في البلد مقاربتان اقتصاديتان يعود تاريخ الافتراق بينهما الى سنوات ما قبل الحرب الاهلية واذ كان عصر ما بعد الطائف قد بلور و طور كل واحدة منها ولا سيما بعد عام ٢٠٠٠ وهو العام المفصلي في الاقتصاد لجهة تسليم الجميع وخاصة اصحاب مشروع “النهوض الاقتصادي “بوجود الازمة الاقتصادية والاختلال البنيوي ونهاية توجيه الاتهامات بالتحريض والتضليل لكل منتقدي “مشروع الازدهار ” بعد ان جاء رئيس البنك الدولي جايمس ولفنسون شخصياً ليعلن ان الزورق مثقوب وان الازمة تحتاج حلول دون مكابرة .
ولتاريخه لا تزال المواقف على حالها بين مقتنع ان تشخيص الازمة مرده الادارة وتحسينها فقط وبالتالي عامل على تحديث الاساليب ومعالجة القشور وتثبيت الاسس الحالية وبين مشدد على ان الازمة بنيوية تحتاج الى فك وتركيب بنى اساسية في الاقتصاد واعادة بناء قطاعات بعد ان ضربت بتشريعات وخيارات قبل ان تنهى بفساد وبالتالي داع الى اصلاح جذري في الهيكل الاقتصادي والمالي والقطاعي لان الازمة باتت اعمق واشد من اي علاجات تجميلية والمفارقة ان جميع المؤسسات الدولية بما فيها غلاة الدفاع عن المتمولين والاقتصاد الحر تؤكد هذه المقاربة رغم حمايتها لسنوات وسنوات النموذج القائم .
اليوم وامام التطورات العاصفة في المنطقة سياسياً واقتصادياً وامام التحديات المحلية سواء جاءت نتيجة تبدل غير مسبوق تجاه لبنان من قوى اقليمية ابرزها المملكة العربية السعودية او سواء جاءت نتيجة تحولات داخلية كحجم الدين والية تطوره ووصول الاختلال في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والميزان الجاري الى مستويات غير مسبوقة ومتواصلة ناهيك عن مؤشرات الاقتصاد الحقيقي التي استمر منحى التراجع والانهيار فيها طوال السنوات السابقةامام هذا الواقع المستجد لا يمكن للبنان ان يستمر بمعالجة مشاكله بالادوات التقليدية ووفق المنطق نفسه المتكرر منذ سنوات عديدة .
هنا الفارق الجوهري بين الاستقرار والمحافظة على الواقع المازوم والحيلولة دون الانهيار وبين “شدشدة” للواقع تنتج تحسناً ولو صغيراً وتحارب هدراً او سرقة وتنظم الادارة وتضبطها وبين مشروع يستند الى رؤية جديدة مختلفة نوعياً عما هو قائم اليوم وان كانت مرتكزة على ما ميزه من دعائم صلبة لا يزال بعضها متوفر اليوم وصالح.
رؤية واقعية ترتكز على معرفة اقتصادنا اولاً ومكامن القوة فيه كما مكامن الضعف واسبابه ،رؤية تستطيع الخروج من قيود الاحتكار المكبل للتطور الطبيعي والقاتل للنمو البديهي والمستقوي في الاقتصاد بالاجنبي على المحلي ،كما في السياسة تماماً ، وهو ما يفسر ولا يبرر وجود تشريعات وقوانين لصالح المنتج الاجنبي ضد المنتج اللبناني .
رؤية ببساطة تنشد الاصلاح والتغيير الهيكلي المطلوب لاستمرار البلد وتطوره وليس الترقيع والانضواء تحت سقف المقاربة نفسها المستمرة منذ ربع قرن والتي جاءت اصلاً محاولة تجميلية لما كان قائماً قبلها مما اوصل البلد الى شفير الافلاس واوصل شبابه الى بقاع الدنيا
الرؤية الاقتصادية مثل السيادة منبعها محلي، داخلي .
ومن يعتمد على الاجنبي في رسم اقتصاده كمن يوكل الاجنبي بحفظ حدوده وسيادته
(تنشر بالتزامن مع صحيفة الاتحاد)

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This