أصدرت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ملهوفةً جداً على الوضع الإنساني في سوريا، قراراً يمدد بموجبه العمل بالقرار 2165 الذي يجيز إيصال مواد الإغاثة، إلى السكان القاطنين في مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، لمدة عام. تلك الدول في معظمها شجعت الارهاب كي يدخل البلاد ويدمر كل شيء، بما في ذلك التنوع الطبيعي والحيوي الغني الذي تمتاز بهِ البيئة السورية. ولما كان هذا التنوع البيئي الطبيعي، دوراً كبيراً في تحديد نوعية العلاقات بين البشر، إقتصادياً، عبرتحديد علاقات الإنتاج، وديموغرافياً من خلال توزع السكان حسب موارد الرزق، فقد دمرته دول الاستعمار الحديث الأعضاء في مجلس الأمن، سعياً منها لتدميرالحياة الطبيعية للسوريين، وجعل البلاد مرتهنة لمساعدات دولية مشبوهة، و اليوم تبحث هذه الدول، عن دورٍ لها في عملية إعادة إعمار سوريا، ولكن السؤال هنا هو هل يعلم مجلس الأمن الدولي، ومعه ماتبقى من الأمم المتحدة (كقوة دولية) ومنظماتها المختلفة، ما يريد السوريين إعادة إعماره؟
الحرب تدمر الطبيعة الأم
لقد حصدت الحرائق خلال الحرب ما مساحته 150 ألف هكتار من أصل 230 ألف هكتاراً من الأراضي الحرجية والزراعية، وتصنف الغابة السورية ضمن الغابات المتوسطية ويزيد عدد الأنواع النباتية والشجرية فيها عن 500 نوعا، كذلك فقد قامت المجموعات الارهابية بنهب المحميات الطبيعية (بلغ عددها في سوريا نحو 50 محمية كانت تحتوي على مئات الأنواع النباتية و الحيوانية)،حيث سرقت أنواعاً نادرةً من الحيوانات(غزال المها-النسر الاصلع- النسر البني – نعام وغيرها) فيما أطلق ما تبقى منها ليلقى حتفه ،كل ذلك حدث في محميات التليلة (تدمر)،والعضامي (حلب) والمغلوجة (الحسكة) ومحمية الثورة في الرقة.
الهجرات الداخلية …أخطر!!
هاجر الملايين من السوريين، من الداخل الى الداخل، فاكتظت المدن بالبشر، بما يفوق قدرتها الاستيعابية، ما تسبب في ارتفاعٍ نسب التلوث الهوائي، وهنا يكفي أن نذكر أن المصادر متعددة فمن قذائف المدافع، الى الغازات التي تصدر عن الصواريخ والطائرات، الى الأدخنة الناتجة عن كل البيوت والمصانع التي أُحرقت، الى دخان ناتج من حرائق الغابة السورية، وصولاً الى الدخان الناجم عن ما يسمى الحراقات التي يستخدمها (النفيّطة) في دير الزور لتنقية البترول الذين يستخرجونه بشكل بدائي، كلها حرائق ترفع نسب الكربون والكبريت في الهواء. وكلها أدت إلى أمراضٍ تنفسيةٍ مزمنةٍ وسرطانات، إضافة الى أنها تسببت في أمراض وراثية قد تستمر لأجيال بعيدة حتى بعد زوال التلوث من البلاد، كما تسبب النزوح الكبير الذي حصل بضغوط كبيرة على البنى التحتية ( الصرف الصحي والطاقة ومياه الشرب)، فأصاب التلوث كل شيء المياه، التُرب والهواء، وانتشرت الآفات والأمراض السارية كالسل،اللشمانيا، حمى التيفوئيد، والحمى المالطية.
تسببت الحرب في نزوح أكثر من 77 ألف عائلة فلاحية عن أراضيها، فعلى سبيل المثال، تسببت الحرب في قطع وإحراق أكثر من 90 في المائة من أصل 800 ألف شجرة فستق حلبي، كان معظمها موجود في ريف حماة(مورك)، تلك البلدة التي تنتج وحدها حوالي ثلاثة أرباع الانتاج السوري ككل، هاجر أهالي المنطقة كلهم الى المدينة، والأمر ذاته تكرر مع الفلاحين في أرياف الرقة والحسكة ودير الزور، فيما هاجر الحلبيون الى مدن الساحل. أضف الى كل ذلك الخراب، تلويث مياه نبع عين الفيجة، والتلاعب بمياه نهر الفرات، وتوقف مئات المصانع عن انتاج المواد الاساسية لاستمرار الحياة في سوريا.
مما لاشك فيه، يقول السوريون: نريد التعويض عن كل ما خسره الانسان نتيجة حربكم تلك، التعويض عن كل شجرة أُحرقت أو قطعت، وأن تعيدوا تنقية مياه كل الأنهر والينابيع السورية، التي لوثتها حربكم، نريد أن تعيدوا كل الحيوانات والنباتات النادرة التي سرقت من المحميات، وأن تعيدوا الأثار وكل الثروات التي نهبت من بلادنا، نريد إعادة بناء كل المشافي والمدارس والمؤسسات الثقافية، وقبل أن تلتهفوا على تقديم المساعدات الانسانية، لتغطية عورات الاستعمار الجديد…. يجب عليكم أن تفهموا أن إعادة إعمار سوريا ليست مجرد كعكة.