الدين السنوية وحاجات تأمين النقد الأجنبي لتأمين المستوردات على اختلافها بما فيها النفط والادوية وغيرها ،يحتاج لبنان الى مليارات الدولارات سنويا والتي لا تأتي الا من الانتاج والسياحة والخدمات النوعية أو الا من التحويلات والديون الاخرى .
ولهذا الفاتورة تزيد عاما بعد عام وعندها تزيد الحاجة أيضاً للعملات الصعبة .
يستورد لبنان أدوية بقيمة مليار و٢٠٠مليون دولار أميركي سنوياً وينتج حوالي ٧٥ مليون دولار أدوية يبيع منها في لبنان حوالي ٢٥ مليون دولار ويصدر الباقي ، الايستطيع لبنان ان يصنع دواء بقيمة ٢٠٠او٣٠٠او٥٠٠ مليون دولار خلال فترة وجيزة في حال عدل بعض التشريعات أو اتخذ حوافز بصناعته الوطنية كان تشتري الدولة صناعتها كأولوية بدلاً من الشراء من الاْردن والهند ومصر وغيرها من البلدان لان معظم الواردات من بلدان شبيهة بلبنان.
يستورد لبنان زيوتا بمئات ملايين الدولارات ويرمى إنتاجه من زيت الزيتون سنوياً أو يلزم للجيش أو غيره ، الا يوجد إمكانية للاستفادة منه في الانتاج وتخفيف الاستيراد .
يستورد لبنان وروداً بسبعين مليون دولار منها ١٢مليون من المملكة العربية السعودية والباقي بمعظمه من هولندا اَي من اسرائيل فعلياً الا يستطيع لبنان زراعة الورد ولو بكميات قد تصل الى نصف الحاجة .
ليست المشكلة بالأسواق والتفتيش عنها ،فهذا السوق اللبناني موجود وأرقامه واضحة ولكن المطلوب إجراءات وحوافز طبيعية، لا غير عقلانية .
كل اجراء يخفف فاتورة الاستيراد وبالتالي يخفف الحاجة الى العملة الصعبة ويقلل الارتهان الى العملية النقدية وابتزاز الخارج
كل اجراء يخلق فرص عمل وتطوير للاقتصاد
ليست شطارة بل إقرار بان زمن الاستباحة انتهى لان قدرة البلد صارت محدودة على النهب المباشر أو الخيارات الريعية كان البلد بلد نفطي
الإصلاح يبدأ من كل الامكنة المتاحة ،كبيرة وصغيرة، ولكن ما يحول دونه دائماً قدرة المستفيدين على تعطيل الانطلاق من مصلحة الدولة الى مصلحة الفرد أو المجموعة أو ما يسمى في بلادنا اصحاب الامتياز والاحتكار ،اَي المافيا التي ترتبط بالسياسيين والحكام .
(بالتعاون مع صحيفة الاتحاد)