من منا لم يستفزه مشهد تسميم الكلاب في منطقة الغيبري، بمادة اللانيت السامة الممنوعة عالمياً، وعملية شنق كلب في إحدى المناطق اللبنانية، والى ما هنالك من اعتداءات منها علنية و اخرى مخفية سواء معنفة او غير ذلك من تجاوزات تنتهك حياة الحيوانات بابشع الطرق، كلها تعكس صورة عن البلد وشعبه غير الحضاريين، مع العلم ان لبنان أصدر من فترة وجيزة قانون الرفق بالحيوان و حينها اعطى صورة حضارية امام العالم من بعد ما تشوهت صورته في كيفية التعامل مع الحيوانات، ليس فقط في حادثة التسمم الاخيرة انما في عملية ذبح المواشي في مسلخ الكرنتينا حيث اخذت عدة دول قرارا في وقف تصدير مواشيها الى لبنان قبل أن تعود عن قرارها بعد محاولات تصحيحية عدة.
ما هذا التناقض في المجتمع اللبناني ، فنجد هوس الإهتمام بالحيوانات الأليفة ودفع الأموال الطائلة لرعايتها من جهة، في حين تتكرر الإعتداءات عليها وتعنيفها وقتلها من جهة أخرى؟ فما سر هذا التناقض ؟ هل له بعد نفسي واجتماعي ؟
طبيب بيطري مرجع لكل بلدية!
أهم ما توقف عنده الطبيب الاختصاصي في الطب البيطري الدكتور غابي هيلان في حديثه ل greenarea.info:” ان هناك طرق حضارية عدة متبعة في اوروبا حيث ان الدولة هي التي تهتم في ايجاد حلول للتخلص من الحيوان عكس ما هو عليه في لبنان. فلا وجود لدولة تتبنى الحلول العلمية للحد على سبيل المثال من الكلاب الشاردة.”
في هذا السياق، أسف لتسميم الكلاب بمادة اللانيت التي وصفها بأخطر السموم في العالم، كون لا رائحة ولا لون لها، وإذ يشير إلى أنها مجرد بودرة يتم رشها عشوائياً، حذّر من أن أي طفل يمكن أن يلحسها دون أن يدري ما هي. وهي تباع في محلات الادوية الزراعية رغم منع استعمالها في أوروبا لما لها من تداعيات على الثروة السمكية ومياه الشفة نتيجة الترسبات بسبب الرش العشوائي. الأمر الذي يعني برأيه أن التسمم لن يقتصر على الكلاب بل له انعكاسات على صحة الإنسان نتيجة تسرّب تلك المادة إلى المياه.
واضاف الدكتور هيلان:” ان الذي حصل من تسمم علني للكلاب في وضح النهار قد سبب صدمة عند الناس، حتى إن تعليق المشنقة للكلب هو إجرام. فالبلدية التي تريد ان تتخلص من الكلب الشارد عليها مراجعة اختصاصيين في الطب البيطري والتعاقد معهم لان هناك عدة حلول منها الموت الرحيم المعترف به عالميا، اوان يتم خصيه للحد من تكاثره مع الاشارة انه ليس عندنا في لبنان عدد مهم من الكلاب الشاردة مثل بقية الدول كالهند .”
ما وراء الأزمة الاقتصادية
من جهة اخرى، ابرز ما اعلنته الاختصاصية في الطب البيطري الدكتورة هلا منّير ل greenarea.info : “ما لاحظناه ان بعض الجمعيات التي تهتم بالحيوانات الاليفة اصبح لديها عدداً فائضاً منها ، الأمر الذي أجبرها على رمي بعضها في الطرقات دون معالجة. اما الذي حصل مؤخراً في الغبيري نتيجة التسمم باللانيت، فهو عذاب موجع بحد ذاته للكلاب، لذا على المحافظات ان تاخذ التدابير اللازمة وتطلب من كل شخص يمتلك كلباً الإبلاغ عنه لأن هنالك الكثير من الناس تتعذّر عن تربية كلابها نتيجة الأزمة الإقتصادية فترميه على الطريق.
معاملة الكلاب بهذه القسوة تظهر غياب الوعي الكافي لدى المجتمع اللبناني في طرق العناية بالحيوانات، بينما الحل موجود في خصيها والحد من تناسل الكلاب الشاردة و معرفة عددها في لبنان و اجراء لها فحص للكلب كي لا تلحق الأذى بالمارة.”
من جهته، شرح الاختصاصي في الطب البيطري الدكتور فؤاد الحاج ل greenarea.info: “ان استعمال اللانيت ممنوع عالمياً، فتساءل كيف تم الحصول عليه لتسميم الكلاب. واعتبر أن الأزمة الإقتصادية قد تكون أثّرت على ردات الفعل لدى الناس تجاه الكلاب، إذ شهدنا في الأيام القليلة الماضية خمس خالات تسمم ، وما حصل في العبيري يعطي درساً للبلديات حول كيفية التعامل مع الكلاب الشاردة.
لغة الإنتقام
في هذا السياق اهم ما اعلنته رئيسة جمعية APAF Lebanon ثريا معوض ل greenarea.info: “في اعتقادي انه عندما صدر قانون الرفق بالحيونات شكل نوعاً من التحدي عند البعض فتبادر الى ذهني ان الجرائم ستتكاثر بحق الحيوانات وهكذا حصل. لذا اقترح ادخال المعالجة النفسية من بعد ما تبين ان موضوع الاعتداء فردي ويحصل يوميا في كل المناطق حيث ان غالبية الناس باتت تحتاج الى العلاج النفسي لان 80% منهم مرضى عقليين يحتاجون الى تاهيل نفسي في كيفية تعاملهم مع الحيوانات.”
مجتمع متناقض بالانحراف و العدائية
امام هذه الحوادث المعنفة والمتكررة على الحيوانات السؤال يطرح نفسه : هل له بعد نفسي اجتماعي ؟
نقيبة المعالجین والمحللین النفسانیین اللبنانيين الاختصاصية في علم النفس الدكتورة ماري انج نهرا شرحت باسهاب ما يحصل : “ان التناقض الذي يحصل في المعاملة مع الحيوانات ليس في الشخص نفسه بل التناقض بين فئات الشعب اللبناني. فهناك اشخاص يحبون رعاية الحيوانات لدرجة انهم يدفعون عليهم الملايين و فئة اخرى من طبقة مختلفة اقل وعي و ادراك مصابون بعقدة نقص يحاولون الانتقام من الحيوانات حيث يمارسون عليهم كل العنف والظلم على المخلوقات الاضعف منهم كفشة خلق مما يعتبرون انه لا يجب ان يكون لهم الحقوق نفسها مثل الانسان. هذا التناقض موجود في المجتمع و ليس في الشخص نفسه بل المسألة تقف عند فئتين مختلفين.”
و تابعت :” كما و انه لمسنا ان نسبة الاجرام باتت كبيرة جعلت بعض الاشخاص يقومون بسلوكيات منحرفة على الاضعف منهم و الذين ليس عندهم حماية حيث انه هناك سادية و لذة في الاجرام مع الاشارة الى ان مجتمعنا مستفزيعني في الوقت نفسه عندما تجد فئة كبيرة من المجتمع مهمشة تغار من الحيوانات الذين تلقوا كل الرعاية مما يستفز المجرم اي الذي عنده سلوكيات منحرفة اذ ان الانحراف موجود في كل المجتمعات انما القوانين تضبط الانحرافات.”
الاعتداء على الحيوان .. مرض نفسي
اما الاختصاصية في علم النفس الدكتورة ايدي شكور ففسرت ان وراء كل معتدي مرض نفسي مما قالت ل greenarea.info : ” ان شعور التعنيف موجود عند الانسان وعندما يبدا في اظهاره يعني أن هناك امراضاً نفسية يعاني منها. فاي شخص في هذه الحالة يعنف انسانا ام حيوانا مصنّف بأنه عنده مرض نفسي و ايضا نلاحظ ان الشعب اللبناني يتبع انفعالاته سواء الجيدة ام السيئة ويتفاعل معها بكل الاحاسيس السمعية و البصرية خصوصا اصحاب الامراض النفسية فيستعملونها بطريقة سلبية على الاضعف منهم في بلد ليس هناك من تطبيق في القانون رغم صدور قانون رفق بالحيوان .”
بدوره طالب الاختصاصي في علم النفس ومعالجة التوتر وإدارة المشاعر الدكتور جاد وهبة بحملات توعية مكثفة للحد من التعنيف حيث قال ل greenarea.info: “ان هذه الظاهرة العداونية ليست بجديدة لان منذ زمن بعيد الانهيار النفسي والضغط النفسي يعبر عنه الناس بالطريقة الخاطئة بالأضعف منهم ليخرجوا كل غضبهم عليهم. هذا االشيء موجود ليس فقط على الكلاب بل على الخدم او على اي شي اخر اضعف منا حيث نخرج ما في داخلنا من مشاعر بطريقة خاطئة تنعكس سلبا على حولن،ا لذلك يجب القيام بحملات توعية وطنية جدية و العلاج النفسي يجب ان يكون جماعيا.”
اما الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس فعلق عبر ال greenarea.info :”لا يجوز اتباع مبدا تعنيف الحيوان مهما كان جنسه فالذي يحصل بكل اسف موضة كفشة خلق ليس فقط بالانسان عن طريق الاجرام بل ايضا على الحيوان الاقل ضعفا العاجز عن حماية نفسه.”
مطلوب مراجعة وزارة الزراعة قبل اخذ اي تدابير
بعد ذلك ما هو راي وزارة الزراعة في اجراءاتها للحد اقله من ما يحصل من اعتداءات معنفة على الحيوانات ؟
في هذا الاطار تحدث مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الطبيب البيطري الدكتور الياس ابراهيم ل greenarea.info:”نتاسف كوزارة زراعة ما يحصل من عدائية على الحيوان خصوصا و ان لبنان يعتبر دولة متحضرة ونفتخر انه أصبح لدينا قانون رفق بالحيوان وتعبنا اننا وصلنا اليه مع العلم اننا لا نتوقف في موضوع التوعية و كيفية التعاطي مع الكلاب الشاردة و دورنا كوزارة زراعة فعليا الوقاية من الامراض الحيوانية و ليس عملنا مكافحةالكلاب الشاردة .انما فعليا اي شخص اذا لجا الينا في كيفية التخلص من الكلاب الخطرة فيكون عملنا توجيهي بالطريقة الصحيحة لان الذي حصل من تسمم الكلاب فعلا صادم حيث اخذ ضجة على المواقع التواصل كما و انه هناك حادثة في السابق حيث تم تصوير طريقة التعامل بوحشية مع الماشية في مسلخ الكرتينا حينها تلقينا اكثر من 3 الاف رسائل اعتراض من الخارج اخذوا فكرة بشعة عن لبنان باننا شعب همجي حتى انه هناك دول منعت من تصدير المواشي الى لبنان لان الطريقة التعامل معها سيئة جدا حتى عند ذبح الماشية. و هذه الحادثة التي حصلت منذ سنتين استطعنا قدر المستطاع توضيحها للراي العام بانها فردية لتجاوزها بسلام .”
و تابع قائلا :” ان الاخطرما حصل اليوم في تسمم الكلاب ليست فقط على مستوى البلدية بل نخاف ان تكون هناك بلديات اخرى قد اخذت هذا المنحى و التي ربما لا نعرف بها كون اللانيت متوفر للقوارض لتسممها و هو يدخل في طرق غير شرعية حيث نعمل اليوم على المعالجة لان هناك طرق كتيرة للتخلص من الكلاب الشاردة دون اللجوء الى التسمم خصوصا ان منظمة العالمية للصحة الحيوانية اكدت بعد عدة دراسات انه تبين ان قتل الحيوان الشارد لا يؤدي الى نتيجة لان حيوان اخر سيحل مكانه فاي شخص وصل الى مرحلة لا يريد الكلب هناك ماوى له او خصيه تفاديا لتكاثره و على البلديات اتباع هذه الطرق خصوصا و ان هناك قانون للرفق بالحيون يجب التقيد به وعلى كل بلدية ان يكون عندها الجهاز الصحي للاخذ بالتوجيهات اللازمة.”