يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير أن “قانون الطبيعة هو الغريزة التي تجعلنا نشعر بالعدالة”، إلا أنه في ظل الإعتداءات الحاصلة في حق الطبيعة، يبدو أنها لا تشعر هي نفسها بالعدالة فعادت لتفرض قوانينها على مواطني هذه الأرض الذين اعتدوا عليها !
هذا تعبير مجازي عن إنتقام الطبيعة لنفسها من أرض تمرّد سكّانها على نعمة غير متجددة، إن استهلكت بغير حكمة ولّت سريعاً .
أميركا، أكثر بلد يشجّع على استهلاك الوقود الأحفوري، لم يكن حاكمها حكيماً، فحلّت لعنة الطبيعة عليه، وتأرجحت ولاياته بين حريق و غريق وتجمّدت تلك الأخرى.
ما يحصل في أميركا من مظاهر غضب للطبيعة هو سابقة في تاريخ بلاد العم سام، إلا أنه ربما يكون الرد الأنسب على عدم إيمان الرئيس دونالد ترامب بدور الإنسان في تعزيز الإحترار المناخي الذي بدوره يؤدي إلى كوارث بيئية طبيعية غير إعتيادية.
الحرائق التي إمتدت على ولايات عدة من أميركا، قضت على هكتارات شاسعة من الأراضي الخضراء فيها، الأمر الذي دمّر نظمها الإيكولوجية وتنوّعها البيئي لفترة طويلة، فلا يخفى على أحد أن استرجاع الغطاء الأخضر يأخذ وقتاً طويلاً جداً، مهما اختلفت العناية البشرية فيه.
فقد دمّرت الحرائق أكثر من 50 ألف فدّان وشرّدت ملايين الأهالي من منازلهم واعتبر صيف الـ 2017 الأسوأ على الإطلاق في التاريخ الأميركي بعد ارتفاع عدد الضحايا للآلاف. بحيث أن أكثر كارثة مروعة من الحرائق ضربت الولايات المتحدة الأميركية قد اندلعت في “غريفيث بارك” بمنطقة لوس أنجلوس عام 1933 وأودت بحياة 29 شخصاً على الأقل فيما لقي 25 شخصاً حتفهم في حريق أوكلاند هيلز عام 1991 ، في حين سجّلت الحرائق الأخيرة أكثر من 40 ضحية، فضلاً عن خسائر مادية هائلة جراء تفحّم المنازل أو الهجرة الإضطرارية وخسارة محلات تجارية ومعامل نبيذ بالجملة .
بعد إعصار هارفي الشهير، وبعد الحرائق، حلّ دور الصقيع ليستكمل عمل الأول، وفي سابقة أيضاً في تاريخ أميركا، فقد ضربت موجة من الصقيع في أواخر العام 2017 أجزاء واسعة من أميركا الشمالية أودت بحياة عدد من الأشخاص وتسببت في إلغاء احتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية لا سيما في ولاية نيويورك. وسجلت درجات الحرارة معدلات تراجع قياسية في بعض المواقع، وامتدت الموجة جنوباً حتى مدينة تشارلستون في ولاية كارولاينا الشمالية حيث تراكم الجليد على أبراج الكنائس التي تشتهر بها المدينة. ودارت الموجة على ولايات أميركية متعددة فتسببت بسقوط ضحايا فضلاً عن خسائر إقتصادية رهيبة جرّاء توقّف حركة الطيران من جهة وانعدام الحفلات العامة بعيدي الميلاد ورأس السنة في المناطق المجلّدة.
في ظل تعنّت الرئيس الأميركي وتهرّبه من مسؤولية دولته الكبرى في محاربة تغيّر المناخ، وبعد رصد النتائج البشرية والمادية، كان الرصد المالي أكثر إيلاماً. فقد قالت الوكالة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي إن الكوارث المتصلة بالطقس والمناخ كلّفت الولايات المتحدة مبلغاً قياسياً في عام 2017 وهو 306 مليارات دولار.
في تفاصيل التقرير،ساهمت حرائق الغابات في الغرب والأعاصير هارفي وماريا وإرما في أن يصبح عام 2017 الأعلى تكلفة بين الأعوام المسجلة. وكان الرقم القياسي السابق في عام 2005 الذي بلغت تكلفته 215 مليار دولار حين اجتاحت الأعاصير كاترينا وويلما وريتا ساحل الخليج الأميركي.
جون هوبس يقول أن ” التعاون هو قانون الطبيعة ” إلا أن الرئيس الأميركي يحبّ الإستفراد بالحكم، فوعد عند إنطلاقة عهده بزيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز والفحم.. أما الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بايكون فينصح بأن ” لكي تسيطر على الطبيعة ، يجب عليك أولاً أن تدرسها” ، هل يتّعظ ترامب من رد الطبيعة ويتراجع ؟