الحاجة لتغيير السياسات في كثير من المجالات تفترض تغييرا في تركيب السلطة السياسية لترفد بروح جديدة، تحمل رؤى مختلفة حيال الكثير من القضايا الهامة للبلد وللشعب. تحتل السياسات البيئية المفترضة مقدمة هذه القضايا، التي تعمل على حماية الموارد الطبيعية، والصحة العامة، وحفظ المال العام من سبل الهدر والتبذير، وتصويب مسارات التنمية المستدامة لتحل محل تتابع نتاتيف المشاريع غير المتآلفة، والتي لا تشكل مجتمعة حالة نوعية مختلفة على طريق النمو والتقدم وحماية البيئة وتحسين حياة الناس.
في لبنان بلغ التدهور والخراب البيئي مبلغا خطيرا لناحية حجمه وعمقه وتأثيراته. وهذه عينة من ذلك التدهور والخراب. تلوث الهواء وازدياد في وتيرة الأمراض السرطانية وغيرها. تلوث المياه السطحية والأنهر، ونهر الليطاني وبحيرة القرعون نموذج أليم لما تشهده المنظمومات البيئية المائية العذبة من تدمير، وصولا إلى تلوث الينابيع والمياه الجوفية. تلوث البحر وتدهور المنظومات البيئية البحرية وتناقص التنوع البيولوجي. تدمير الشاطيء وتخريبه، ومصادرة الأملاك العمومية البحرية وحرمان المواطن اللبناني من حقه بالوصول المجاني إلى البحر. تدمير الجبال ونهش التلال بالمقالع والكسارات والمرامل وتركها دون تأهيل، حتى بلغ الأمر إزالة جبال كاملة من موقعها، وتفتيتها حتى آخر حجر فيها، كما هي الحال في ظهر البيدر ومواقع أخرى من لبنان. تدمير الغابات والمساحات الخضراء، وضعف فعالية استراتيجيات مكافحة الحرائق. ازدياد كبير لأعداد المكبات العشوائية والمزابل في كل مناطق لبنان، وربما حظيت منطقة الجنوب بالحصة الأكبر وبوتيرة النمو الأعلى…فشل سياسات النفايات حتى الآن، وإعاقة كل المحاولات الجادة للإدارة المتكاملة السليمة بيئيا لها، التي عرفها المجتمع اللبناني على مستوى الجمعيات البيئية والبلديات واتحادات البلديات. فشل سياسات الصرف الصحي، التي بلغت كلفتها 880 مليون دولار خلال العشرين سنة الماضية… فإذا بالحصيلة المرة، شبكات مجارير تصب في البحر وفي الأنهر والوديان، ومحطات معالجة وهمية لا تعمل وفق ما خطط لها. مياه الصرف الصحي تمر عبرها “ترانزيت” كي تضخ في أنبوب إلى البحر على بعد مئات الأمتار عن الشاطيء، أو يعاد تدفقها في سواقي تسير في الوديان… وهناك الكثير الكثير من الكلام في تدهور وخراب البيئة، مع كل ما يرافقه من مخاطر كبيرة على الصحة العامة ورفاه حياة الشعب اللبناني.
هذه كلها نتائج…
نتائج ماذا؟
نتائج سياسات اعتمدت وممارسات قامت بها قوى السلطة السياسة وأزلامها ومحازبيها. ونتائج قرارات ومراسيم اتخذت في مجلس الوزراء بموافقة الجميع، أو بتسجيل اعتراضات شكلية من البعض في حالات نادرة.
نتائج قوانين صدقت في المجلس النيابي. وفقرات حذفت من مشاريع قوانين نوقشت في اللجان المختلفة وفي اللجان المشتركة وفي الهيئة العامة. ومشاريع قوانين لا تزال قابعة في مجلس النواب منذ سنين طويلة.
تنمية مشوهة، الغاية فيها أن تصرف الموازنات، وبمعظمها قروض تتراكم دينا على الشعب اللبناني، لتحقيق السمسرات والعمولات، وليس لتحقيق التنمية الحقيقية وتحسين حياة الناس.
28 عاما دون كهرباء في كل مناطق لبنان، وخسائر الكهرباء ملياري دولار سنويا، هي كافية لبناء معامل إنتاج تغطي حاجات الشعب والإقتصاد اللبناني على مدار الساعة لعشر سنوات قادمة. عندنا الإنترنيت الأسوأ والأغلى في العالم، وعندنا الإتصالات الأسوأ والأغلى في العالم. هم لا يقيمون معامل إنتاج الكهرباء، بل يستأجرون البواخر بمليارات الدولارات. هم يتركون المولدات تلوث غرف نوم أطفالنا وتنهش لحمنا بفواتيرها كل شهر.
هم لا يريدون تطبيق خطة وطنية للنقل، فتتلف أعصابنا بزحمة السير، وتقدر خسائر لبنان بمئات ملايين الدولارات كل سنة نتيجة زحمة السير وتلوث الهواء.
هم لا يريدون هيكلة الإقتصاد وتعزيز القطاعات المنتجة. الإقتصاد الريعي فلسفتهم لتجويعنا، وإبقاء البلد رهينة الديون الداخلية والخارجية، وعرضة للضغوط ليساوم على حقوقه الوطنية.
هذه السياسات لا تلبي مصالح الشعب اللبناني، بل هي تستجيب لمنافع فئوية على حساب الحاضر والمستقبل. هناك حاجة ملحة ع لإحداث تغييرات في السلطة السياسية. والإنتخابات النيابية استحقاق لتغيير هذه السياسات ونتائجها المدمرة على طبيعة وموارد لبنان، وعلى صحة شعبه ورفاه حياته.
فلسطين قضية عادلة، وشعب فلسطين اغتصبت أرضه، وهدرت حقوقه الوطنية. فلسطين بوصلة كل من يتطلع إلى العدالة الإنسانية وصون حقوق الشعوب. لتكن قضية فلسطين قضيتنا، وليحظى نضال شعب فلسطين بدعمنا وتأييدنا اللامحدود والمطلق.
في هذه الاستحقاق الانتخابي لا بد من موقف واضح، لا لبس فيه بشأن وحدة سوريا والسلم الأهلي فيها، وحق اختيار الشعب السوري طريق حكم بلاده وإدارتها، بعيدا عن مشاريع التفتيت والهيمنة. وموقف واضح أيضا، ضد مشاريع الهيمنة والتقسيم والإخضاع، التي تتعرض لها الشعوب والبلدان العربية والدفاع عن مع وحدتها وحريتها وتطورها الديمقراطي.
نرى من الضرورث إطلاق صرخة رفض واضحة ومدوية لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، لا الفني ولا الثقافي ولا السياحي، ولا أي قبول لهذا الكيان الغاصب تحت أي عنوان أو تبرير.
لبنان بلد معتدى عليه ويتعرض للعدوان، تتهدده الأطماع في أرضه ومياهه وثرواته الطبيعية فوق الأرض وتحتها، في البحر وتحته، من نفط وغاز. في الاستحقاق الانتخابي من الضرورية التأكيد على أن لا تفريط بأي حق وطني. والعمل على بناء الدولة القوية العادلة القادرة والمقاومة. والتأكيد الواضح على حق الشعب اللبناني في كل أشكال المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة دفاعا عن لبنان وأرضه وشعبه وثرواته وحقوقه كاملة غير منقوصة.
لبنان له أرض محتلة من قبل العدو الصهيوني، نحن نؤمن بالعمل من أجل تحرير هذه الأرض بكل الوسائل، بما فيها المقاومة المسلحة، على مستوى الدولة بجيشها ومؤسساتها، وعلى مستوى الشعب بمقاومته المسلحة، حقا وواجبا.
شعب لبنان يستحق التنمية الحقيقية المستدامة، والتقدم الاجتماعي والإقتصادي والتربوي والثقافي، على كل المستويات وفي كل القطاعات. هذا لن يتحقق إلا إذا أحدثنا تغييرا في طبيعة النظام السياسي الطائفي والمذهبي، وتغييرا في تركيبة السلطة السياسية، وهذا الهدف للا يمكن تحقيقه إلا بخوض الإستحقاق الإنتخابي وفق هذه المواقف.
شعب لبنان يستحق قانونا عادلا وتمثيليا للإنتخابات، قانون النسبية الكاملة في لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي. وليس هذا القانون المسخ والمشوه الذي حبكته قوى السلطة السياسية على قياسها، وليس على قياس الوطن ومستقبله. هذا ما يستحق متابعة النضال من أجله دون كلل أو ملل.
شعب لبنان يستحق سلطة قضائية مستقلة، لا وصاية للسلطة السياسية (تشريعية وتنفيذية) عليها. هذه السلطة المستقلة هي ضمانة العدالة الحقة، وضمانة المكافحة الحقيقية لكل أشكال الفساد والنهب، والتعديات على طبيعة وموارد لبنان، وعلى حقوق الشعب اللبناني وأجياله الآتية.
هذا هو التغيير المنشود في الانتخابات النيابية 2018.