غالباً ما يختصر سبب الوفيات في السنوات العشرة الأخيرة بمرض السرطان، الذي كان سابقاً يعرّف بـ “هيداك المرض”، إلا أن ما تشهده البلاد من حروب تستعمل فيها مختلف الأسلحة الكيماوية والنووية وغيرها، رفعت من أعداد الوفيات وتعدّدت الأسباب. فإن التغيّر المناخي الحاصل يلقي بآثاره السلبية بشكل غير مباشر على صحة الإنسان، فالحياة البيولوجية كما التنوع البيولوجي الذي يحمي الحياة على وجه هذه الأرض قد إختلّ بسبب تغيّرات الفصول واختلاف درجات الحرارة، الأمر الذي سبّب ظهور أمراض جديدة من جهة وعودة أمراض أخرى إلى الواجهة من جديد!!
فمرض الحصبة، على سبيل المثال، وعلى الرغم من توافر لقاح مأمون وعالي المردود للوقاية منه، هو من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال الصغار. وفي عام 1980، أي قبل انتشار التطعيم على نطاق واسع، كان هذا المرض يودي بحياة نحو 2.6 مليون نسمة كل عام.
للتذكير، فإن الحصبة مرض خطير وشديد الإعداء يسبّبه فيروس من فصيلة الفيروسات المخاطانية، وغالبا ما ينتقل عن طريق الإتصال المباشر او من خلال الهواء. ويصيب الفيروس الجهاز التنفسي وينتقل بعد ذلك إلى باقي اجزاء الجسم. والحصبة من الأمراض التي تصيب البشر ولا يُعرف لها أي مستودع حيواني.
في ظل التلوّث المنتشر في محتلف أصقاع الأرض وخصوصاً تلوّث الهواء الذي يتنفّسه الإنسان، فلا بد من تفاقم أزمة انتشار الحصبة بشكل أكبر.
في هذا السياق، كشفَ تقرير صادر عن منظمةِ الصحة العالمية، عن ارتفاعِ معدلاتِ الإصابة بالحصبة في العالم، مشيرا إلى ان عدد حالاتِ الحصبة التي تم تسجيلها في أوروبا عام 2017 بلغ حوالي 21 الفِ حالة، و35 حالةِ وفاة، أي اربعة أضعاف عدد الحالات المسجلة في العام السابق !!
لا يمكن المرور مرور الكرام على هذا الرقم خصوصاً وأن الهدف هو تقليل عدد الوفيات وليس تصعيدها، وبالنظر الى سلّم تطوّر هذا الفيروس، فقد ساهم التطعيم في خفض عدد الوفيات الناجمة عن الحصبة على الصعيد العالمي بنسبة 79% مما يقدر بـ 651600 في عام 2000 إلى 134200 في عام 2015.
فقد قال التقرير إن “المنظمة رصدت زيادة بنسبة 400% في حالات المصابين بالحصبة في أوروبا عام 2017 مقارنة بعام 2016، الذي سجل رقما قياسيا بلغ 5,273 حالة” ، مشيرا إلى أعراض المرض تشمل سيلان الأنف والعطس والسعال، واحمرار العيون وارتفاعا في درجة الحرارة والطفح الجلدي الذي يتطور بعد بضعة أيام.
وذكر التقرير أن “حالات تفشي الحصبة تسببت في إصابة واحدة من كل 4 دول أوروبية عام 2017، وشكلت رومانيا وإيطاليا وأوكرانيا حوالي 72% من المصابين، كما شهدت 15 بلدا أوروبيا، من بينها ألمانيا وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة 100 حالة أو أكثر من الأمراض الفيروسية المعدية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات”
تعمل منظمة الصحة العالمية على القضاء على الحصبة، كما تفعل 11 دولة أوروبية أخرى، من هنا تنطلق أهمية التطعيم التطعيم على شكل لقاح مدمج في “تطعيم ثلاثي” (MMR) يشمل، أيضا، لقاحين ضد مرضيّ الحصبة الألمانية / الحميراء (Rubella) والنكاف. (Mumps) هذا اللقاح مكوّن من التركيبة الأكثر فعّالية ومأمونية لكل واحد من هذه التطعيمات. يتم إنتاج اللقاح عن طريق تناول الفيروس المسؤول عن نشوء مرض الحصبة من حنجرة شخص مصاب بداء الحصبة، وجعله يتكاثر في خلايا جنين الدجاج في المختبر.
عندما يُعطى فيروس الحصبة المجدد لطفل في إطار التطعيم الثلاثي MMR، فإنه يتكاثر مسببا عدوى غير ضارة، حتى قبل أن يحاول الجهاز المناعي القضاء عليه. هذه العدوى غير الضارة تؤدي إلى تكوين مناعة ضد فيروس الحصبة لدى 95% من الأطفال لمدى الحياة.
ولكن، من المفضل إعطاء وجبة ثانية للقاح مرّة ثانية لكي يتم تطعيم الآخرين (الـ 5%) الذين لم يكوّنوا مناعة في التطعيم الأول، ولتحفيز جهاز المناعة ضد داء الحصبة لدى الـ 95% الآخرين.
قد يتساهل البعض في تطعيم الأطفال خصوصاً ضد أمراض قد يعتبرالبعض أنه غير مسموح أن تسبّب الموت في القرن الـ21، إلا أن أرقام منظمة الصحة العالمية أكبر دليل على أن العكس هو الصحيح، والوقتاية دائماً هي الوسيلة الأفضلوالأكثر أماناً.