وأنا أتصفح تقرير “تقدم العمل” الصادر عن مجلس الإنماء والإعمار لتاريخ تشرين الأول 2017، قفزت إلى ذهني فكرتان، الأولى، كيف يمكن أن تكون كل مشاريع الدولة، المتعلقة بكل القطاعات على الإطلاق، تخطيطها وتصميمها ووضع دفاتر شروطها والإشراف على مناقصاتها وتوقيع عقود تلزيمها والإشراف على تنفيذها والتفتيش عن مصادر لتمويل الزيادات الطارئة على عقود تلزيمها، والموافقة على استلامها وأخيرا وضع دفاتر شروط تشغيل العديد منها بعد الإنجاز، وتوقيع عقود تشغيلها وصيانتها والإشراف على كل جوانبها الإدارية والتقنية والمالية، يقوم بها جهاز واحد. هذا ما يطرح مسألة “تعارض المصالح” بحدة، ويشكل وحده فضيحة تخطيطية واستراتيجية كبيرة في ممارسات الحكومات اللبنانية، منذ إنشاء مجلس الإنماء والإعمار حتى الآن. والفكرة الثانية، تركزت على التجاهل الكبير لقانون حماية البيئة رقم 444 للعام 2002، بعد مرور 16 عاما على إقراره ودخوله حيز التنفيذ. وتجاهل أكبر للمرسومين التطبيقيين لهذا القانون، وتحديدا، المرسوم المتعلق بـ”التقييم البيئي الاستراتيجي” لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام رقم 8213 للعام 2012، وكذلك المرسوم المتعلق بـ”أصول تقييم الأثر البيئي” رقم 8633 للعام 2012، أي بعد مرور 6 أعوام على إقرارهما ودخولهما حيز التنفيذ.
يشمل التقرير جردة للإنجازات والمشاريع، التي تم التخطيط لها ووضع دفاتر شروطها وتلزيمها واستلامها بعد إنجازها وتشغيل ما أنجز منها، وكذلك تلك التي هي قيد التحضير، والأخرى قيد الإنجاز. تغطي المشاريع كل القطاعات المتعلقة بالبنى الأساسية من كهرباء والإتصالات والبريد والنقل، وأيضا، المشاريع المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية والاقتصادية من التعليم والصحة العامة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وترتيب الأراضي والبيئة، وكذلك، المشاريع المتعلقة بالخدمات الأساسية من إمداد مياه الشرب والصرف الصحي والنفايات الصلبة، وكذلك أيضا، مشاريع متعلقة بقطاعات أخرى مثل الزراعة والري والخدمات السيادية مثل بناء مباني جديدة وترميم وتأهيل وصيانة وتشغيل منشآت تابعة للحكومة والوزارات والإدارات العامة، وأخيرا كل ما يتعلق بتمويل برامج الإعمار.
وهكذا فإن قيمة العقود المنجزة التي نفذها مجلس الإنماء والإعمار بلغت ما يقارب 8.25 مليار دولار أميركي، وقيمة العقود قيد الإنجاز تقارب قيمتها 6 مليار دولار أميركي، وقيمة العقود الموقعة حتى تاريخه بلغت ما يفوق 14 مليار دولار أميركي. يغطي التقرير السنوات الممتدة من العام 1992 حتى العام 2016. وجدولا بالمشاريع والعقود قيد التحضير للعام 2017.
إذن، نحن أمام ورشة تغطي كل مشاريع الدولة اللبنانية في كل القطاعات، وبكلمة أخرى، كل ما تطلق عليه الدولة، بحكوماتها ومجالسها النيابية المتعاقبة، إسم مشاريع “التنمية” في لبنان، منذ استعادة الدولة بعد انتهاء الحرب الأهلية حتى اليوم.
إن هذه الإنجازات لا يستهان ولا يستخف بها على الإطلاق، فمشاريع “تنموية” بقيمة تزيد عن 14 مليار دولار أميركي، هي إستثمارات “تنموية” كبيرة جدا في بلد صغير مثل لبنان. وكان لها، لو أنفقت في اتجاهات أفضل تخطيطا، وأكثر إخضاعا لمقتضيات القوانين والمراسيم والأنظمة النافذة، أن تحقق أضعاف أضعاف ما نشهده من نتائج وانعكاسات على الإقتصاد الوطني، وعلى مستوى وجودة ورفاه حياة اللبنانيين.
نحن في مراجعتنا لمدى التزام حكومات لبنان المتعاقبة، عبر احترام مجلس الإنماء والإعمار، وهو الجهاز التنفيذي لسياسات الحكومة “التنموية”، لأحكام التشريعات البيئية، من قوانين ومراسيم وقرارات وأنظمة نافذة، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، نستخلص، أن التعامل مع هذه التشريعات باستخفاف، وتجاوزها الحقيقي، شكلاً ومضموناً، يشكل واحدا من أهم أسباب عدم تحقيق تلك الإنجازات “التنموية” لأهدافها في تعزيز الإقتصاد الوطني، وفي تحسين نوع ومستوى الخدمات الأساسية التي ترعاها الدولة، وفي تحسين مستوى وجودة ورفاه حياة اللبنانيين، التي نعتقد بأنها يجب أن تكون الأهداف الرئيسة لأي سياسة “تنموية مستدامة”، في أي دولة تتمتع بالحد الأدنى المقبول من احترامها لنفسها ولشعبها.
لكي نكون في هذه القراءة، على أعلى درجة ممكنة من الموضوعية، نقسم الفترة الزمنية التي يغطيها التقرير إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى، تمتد لعشر سنوات، من العام 1992 حتى 2002. والمرحلة الثانية، تمتد لخمسة عشر سنة، من العام 2002 حتى 2017. والمرحلة الثالثة، تمتد لخمس سنوات، من العام 2012 حتى 2017.
اعتمدنا في هذا التقسيم معيار نفاذ قانون حماية البيئة والمراسيم البيئية التطبيقية ذات الصلة المباشرة بتخطيط وتنفيذ المشاريع، في مرحلة إعداد السياسات والخطط التنموية في مختلف القطاعات، وفي مرحلة وضع التصاميم التي تسبق البدء بالإنشاءات والتنفيذ. وأعني تحديدا، مرسوم “التقييم البيئي الاستراتيجي” للمشاريع في مرحلة وضع السياسات والتخطيط، ومرسوم “أصول تقييم الأثر البيئي” المتعلق بالمشاريع في مرحلة ما قبل البدء بالتنفيذ والإنشاءات.
في المرحلة الأولى، من العام 1992 حتى 2002، كانت تقتصر التشريعات البيئية على بعض المواد في قوانين تتعلق بقطاعات متنوعة أخرى، ومعظمها يعود إلى سنوات بعيدة، وعلى عدد من القرارات الوزارية، وهي بمعظمها غير فعالة جدا لجهة قوة نفاذها واحترامها من قبل الدولة وإداراتها وأجهزتها، وفي المقدمة منها مجلس الإنماء والإعمار، الجهة الوحيدة التي تتولى تنفيذ المشاريع في كل مراحلها. وربما يسوق البعض، كأسباب وتبريرات تخفيفية، اعتبار أن لبنان كان خارجا للتو من حرب أهلية ضروس ومن عدوان إسرائيلي كبير ساهم في تدمير الكثير من البنى التحتية اللبنانية. نحن نعتبر أن هذه الأسباب ليست تخفيفية في المطلق، بل كان يمكن اعتبار هذه المرحلة الأولى فرصة لتنفيذ مشاريع إعادة البناء والإعمار على أسس حديثة، تسعى لأن تكون جزءا من خطة تنموية استراتيجية تنتمي بمواصفاتها إلى مباديء “التنمية المستدامة”. هذه المباديء التي أرسيت عالميا في هذه الحقبة، وعمل على أخذها بعين الإعتبار العديد من الجهات الدولية، التي ساهمت بشكل كبير في تمويل المشاريع في لبنان، عبر قروض من صناديق عربية ودولية وبنوك وطنية وأجنبية.
في العديد من الحالات عالميا، كانت مرحلة البناء بعد الحروب المدمرة فرصة لإعادة البناء على أسس حديثة، وفي ظل احترام الاعتبارات البيئية، لكي تتعزز استدامة مشاريع التنمية، وتزيد فعالية دورها في تحسين جودة ورفاه حياة الناس. كان يمكن لحكوماتنا أن تنتهج استراتيجية مماثلة في خططها لإعادة الإعمار بعد الحرب، ولكنها لم تفعل.
في المرحلة الثانية، من العام 2002 وحتى اليوم، اتسمت هذه المرحلة منذ العام 2002 بإقرار قانون حماية البيئة رقم 444. وهو قانون شامل وكامل، طاولت أبوابه وفصوله ومواده وفقراته وملاحقه كل شؤون حماية البيئة وأوجهها على الإطلاق، بما في ذلك، ما يتعلق بالمسؤوليات والعقوبات في بابه السادس.
نود هنا تذكير مجلس الإنماء والإعمار بوجود هذا القانون نافذا منذ 16 عاما، وما عليه إلا أن يطلب إلى دائرته القانونية أن تضع هذا القانون على مكتبها وفي أولوية أولوياتها، وتدرس مضامينه كلها، وتشير إلى رئاسة المجلس ومديريه في مختلف الفروع والأقسام والدوائر، عن واجباتهم التي يمليها هذا القانون، وما يجب القيام به حيال كل ما يتعلق بعمل المجلس، تخطيطا وتحضيرا وتنفيذا للمشاريع التنموية في البلاد.
لا شيء يبرر تجاهل هذا القانون، لا الإدعاء بالعجلة والإستعجال، ولا الحاجة الملحة بإنجاز المشاريع. حيث أن إنجاز بعضها على مراحل مجزأة دون تقييم آثار هذه التجزئة على البيئة، له آثار وخيمة جدا على البيئة والصحة وعلى الإقتصاد الوطني وجودة حياة الناس. وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشاريع البنى المتعلقة بالصرف الصحي. هنا شبكة دون محطة معالجة، وهنا محطة معالجة حيث الشبكة غير مكتملة، وهنا شبكات يوجه أنبوبها الجامع ليصب في البحر، وهناك ليصب في نهر الليطاني، أو في أي نهر آخر، وهنالك ليصب في الوادي، وليشكل جدولا يلوث مساحات واسعة، ويهدد بتلويث المياه الجوفية والينابيع. وكذلك تشكل مشاريع النفايات مثالا صارخا، ليس فقط على التجاهل الكلي، بل على تعارض كامل لكل مضامين التشريعات البيئية والتناقض معها، وفي مقدمتها قانون حماية البيئة ومرسومي التقييم البيئي الاستراتيجي وتقييم الأثر البيئي.
في مادته الثانية، يشرح قانون حماية البيئة معنى ومضمون مصطلح “تقييم الأثر البيئي” للمشاريع، ويحدد أن هذا التقييم ينبغي أن يتم قبل إعطاء القرار بالموافقة على المشروع أو رفضه.
وفي الباب الرابع، الخاص بتقييم الأثر البيئي للمشاريع، ينص القانون على تفاصيل هذا الأمر في مواده، من المادة 21 حتى المادة 23.
وفي الفصل الثاني من القانون، ينص في مواده، من المادة 29 حتى المادة 34، على كل ما يتوجب القيام به حيال حماية الساحل والبيئة البحرية من التلوث.
وفي الفصل الخامس، المتعلق بالإنشاءات ينص القانون في المادة 42، الفقرة 2، على أن تصريح مسبق بالاستثمار الذي يعين الحدود الخاصة لكل أنواع الإصدارات الملوثة، بما فيها تلك المتعلقة بمعالجة النفايات.
وفي الباب السادس، المتعلق بالمسؤوليات والعقوبات، في فصله الأول ينص على المسؤوليات، حيث تقول المادة 52، أن هناك عقوبات بالسجن والغرامة المالية بسبب أضرار ناتجة عن أعمال منجزة بصورة مخالفة للأحكام القانونية النافذة، لا سيما تلك المتعلقة بدراسات الفحص البيئي المبدئي أو تقييم الأثر البيئي.
ونوجه انتباه المعنيين في الحكومة والوزارات المعنية وفي مجلس الإنماء والإعمار أيضا، في ملف النفايات، والمطامر الشاطئية، التي أقيمت في الكوستابرافا وبرج حمود والجديدة، وهي مرشحة الآن للتوسعة وردم البحر بكلفات تقاس بما يزيد عن 200 مليون دولار، أن الملحق رقم 1 من قانون حماية البيئة، النافذ منذ 16 عاما، ينص على أن المشاريع التي تستلزم حكما تقرير تقييم أثر بيئي، تتضمن في النقطة 4، النفايات الصلبة: إنشاء مراكز لإدارة ومعالجة والتخلص من النفايات الصلبة على أنواعها. ويقول في الملحق 3 المتعلق بالمناطق الحساسة بيئيا، في النقطة 4، الشواطيء البحرية ومجاري الأنهر والينابيع. ويقول في الملحق رقم 5، المتعلق بلائحة المعنيين المحتملين بالمشاريع، حيث يجب أن تتم مشاركتهم باتخاذ القرار بشأنها، في النقطة 4: الجمعيات البيئية غير الحكومية المحلية المنشأة بعلم وخبر، وفي النقطة 5: المجموعات والأفراد المتضررين، وفي النقطة 7، أية جمعية أو نقابة أو رابطة يمكن أن تكون مهتمة بالمشروع. وينص الملحق رقم 8 من القانون، المتعلق بالمعلومات المطلوبة في تقرير الأثر البيئي، في النقطة 5، مشاركة العامة، أي الوكالات الرسمية، والمنظمات غير الحكومية والمجموعات المتضررة من المشروع.
هل كان هذا القانون الهام، قانون حماية البيئة رقم 444 للعام 2002، بكل أبوابه وفصوله ومواده وفقراته وملاحقه، موضوع التزام من قبلكم؟ وهل كان موضوع احترام وتنفيذ في كل مراحل عملكم المتعلق بتخطيط وتصميم وتنفيذ وتشغيل المشاريع؟ أم أن التعامل معه قد تم بتجاهله، بل بالتناقض معه شكلا ومضمونا في كل تلك المراحل؟
في المرحلة الثالثة، منذ العام 2012 وحتى الآن، تعزز قانون حماية البيئة في هذه المرحلة بمرسومين على درجة عالية جدا من الأهمية. مرسوم “التقييم البيئي الاستراتيجي” لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام، الذي ينص على أن يشمل في ملحقه الأول على إدارة النفايات الصلبة والسائلة بما فيها النفايات الخطرة. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل كلفت الحكومات اللبنانية، ومجلس الإنماء والإعمار، أنفسهم عناء وضع دراسات تقييم بيئي استراتيجي لخططهم وسياساتهم وقراراتهم في كل القطاعات التي وضعت منذ 2012 وحتى اليوم؟ كم من الخطط والاستراتيجيات والقرارات الإرتجالية التي اتخذت دون أي إخضاع جدي لمضامين مرسوم التقييم البيئي الاستراتيجي؟
هناك بالطبع العديد من الخطط المرتبطة بكثير من القطاعات مثل الصرف الصحي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وترتيب الأراضي والنفايات الصلبة، التي لو تم إخضاعها لتقييم بيئي استراتيجي، مع ما يشترطه من شفافية ومشاركة العامة بعملية اتخاذ القرار حيالها، لكانت أفضل تخطيطا وأكبر مردودا، ولكانت اتسمت بميزات التنمية المستدامة، بدل ما نشهده من تبديد للمال العام في خيارات مؤقتة مدمرة للبيئة وللصحة العامة ومهددة للإستقرار الاجتماعي والأمان الصحي لعموم الشعب اللبناني.
أما مرسوم تقييم الأثر البيئي، فكان التعامل معه من قبل مجلس الإنماء والإعمار، والعديد من الوزارات والإدارات العامة، باستخفاف يثير الإستهجان. ترافق ذلك مع تساهل من وزارة البيئة، وصل في كثير من الأحيان إلى حد التخلي الكامل عن صلاحياتها وعن دورها في تطبيق التشريعات البيئية النافذة، وعن اللجوء إلى القضاء البيئي لمقاضاة المخالفين، من القطاعين العام والخاص، وعلى رأسهم مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه، وبعض الوزارات والإدارات الأخرى.
إن هدف “دراسة تقييم الأثر البيئي” للمشاريع، ليس فقط تقييم الآثار البيئية، بل أيضا تحسين جودة القرارات المتعلقة بالمشاريع الإنمائية. وتعريف الجمهور المعني بالمشروع وآثاره على البيئة والمجتمع. عبر تعريف هذا الجمهور المتأثر بالمشروع، يصبح ممكنا اتخاذ القرارات الحساسة، ومعرفة التأثيرات المحتملة للمشروع على البيئة وعلى حياة الناس.
إن الممارسات الواقعية، التي نشهدها منذ إقرار هذا المرسوم، تدل على التقليل من أهمية “مشاركة العامة” التي ينص عليها، وتجاهلها أحيانا، والقيام بها شكليا لرفع العتب في كثير من الأحيان. إن عملية “مشاركة العامة، أو الجمهور” Public Participation هي القيام بالمشاركة الكاملة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشروع، حيث يصبح متاحا الإستفادة من مشاركة المواطنين المعنيين حيال التأثيرات والحلول الجديدة والبدائل.
إن مشاركة الجمهور في عملية اتخاذ القرار هي جزء أساسي من عملية تقييم الأثر البيئي، التي أصبحت أداة تطبيقية عالمية لاتخاذ القرارات البيئية. وهي تؤمن احترام الاعتبارات البيئية عند وضع تصاميم المشروع وقبل البدء بعملية تنفيذه وإنشائه. هذه المشاركة هي تعبير عن ديمقراطية الحكومة بإشراك الجمهور المعني بالمشروع في آلية اتخاذ القرارات بشأنه. وهي طريقة للتأكد من أن المشروع يلبي حاجات ومصالح المواطنين، وأنه مقبول وملائم للجمهور المتأثر به. إن القرارات تكون أفضل عندما تأخذ مصالح الناس بالاعتبار، حيث يتم أخذ رأي الخبراء علنيا وبشفافية كاملة. تخفف هذه الآلية من مخاطر الإعتراضات، وتأخذ مخاوف الناس بعين الاعتبار، وتعمل على تخفيفها إلى الحد الأدنى المقبول.
تكون مشاركة الجمهور في كل مراحل عملية تقييم الأثر البيئي، من مرحلة تحديد النطاق وتقييم الآثار المحتملة، مرورا بمراجعة التقرير واتخاذ القرار بشأن الموافقة عليه، وصولا حتى خطة الرصد والمراقبة.
تتم هذه العملية في مناقشة مفتوحة وشفافة، عبر تقديم اقتراحات بناءة لتحسين تصميم المشروع، لكي يصبح متلائما ومتوافقا مع المعايير البيئية. وكذلك عبر المساعدة في تحديد المخاطر المحتملة والبدائل الممكنة للمشروع وعناصره المكونة ذات الأثر والمخاطر الكبيرة، وكذلك استراتيجيات تفادي الآثار السلبية.
تشارك الأطراف المعنية كلها في هذه العملية، من الجمعيات غير الحكومية والأكاديميا والخبراء والإعلام، حيث يكون متاحا الدخول إلى قاعدة البيانات البيئية والاجتماعية. هذا ما يسمح بمساعدة عموم الناس المتضررين والمتأثرين بالمشروع على فهم المفاهيم والمصطلحات، والمساعدة على المشاركة في عملية تقييم الأثر البيئي. وتقديم الاقتراحات والتعليقات والملاحظات إلى الأطراف المعنية والسلطات (وزارة البيئة والوزارات المعنية ومجلس الإنماء والإعمار) والاستشاري، الذي يعمل على تحضير تقرير تقييم الأثر البيئي. وكذلك أيضا، الإلتفات باهتمام خاص لمشاركة الفئات والمجموعات المهمشة والضعيفة.
هل كنا سنعاني من هذا التلوث الخطير في نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وفي ثروتنا المائية السطحية؟ وهل كنا سنعاني من هذه المخاطر بتلويث ثروتنا المائية الجوفية والينابيع؟ هل كنا سنعاني من هذا التخريب الفظيع للشاطيء وتلويث البحر وتدمير المنظومة البيئية البحرية وتهديد التنوع الحيوي في بحرنا وعلى سواحلنا؟ هل كنا سنعاني من هذا الإنقطاع المذل للكهرباء وما يرافقه من ارتهان للمولدات، التي تلوث غرف نوم أطفالنا في كل مدينة وبلدة وقرية وحي ودسكرة من لبنان؟ هل كنا سنعاني من هذا الإرتفاع المرعب في نسب الأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض الخطيرة والمزمنة؟ هل كان سيحصل كل هذا لو أن حكومات لبنان “كلفت خارطها” والتزمت بتطبيق القوانين والمراسيم والقرارات والأنظمة البيئية النافذة؟ وهل كان سيحصل كل هذا التدهور البيئي والصحي والنزيف القاتل بالمال العام لو أن مجلس الإنماء والإعمار احترم وطبق والتزم بمقتضيات قانون حماية البيئة ومراسيم التقييم البيئي الاستراتيجي وتقييم الأثر البيئي، وقام فعلا بتطبيق “مشاركة العامة” وفق الأصول ومقتضيات فلسفة تقييم الأثر البيئي الحقيقية في كل المشاريع، التي يخطط لها وينفذها على طول الأراضي اللبنانية وعرضها؟
هذا ما نأمل أن يتحقق مع بداية العام الجديد 2018، الذي نريده حاملا للأمل، ومبددا للخيبة التي تصفعنا يوما بعد يوم.