في جردة حساب بيئية سريعة للعام 2017، ثمة إخفاقات كانت حاضرة على نحو أكد أن لبنان ليس بحاجة إلى القوانين فحسب، وإنما إلى تحقيق آلية تطبيقها، فقتل الطيور لم يتوقف، لا قبل إقرار فتح الموسم مدعما بالقانون الجديد، ولا بعده، كذلك التعديات على الحيوانات البرية، ليرخي العام ستارة سوداء على مجزرة تسميم الكلاب الشاردة في الغبيري، ما يعني أننا عايشنا نكسات مع استمرار القتل، وإفلات المرتكبين من العقاب.
ولا يفوتنا أنه في خضم مسلسل القتل والتعذيب المتتالي، جاء التوقيع على قانون الرفق بالحيوان في آب (أغسطس) الماضي ليشكل بارقة أمل، نفاجأ أنه كسائر القانون السابقة، وما شهدناه من تعديات في العديد من المناطق، أو في معظمها جاءت بمثابة “إعدام” للقانون، وسط المحسوبيات السياسية والطائفية والحزبية.
“هدية بيئية“
لكن رغم الواقع المأساوي، تبقى ثمة بارقة أمل تطل علينا من تجارب ومبادرات فردية، ربما لا تكفي وحدها لتحقيق ما نصبو إليه في مجال حماية البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي، ولكنها، على الأقل أنارت ظلمة الجهل، خصوصا وأنها تمثل مبادرات يُقتدى بها وتستحق أن تكون نماذج لنقف عندها ونقتدي بها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إنقاذ إثنين من إبن آوى الذهبي قبل أيام عدة في بلدة زبقين (قضاء صور).
وفي تفاصيل ما شهدته هذه البلدة الجنوبية، وقوع إثنين من ابن آوى وعن طريق الصدفة في بركة كبيرة قيد الإنشاء، فامتدت إليها يد العون والمساعدة وأنقذتهما، “هدية بيئية” لمحبي الطبيعة، قبيل توديع العام 2017، ما أضفى على هذا الفعل بعضا من قيم إنسانية تزامنت مع إطلالة العام الجديد.
قبل عشرات السنين، لم يكن ثمة نوع مهدد بالانقراض، لسبب بسيط، وهو أن أجدادنا تآلفوا مع الطبيعة ولم يتعمدوا قتل الحيوانات البرية تحت أي ذريعة أو سبب، بما فيها الذئاب والضباع وابن آوى إلا في حالات استثنائية ونادرة، خلافا لما نشهده اليوم، فلا “مات ذئب ولا فنِـــيَ غنم”!
المزيد من الوعي
لا بد من الإشارة إلى أنه اليوم، وخلافا لما كان قائما قبل سنوات طوال، تبدلت الصورة بكليتها، فصار القتل “هواية”، وما عادت الأجيال الصاعدة تميز بين ثعلب وذئب وابن آوى، حتى أن هناك أنواعا من الحيوانات البرية لم يسمع كثيرون عنها من قبل، ولم يتسن لهم مشاهدتها، إما بسبب الانقراض أو بسبب هجرتها الى أماكن بعيدة ونائية بحثا عن فسحة أمان يبدو أنها لن تكون متاحة مستقبلا مع التوسع العمراني على حساب المناطق الخضراء، وهذا الموضوع في غاية الأهمية، أي لجهة الحفاظ على هذه الأنواع، لا سيما وأن التصدي لما هو قائم، يتطلب المزيد من الوعي حيال هذه الحيوانات وتوفير فرص حمايتها نظرا لأهميتها في دورة الحياة الطبيعية.
صفحة زبقين
وسط التعديات التي نرصدها من آن لآخر، بدأنا نشهد ممارسات نقيضة تماما تعكس وعيا واهتماما بهذه الكائنات، يتجلى في حمايتها وإنقاذها، وهي تستحق الوقوف عندها، ومن بينها إنقاذ إثنين من إبن آوى سقطا في بركة مياه تم تشييدها حديثا في بلدة زبقين جنوب لبنان.
وفي التفاصيل قام الناشط مؤسس “صفحة زبقين” المهندس وسيم بزيع بطلب المساعدة من greenarea.info بعد مناشدة من أحد أبناء بلدته لتخليص حيوانين علقا في بركته، بدورنا قمنا بالتنسيق والطلب من الناشط رامي خشاب المساعدة، والذي حضر من بيروت مع الناشط محمود الحاج، وبعد أكثر من ساعتين قاما بسحب الحيوانين من البركة واعادة اطلاقهما في البرية.
وقد كتب بزيع على صفحة البلدة الخاصة به كلمات شكر جاء فيه: “هدية رأس السنة للبيئة هذا العام من زبقين الجنوبية، حيث قام الناشطان البيئيان رامي خشاب ومحمود الحاج، بالتعاون مع صفحة اخبار زبقين و(جمعية Green Area الدولية) بإنقاذ إثنين من حيوانات “ابن آوى” Golden Jackal (Canis aureus syriacus) من الهلاك بعدما سقطا في بركة لجمع مياه الأمطار في زبقين تابعة للاستاذ موسى بزيع”.
إطلاقهما في البرية
وأضاف بزيع: “في التفاصيل تلقينا اتصالا هاتفيا من الاستاذ موسى، وأفاد عن وجود اثنين من “أبناء آوى” في بركة جمع مياه الأمطار الخاصة بالمشتل الزراعي التابع له، والموجودة في ارضه في بلدة زبقين، وان هذه الحيوانات غير قادرة على الخروج من البركة، وعلى الفور اتصلنا بـ (جمعية Green Area الدولية)، وبدورها طلبت منّا التواصل مع الناشط البيئي رامي خشاب”.
وتابع: “عندما علم السيد خشاب بالحالة توجه على الفور من بيروت الى زبقين مع الزميل محمود الحاج، وقاما بإنقاذ الحيوانين العالقين في البركة وتم نقلهما الى مكان آمن خارج بلدة زبقين وقاما بإطلاقهما في البرية وهما في حالة جيدة”.
وختم بزيع: “يهم صفحة أخبار زبقين أن تشكر الاستاذ موسى بزيع على التواصل بموقع اخبار زبقين، وحرصه الشديد على الحفاظ على حياة الحيوانين العالقين والحياة البرية والشكر موصول الى الناشطين البيئيين الاستاذ رامي خشاب والأستاذ محمود الحاج، ونثمن دور جمعية greenarea.infoالدولية والقيمين عليها على اهتمامهم الكبير”.
خشاب
وأشار خشاب لـ greenarea.info إلى “انهما ينتميان لفصيلة ابن آوى الذهبي، واسمه العلمي canis aureus، وهما من فصيلة الكلبيات”، وقال: “هذا النوع يشبه الذئب الى حد كبير ولكن حجمه أصغر وكذلك حجم رأسه، وهو مسالم جدا ولا يهاجم، إلا اذا كانت الانثى مع جرائها، فهي تهاجم فقط للدفاع عنها عند احساسها بالخطر”.
وأضاف: “يعيش في مناطق مختلفة من العالم وهو ليس نادر الوجود في لبنان، إذ يتوزع في كافة الاراضي اللبنانية ويتكاثر بسرعة نظرا لندرة عدوه الطبيعي الذئب، وتراجع عدد الجوارح”.
وقال خشاب: “إنه يقتات على القوارض والبرمائيات متل الضفادع وحيوانات أصغر منو حجما، وطبعا يتغذى أيضا على الفاكهة والخضار”، وأعرب عن شكره وامتنانه للاتصال به وعدم قتل هذه الحيوانات، داعيا الى “الحفاظ عليها لأهميتها في التوازن البيئي”.