إن التلوث البيئي ليس وليد كارثة طبيعية أو حادث لا مجال لتفاديه أو منع حصوله والحد منه. إن ملايين ضحايا التلوث على امتداد العالم هم حصيلة نظام اقتصادي يستنزف الموارد الطبيعية، ويعطي الأولوية للنموالاقتصادي بالقفز فوق عدد كبير من المعايير البيئية والصحية ومعايير العدالة الإجتماعية. إن فوائد هذا النظام الإقتصادي تعود بالنفع الخاص على فئات محدودة، تحتكر الهيمنة على الإنتاج والأسواق، وتحتكر السلطة في العديد من كبريات اقتصاديات العالم. ويتم تدفيع المجتمع بكل فئاته أثمان هذه التنمية غير المستدامة، وما تسببه من أضرار على الطبيعة والبيئة.
هناك حاجة ملحة لإجراء تغيير عميق من أجل نظام عادل لإعادة توزيع الثروة، وعدالة اقتصادية اجتماعية، وعدالة بيئية، وعدالة محاسبتية تدخل حسابات البيئة وقيمة الأثمان والأضرار البيئية في الحسابات الاقتصادية. هذا هو سبيل اجتثاث أسباب التلوث من جذورها.
إن شعار “كوكب خالٍ من التلوث”، الذي ترفعه الجمعية البيئية العامة للأمم المتحدة في مؤتمرها الثالث UNEA3، المنعقد حاليا في نيروبي، العاصمة الكينية، لا يمكن تحقيقه إلا إذا وضعنا أنفسنا وجها لوجه مع القضايا التي سببت هذه المشكلة والأزمة العالمية، المتمثلة بالتلوث البيئي، بما وصل إليه من مستويات خطيرة. وكذلك بالعمل على الإنتقال، بعدالة ومساواة، من اقتصادات تؤمن مصالح خاصة لفئات محدودة من الاحتكاريين على حساب البيئة، إلى اقتصادات مستدامة ترتكز على قاعدة مجتمعية تخلق فرص العمل الخضراء، وتؤمن الإستدامة البيئية والعدالة، والمساواة المجتمعية والجندرية، وكذلك احترام حقوق الإنسان والمباديء المتعلقة بالإحتراز، والملوِّث يدفع، وتحقيق العدالة بين الأجيال، باحترام وحفظ حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية والبيئية، وفي موارد نظيفة خالية من التلوث تلائم شروط الحياة البشرية والتنوع الحيوي.
على الحكومات من مختلف بلدان العالم، المجتمعة في نيروبي، ولا سيما من البلدان ذات الإقتصادات القائدة في العالم، أن تحدث هذه التغييرات وتحققها في إطار تطبيق أجندة الأمم المتحدة 2030، وأهداف التنمية المستدامة وتوفير أبعادها البيئية. وكذلك احترام وتطبيق الاتفاقيات الدولية وتحقيق الربط والتناسق بينها. وتركيز الجهود العالمية على تطبيق الإتفاقيات الدولية الهادفة إلى الحد من التلوث والتحكم به، ولا سيما اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، والعمل على وضع اتفاقيات جديدة بشأن البلاستيك والتلوث الهائل بالبلاستيك عبر العالم، وكذلك للمبيدات الزراعية، وهي مواد عالية السمية البيئية والبشرية.
هناك حاجة كبيرة لوضع نظام رصد ومراقبة، يرتكز على الشراكة، يعمل على وضع البدائل للمواد الملوثة، وللممارسات الملوثة في الزراعة والصناعة، وتعزيز الإستثمارات في الأبحاث العلمية وفي التنمية، وتمكين الفئات المهمشة والضعيفة من المشاركة الأكثر فعالية في اتخاذ القرارات ووضع السياسات، من أجل توفير حقوقهم الإنسانية والبيئية في هواء ومياه نظيفة، وفي غذاء آمن وكافٍ. وكذلك الإنفتاح على التعاون والشراكة مع المجتمع المدني ومنظماته ومؤسساته، وكل المدافعين عن البيئة وحقوق الإنسان، وذلك لتعزيز الحكم والإدارة في السياسات والممارسات البيئية والتنموية المستدامة.