اطلق خلال منتدى دافوس الاقتصادي في كانون الثاني (يناير) 2018، تقرير مؤشر الأداء البيئي (EPI) لسنة 2018، وهو العاشر في سلسلة تقارير تقيِّم الأداء البيئي لبلدان العالم بدأت مع التقرير التجريبي الأول عام 2006.
ويعد هذا التقرير مراكز أكاديمية في جامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتي بالتعاون مع عدد من المؤسسات العلمية. وتقوم فكرة «مؤشر الأداء البيئي» على تقييم الوضع البيئي للدول وفق مجموعتين أساسيتين هما الصحة البيئية وحيوية النظم البيئية. ويمنح التقرير الدول تقييماً بالدرجات حول أدائها في عشر قضايا مرجعية. وهي تشمل في فئة الصحة البيئية: نوعية الهواء، مياه الشرب والصرف الصحي، المعادن الثقيلة. وتشمل في فئة النظم البيئية: التنوع الحيوي والموائل، الغابات، المصائد السمكية، المناخ والطاقة، تلوث الهواء، الموارد المائية، الزراعة. وتُعطى هذه القضايا وزناً حسب الأهمية، استناداً إلى 24 مؤشراً فرعياً.
واعتبر التقرير ان مشكلة تلوث الهواء هي الأكثر خطورة على المستوى العالمي هذا العام كونها تشكل تهديداً جدياً يحصد ارواح ملايين البشر حول العالم ، واحتلت سويسرا المرتبة الأولى في التقييم تلتها فرنسا والدنمارك ومالطا والسويد. وحلت الهند وبنغلادش في اسفل قائمة المؤشر مع بورندي والكونغو والنيبال.
وكشف التقرير إلى أن العديد من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحتوي على احتياطات هيدروكربونية هائلة، غالبا ما تؤثر سلبيا على جودة الهواء والمناخ والطاقة. كما تؤثر محطات تكرير النفط ومحطات توليد الطاقة والوقود الأحفوري على مؤشر الأداء البيئي.
وقال “دانييل سي إستي”، مدير مركز القانون والسياسة البيئية في الجامعة التي أشرفت على إنجاز الدراسة: “حين يسعى المجتمع الدولي اليوم إلى تحقيق أهداف جديدة للتنمية المستدامة فإن على أصحاب القرار السياسي معرفة الدول الملتزمة بالتغلب على تحديات الطاقة والبيئة المتخلفة عنها”.
ومن الملاحظ ان لبنان ورغم ما عصفت به من أوضاع بيئية بالغة الخطورة خصوصاً على مستوى ادارة النفايات في السنوات الخمس الماضية، حيث حل في المرتبة 91 سنة 2014، ثم تراجعت إلى المرتبة 94 في 2016، ثم عاد إلى المرتبة 67 في 2018. ويستند التقييم الى بيانات المؤشرات الفرعية باعتبارها تجميعاً لما نشرته المنظمات الدولية والهيئات الوطنية من معطيات بيئية خلال السنوات الماضية، علماً أن تقرير الأداء البيئي لا يأخذ بعين الاعتبار الكثير من المشاكل البيئية المؤثرة، وابرزها إدارة النفايات الصلبة.
والملفت ان الانتقال من المرتبة 94 الى المرتبة 67 لم ينعكس في مجموعة المؤشر بالقياس على مئة حيث سجل لبنان 69.4 /100 في العام 2016 في حين سجل 61.08 /100 في العام 2018 اي انه تراجع 8.32 نقطة ، لكن ذلك لم يمنعه من التقدم في المؤشر البيئي 27 مرتبة ! وكان لبنان سجل في مؤشر العام 2012 علامة 47.35 / 100 فقط، أي دون المعدّل المحسوب كمتوسّط للمؤشر الذي يراوح بين صفر ومئة نقطة.
ويؤكد واضعو التقرير ان مسالة المقارنة والمفاضلة في ترتيب الدول بين تقرير 2018 والتقارير التي سبقته، لا تستقيم كون كل تقرير يعتمد على منهجية مختلفة في التقييم وتستخدم حورزميات ومجموعة بيانات جديدة تعكس أحدث التطورات في العلوم والمقاييس، لذلك فغن تحديد المؤشرات الفرعية هي التي تمكن من يقرأ التقرير ان يحلل البيانات بطريقة تعكس فعلياً المؤشر البيئي لكل دولة. ومن الأمثلة على ذلك تقييم مؤشر «مياه الشرب والصرف الصحي» الذي يأخذ في الاعتبار أربعة مؤشرات فرعية هي: النفاذ إلى مياه الشرب، الانكشاف أو درجة الأخطار الناتجة من مياه الشرب غير السليمة، النفاذ إلى مرافق الصرف الصحي، درجة الأخطار الناتجة من الصرف الصحي غير الآمن.
وحل لبنان الى جانب تسع دول عربية في النصف الأول من الائحة التي ضمت 180 بلداً، بينما حلت البقية في النصف الأخير. وبينما تصدّرت سويسرا لائحة التصنيف، جاءت بوروندي في مؤخرة التصنيف.
تصدرت قطر الدول العربية في مؤشر الأداء البيئي لسنة 2018، واحتلت المرتبة 32 عالمياً، تلاها المغرب (54 عالمياً) وتونس (58 عالمياً) بعد ان كانت الأولى عربياً في المرتبة 53 في العام 2016 . وقد حصلت تونس على تقديرات جيدة في جميع المؤشرات البيئية، ويعتبر الترتيب الذي حصلت عليه مستحقاً. ويعد تقدم قطر مستغرباً خصوصاً لجهة مؤشر البصمة الكربونية للفرد لكن جهودها في مجال الطاقة المتجددة قد ساعد في تحسين تصنيفها، اما المغرب فانها تتقدم مع كل تصنيف نظراً لدورها الريادي في الاعتماد على الطاقة المتجددة.
من الملاحظ أيضاً أن الدول الخليجية، احتلت مراتب متأخرة في مؤشر المناخ والطاقة نتيجة اعتمادها على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر. ومما يفاقم المشكلة أن أسعار الطاقة والمياه في دول الخليج منخفض، ما يشجع على الهدر وبالتالي زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. ولكن غالبية هذه الدول اتخذت مؤخراً إجراءات لرفع الدعم تدريجياً عن أسعار الكهرباء والوقود.
يقيس مقدار تلوث الهواء من خلال نسبة ثاني أوكسيد النتروجين فيه (غاز ثاني أوكسيد النتروجين من أهم الغازات الملوثة للهواء، ومصدره الأساسي عوادم السيارات والمصانع). كذلك من خلال حساب مقدار التلوث الناتج عن المحروقات المنزلية المستخدمة للتدفئة أو للطبخ.
ومن عجائب هذا التقرير انه صنف نوعية الهواء في لبنان في المرتبة 17 عالمياً مسجلاً علامة 95.18 من 100 . في حين صنف تلوث الهواء في لبنان في المرتبة 66 عالمياً مسجلاً علامة 55.29 من 100، وهو تقييم غير واقعي على الاطلاق بالنظر الى سياسة النقل المعتمدة في لبنان والتي لا تتضمن النقل المستدام اضافة الى ممارسات حرق النفايات في الهواء الطلق وغياب الرقابة البيئية على المصانع والرقابة على مولدات الطاقة الكهربائية البديلة عن التيار الرئيسي من معامل الطاقة التي تشهد فترات انقطاع تصل الى 18 ساعة في بعض المناطق.
وتشكل ملوثات الهواء مصدر قلق رئيسي لصحة السكان هي الجزئيات الصلبةPM2.5 ،PM10 والأوزونO3 وثاني أكسيد النيتروجينNO2 . وثمة أدلة واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم على الأثار الصحية الضارة المرتبطة بالتعرض لتلوث الهواء. فقد ثبت، على سبيل المثال، أن الجزئيات الصلبة قد تسبب أو تؤدي إلى تفاقم
أمراض القلب واألوعية الدموية والرئة والأزمات القلبية وعدم انتظام ضربات القلب، والسرطان، كما تؤدي إلى تصلب الشرايين ومشاكل صحية بعد الولادة وأمراض في الجهاز التنفسي في مرحلة الطفولة؛ في حين أن ثاني أكسيد النيتروجين قد يؤثر على وظيفة الرئة ويؤدي إلى تفاقم الربو وأمراض الرئة الأخرى، فضلاً عن الوفاة المبكرة.
أشارت الدراسات في لبنان إلى أن انتشار الربو أعلى بنسبة لا تقل عن 50 % مما هو عليه في أوروبا أو الولايات المتحدة، وأنه في حال خفض تلوث الهواء إلى المستويات الموصى بها بموجب المبادئ التوجيهية، فقد ينخفض عدد حالات الربو بنسبة 70 % وحالات التهاب الشعب الهوائية بنسبة 50.%، كما تناولت الدراسات التي أجريت في لبنان الإرتباط بين حالات الطوارئ التي تدخل المستشفى والأمراض في الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية وتلوث الهواء في بيروت، وكشفت عن وجود آثار ملحوظة للجزئيات الصلبة على هذه الحالات. وفيما يتعلق بالمخاوف البيئية، ثمة أدلة على وجود تحمض واتخام للمياه بالمغذيات، كلاهما من جرّاء تلوث الهواء، مما قد يؤدي إلى خسارة التنوع البيولوجي جرّاء تدهور الغطاء النباتي. كما أن الإنتاج الزراعي بدوره قد يتأثر من جرّاء التحمض واتخام المياه بالمغذيات، وذلك على المستوى الكمي (خسارة المحاصيل)، والنوعي (انخفاض الجودة).
وبحسب استراتيجية نوعية الهوائ التي اعدتها وزارة البيئة فإن تحسين نوعية الهواء يؤدي إلى منافع اقتصادية على لبنان. وقد قّدر تقرير للبنك الدولي أن تكلفة تأثير تلوث الهواء على صحة الإنسان في لبنان في عام 2008 قد بلغت 151 مليون دولار أمريكي في السنة. كما أشارت دراسات أخرى إلى أن تكلفة تلوث الهواء في بيروت وحدها بلغت حوالي 10 ملايين دولار أمريكي في عام 2001، وأن هذه التكاليف أعلى بكثير في الوقت الحاضر بسبب الزيادة المتوقعة في الإنبعاثات. وقد حدد تحليل التكلفة والفوائد لمشروع قانون حماية نوعية الهواء في لبنان، الذي ينتظر ان يقر في المجلس النيابي قريباً بعد سبع سنوات على اعداده ، نسبة الفائدة إلى التكلفة لعملية خفض تلوث الهواء خلال الأعوام من 2006 إلى 2025 بحوالي 6.4؛ ما يؤكد أن فوائد تعزيز تدابير الرصد والتنفيذ المتصلة بنوعية الهواء تتجاوز إلى حد كبير تكلفة تدهور نوعية الهواء.
وفي مؤشر الحفاظ على الغابات جاء لبنان في المرتبة 62 عالمياً، رغم التراجع السنوي في الرقعة الغابية بسبب الحرائق والتوسع العمراني العشوائي والمقالع ومحافر الرمل، لكن المؤشر أعطاها تقييماً إيجابياً في الترتيب رغم انها سجلت علامة علامة 25.15 من 100 وهي علامة متدنية جداً.
يقيس عامل الصحة العامة مدى تأثر صحة الإنسان سلباً أو تعرضه للموت أو المرض الشديد بسبب تنفسه هواء ملوثاً، أو شربه مياهاً ملوثة، أو بسبب عدم وجود نظام صرف صحي آمن. بالإضافة إلى عيشه في بيئة تتعرض لتلوث كبير في الأوزون. يعتبر هذا العامل من أهم العوامل الداخلة في الدراسة، نظراً للعدد الكبير من الأشخاص المتأثرين به حول العالم. عام 2013 مثلاً كان تلوث المياه مسؤولاً عن موت 1.24 مليون شخص حول العالم، كما أن جودة الهواء المنخفضة كانت مسؤولة عن موت 5 ملايين شخص. والملفت ايضاً ان لبنان حل في المرتبة 31 من اصل 180 دولة مسجلا 83.25 من مئة.