ما تزال قضية قتل وتسميم الكلاب الشاردة تتفاعل أبعد من الشارع اللبناني، وسط ما نشهد من ممارسات باتت تحت مجهر المؤسسات والهيئات الدولية المعنية، وهذا ما يتطلب منا العمل لتكريس حلول ناجعة للحد من ظاهرة انتشار الكلاب والقطط الضالة من جهة، وتبني خطة عمل تراعي القيم الإنسانية والأخلاقية في التعاطي مع هذه الظاهرة من جهة ثانية، خصوصا وأن هذه الحيوانات لم تجد طريقها إلى الشارع بالصدفة، فثمة من رماها لتلقى مصيرها، أو لتتكاثر دون ضوابط، بمعنى الاعتراف أولا أن هناك مشكلة سببها الإهمال والتعاطي غير المسؤول مع هذه الكائنات، وثانيا العمل على تحديد أطر معينة لاحتواء هذه الظاهرة عبر ممارسات رحيمة، ومن ثم تحقيق السبل الآيلة لتطبيق قانون حماية الحيوانات والرفق بها، والذي بات نافذا بعد أن وقعه قبل أشهر عدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وإذا ما تتبعنا تطورات هذه القضية خلال الأيام القليلة الماضية، نجد أن ثمة بوادر إيجابية تمثلت في إعلان بعض البلديات، بما فيها تلك المسؤولة عن تسميم الكلاب، استعدادها للتعاون مع الجهات المسؤولة في الدولة وسائر الجمعيات الأهلية المعنية، وهذا مؤشر إيجابي يؤكد أن التعاون والتآزر هما السبيل لمعالجة هذه المشكلة والحد من تبعاتها السلبية، على هذه الكائنات نفسها وعلى البيئات المحيطة في القرى والبلدات والشوارع العامة.
بلدية جون
ما استوقفنا في هذا المجال، أن بعض البلديات بدأت تتصدى لمشكلة الكلاب الشاردة بعيدا من الارتجال واللجوء إلى قتلها وتسميمها، فقد أصدرت لجنة البيئة في بلدية جون في ساحل قضاء الشوف والقريبة من مدينة صيدا بيانا دعت فيه المواطنين للتعاون في هذا المجال، وجاء فيه: “وردتنا الكثير من الشكاوى تتعلق بتكاثر الكلاب الشاردة بين المنازل وفي الأحياء،
ولحل هذه المعضلة نرجو التعاون معنا كبلدية والإلتزام بالخطوات التالية:
1-الرجاء ممن يستطيع, إطعام الكلاب في الطرقات, لكي يتم العمل قدر المستطاع على جعلها أليفة، وبالتالي لا تتعرض للإنسان إذا ما كانت جائعة.
2-بعد حوالي عشرة أيام من إطعامها وإشباعها, ستقوم البلدية بإرسال طبيب بيطري لخصي هذه الكلاب وضمان عدم تكاثرها.
3-بعد ذلك, من الممكن ترحيلها أو تركها بعد أن نضمن تآلفها وعدم تكاثرها”.
وختم البيان: “من الواجب التعاطي مع هكذا موضوع بشيء من الإنسانية والحضارة لما فيه مصلحة للجميع، ونرجو منكم التعاون والبدء بالمرحلة الأولى وهي إطعام الكلاب في الطرقات لكي يتسنى لنا العمل على المراحل التالية ولكم كل الشكر”.
عون: الأمور تحت السيطرة
وفي هذا السياق، أشار لجنة البيئة في بلدية جون ابراهيم عيد لـ greenarea.info إلى أنه “بعد مناشدات وردتنا من الأهالي، رأينا أنه من الجيد والضروري أن نتحرك لمعالجة وضع هذه الكلاب الضالة بطريقة إنسانية وعملية، علما أن الكلاب الضالة لا تمثل حالة متفاقمة في بلدتنا، وهي ظاهرة موجودة في معظم المناطق، لا يمكن أن نلغي وجودها، لكن من الممكن الحد من تكاثرها عبر تطعيمها وخصيها وتعقيمها”.
واستدرك قائلا: “تكاثرت الكلاب في الآونة الأخيرة وصارت تشاهد بالقرب من مكبات النفايات، وهذا سبب من أسباب تجمعها ليلا في جون، علما أن لا مشكلة نفايات، وبالتالي كل الأمور تحت السيطرة”.
وقال عيد: “طلبنا من الأهالي إطعام الكلاب لمدة عشرة ايام كمرحلة اولى، ومن بعدها سنقوم بجمعها وبدء معالجتها، وسنعلن عن كل مرحلة في وقتها، وكبلدية نرى أنه الحل الامثل والأنجع والاكثر رحمة وإنسانية”.
حمزة: القيم الإنسانية
الناشط في مجال الرفق بالحيوان حسين حمزة الذي نذر نفسه لرعاية الكلاب الشاردة، وأقام لها مأوى يحضنها قرب جسر مثلث مستديرة الزهراني بين صيدا وصور والنبطية، أكد لـ greenarea.info أن “هذا الإجراء الذي اتخذته بلدية جون في مراحله الأولى يأتي استجابة لقرار رئيس الجمهورية، وينم عن وعي يعكس القيم الإنسانية تجاه هذه الكائنات التي من واجبنا أن نرعاها ونحميها ونحد من تكاثرها”.
وقال: “إن على سائر البلديات أن تقتدي ببلدية جون وغيرها من البلديات التي بدأت في مواجهة هذه المشكلة بالرحمة والعمل الجاد لتكون في منأى عن القتل والتعنيف، وأرى أن من واجبي أن أدعم بلدية جون في خطوتها هذه، بما اكتسبت من خبرة في هذا المجال”.
وأضاف حمزة: “لدي إيمان راسخ بأن رعاية الحيوانات وخصوصاً الكلاب والقطط والطيور، هي واجب إنساني وأخلاقي، وأنا على يقين أنّ شعوب الدول الأوروبية تطبق في حياتها وممارساتها وأعمالها الإنسانية الكثير من مبادئنا وتعاليمنا الإسلامية السامية والسمحاء أكثر بكثير ممن هم مؤتمنون على هذه التعاليم، وإلا فكيف يجوز لأي شخص أو حتى لرجل دين أن يقدم أو يفتي بقتل كلب عمداً، رمياً بالرصاص أو بتسميمه بمجرد عدّه نجساً، بينما هو في الحقيقة من مخلوقات الله”.
الحد من ظاهرة الاتجار بالكلاب
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن كلاب الشوارع هي نتاج ما نقترف من ممارسات غير مسؤولة، فثمة كثيرون يقتنون كلبا وبعد فترة يقررون التخلي عنه وتركه في منطقة نائية، لكن المشكلة الأكبر فتتمثل في من يتاجرون بالكلاب من أصحاب المحال وغيرهم، فهؤلاء يقومون بإكثارها بغرض المتاجرة، وينتقون من الجراء أجملها، أما الفائض منها فيلقون به في الطرقات، وهذه المحال المخصصة لبيع الحيوانات الأليفة لا تخضع للمراقبة، وهذا يتطلب التشدد في تطبيق القوانين والحد من ظاهرة الاتجار بالكلاب.
ومن هنا، وبحسب حمزة، “الحل الأمثل للتخفيف من هذه الظاهرة هو إخصاء الذكور وتعقيم الإناث، ما يخفف من أعدادها”.
ومثل هذا الإجراء، تعتمده كافة الدول في مواجهة هذه المشكلة، وقد أثبت جدواه وهو الطريقة الفعالة الوحيدة، بعيدا من ممارسات جائرة كإطلاق النار والتسميم وما ينجم عنهما من مخاطر، فضلا عن أنه بدلا من أن يشتري مواطن كلبا أم قطة، يمكنه تبني إحداها من تلك التي تمت معالجتها في مراكز إيواء مؤقتة أم دائمة.