عشرة آلافٍ وخمسمائةِ سنةٍ ، فقط، تفصلنا عن أول فلاح هجن و زرع نوعاً من القمح البري وحيد الحبة، يتشكل في سنابله صف واحد من الحبوب،  في سهول ووديان الجزيرة السورية (المنطقة الواقعة شمال شرق سوريا، ما بين نهر الفرات ونهر دجلة وتسمى الجزيرة الفراتية).

يعد مناخ الجزيرة الفراتية، والعناصر الرئيسية فيها مناسبة لزراعة، أكثر من موسم خلال العام، فتلك السهول الشاسعة والخصبة المتجددة،  تتميز بانها منبسطَةٌ قليلةُ الإنحدار، ذات تربٍ بنية حمراء داكنة وصفراء من أصلٍ كاربوني أو سوداء من أصلٍ بازلتي، إضافة إلى مجموعة التُرب اللحقية وطمي أودية الأنهار(الفرات-دجلة) وروافدها،  كما وتتميز أيضاً بالمياه العذبة دائمة الجريان.

نهبت المجموعات الارهابية التي شاركت في الحرب الشرسة على سوريا خلال سبع سنواتٍ خلت، ثروات ذلك الخزان، فعداك عن أنهم سرقوا محاصيل القمح كلها ( إنتاج القمح في الحسكة وحدها 600 ألف طن) وأحرقوا الاقطان، ودمروا الثروة الحيوانية والمحيمات الطبيعة عن بكرة ابيها، فقد قاموا بسرقة كميات من النفط تجاوزت 8.5 مليون برميل،  إضافة الى أنهم سرقوا 50% من الغاز المنزلي، (وصل إنتاج الغاز خلال عام 2011 الى حوالي 30مليون متر مكعب في اليوم الواحد)، حصل ذلك بدعم من دولٍ تدعي أنها صديقة للانسان والبيئة، وذلك بأن اصدرت دول الاتحاد الاوروبي في نيسان/ابريل من عام 2013 قراراً يسمح للسلطات المختصة في الدول الأعضاء شراء أو استيراد أو نقل النفط الخام والمنتجات النفطية (المسروقة) من سورية، فما كان من العصابات الارهابية، سوى البدء بعملية ارهاب يمكننا أن ندعوه “الارهاب البيئي” حيث استخراجوا ونقوا النفط ومشتقاته ولكن بطرقٍ بدائية ملوثين بذلك التُرب والمياه والهواء فتحولت سهول الجزيرة، التي طالما تميزت بهوائها العليل، الى جحيم.

لم تكن دول الاتحاد الاوروبي التي مافتئت تعقد قمة المناخ في باريس، وحدها وراء كل الدمار البيئي، وسرقة ثروات الجزيرة السورية، حيث اشترك كلاً من المسوّق الأول (تركيا) والممول الأول (دول الخليج) والرأس المدبر لكل ذلك (الولايات المتحدة الاميركية) وكل هؤلاء كانول يعلمون أن هذه الحرب تصب في خدمة الكيان الاسرائيلي الغاصب. واليوم وفي اقصى جنوب العالم يحدث، مايشبه عملية تدميرالحياة في الجزيرة السورية.

اسرائيل والنفط الصخري

ما إن أطلق الخبراء والعلماء جرس الانذار، قائلين أن مصادر الطاقة التقليدية (النفط-الغاز-الفحم) في نضوبٍ، حتى بدأت الدول الاستعمارية، في البحث عن بديل حقيقي وعملي لتلك المصادر، حيث قامت الولايات المتحدة الاميركية باستخراج النفط الصخري (في ولاية تكساس)، بواسطة عملية تدعى التكسير الهدروليكي Hydraulic crushing technology، الأمر الذي وقفت ضده كل المنظمات والجمعيات البيئية على طول البلاد وعرضها، حيث ذكرت دراسة نشرتها دورية “بحوث الموارد المائية”، أن عملية «التكسير الهيدروليكي» يمكن أن تتسبب في انبعاث غاز الميثان من آبار النفط المهجورة، ما يشكل مصدراً كبيراً للانبعاثات الغازية الخاصة بظاهرة “الاحتباس الحراري”، فيمأ راى خبراء من جامعة “برينستون”  أن استعمال الغاز الصخري يدمر مساحات كبيرة على سطح الأرض، ويحتاج إلى كميات كبيرة من المياه( تحتاج البئر الواحدة إلى كمية كبيرة من الماء قد تصل إلى خمسة ملايين جالون)، إضافة الى أنه يلوث المياه الجوفية، ويزيد من الأمراض السرطانية (بفعل المواد الكيميائية التي تستعمل عادة في استخراجه)، فأُجبرت بذلك الحكومة المركزية في واشنطن بكبح العمل في هذه التقنية، وخابت أمال المستثمرين ، ولأن تجارة النفط الصخري تدر مرابح هائلة، وهي وسيلة تساعد في السيطرة على أحد أهم مصادر الطاقة المستقبلية،في العالم، لذلك بدأت عمليات البحث عن بلادٍ يستعمرونها وتكون غنية بمصادرِ الطاقةِ.

شركات لنهب وتدمير الطبيعة

عندما أعلنت شركة البترول الوطنية الأرجنتينية (إي بي إفي) في ايار/مايو 2015 م عن اكتشاف حقل نفطي كبير في منطقة “باتاغونيا Patagonia” جنوب الأرجنتين، وقدرت يومها احتياطيات الحقل  بــ 40 مليون برميل. وقبل أن تعلن عن اكتشاف حقل آخر في نفس المنطقة ذاتها، قدرت احتياطياته بـ 15 مليون برميل، كان الملياردير البريطاني جو لويس (الصديق الحميم للملياردير جورج سوروس، ممول مايدعى بحركة مقاومة أجداد المابوتشي في لندن) ، قد قام بشراء مساحات شاسعة من أراضي “باتاغونيا” الارجنتين، الغنية بالجبال والسهول، والغابات والمحيطات.

اليوم ، وعلى تلك الأراضي بدأت اسرائيل وبريطانيا، بإنشاء مشاريع جديدة، حيث تقوم بإنشاء مطار خاص بمدرج طوله كيلومتران لاستقبال طائرات النقل المدنية والعسكرية على حد سواء، ومخيم اسرائيلي شيد فوق أراضيه عشرات آلاف المساكن لاستقبال المصطافين الإسرائيليين، هذا النشاط بدأ منذ نهاية حرب الفوكلاند، بإقامة مخيمات لقضاء الإجازات السنوية لجنوده في باتاغونيا، (يقدر عدد الوافدين منهم بين ثمانية إلى عشرة آلاف مصطاف كل عام)،  والجدير ذكره هنا أن جمهورية “تشيلي” قد تنازلت عن قاعدة بحرية للغواصات الإسرائيلية.

ولكن هل يريدون فعلاً مخيمات للاستجمام؟ أم أن وراء الأكمة إحتياطي عملاق من “النفط الصخري”؟ وهل هذا مشروع استعماري جديد؟

السيناريو ذاته، في الجزيرة السورية كما في القطب الجنوبي، حيث يقوم الاستعمار الحديث بتهديد ماتبقى من اقليات “مابوتشي” في باتاغونيا للسيطرة على ثرواتها عبر مشاريع اسرائيلية، كذلك الأمر في الجزيرة السورية، فالفصائل التي يمولها حلفاء اسرائيل، هجرت الاقليات المتبقية من حضارات عريقة كالاشوريين، السريان والكلدان، ونهبت الثروة النفطية ودمرت الحياة الطبيعية، بشكل ممنهج الهدف منه تسهيل سيطرة الدول الاستعمارية على مصادر الطاقة من نفط وغاز وفحم وغيره، أينما وجدت.

يتساءل الشعب السوري، هل يمكن أن تشارك دولاً حللّت وشرعّنت تدمير الحياة الطبيعية، ونهب ثروات سوريا، في إعادة إعمار حقيقي للبلاد؟ أم أن ماينتظرنا هو ذاته الذي حدث للسكان الاصليين في تشيلي والارجنتين “المابوتشي”، حيث سيأخذون منا الكثير ويعطوننا الــ”لاشيء”.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This