يكفي لأي انسان يراقب ما يجري في سوريا، أن يعرف، أن الزراعة نشأت في “تل الأسود” الموجود في غوطة دمشق سنة 7800 ق.م، وأنه  بفضلِ جهودِ الإنسان السوري القديم، الذي عملَ على نقلِ مياه بردى والأعوج ومنين، عبر  ترعٍ وقنوات شقها، تحولت  “الغوطة”  من سهوبٍ جافةٍ إلى جنان حقيقية في قلب البادية. وأصبحت سوريا بفضل غوطتها، البلد الأول في العالم العربي والثالث على مستوى العالم، بانتاج المشمش والتوت الشامي، فالغوطة، قبل الحرب كان فيها حوالي 20 نوعاً من المشمش، وكان يحتل 26 في المائة من مساحة الأرض، كما كان (التوت الشامي) يحتل 24 في المائة من مساحة الأرض المشجرة، فيما احتل العنب بأنواعه الخمسين، 14في المائة من مساحة الأرض المشجرة، في حين احتل التفاح والزيتون 9في المائة من مساحة الأرض المشجرة، إضافةً الى كونها غنية بانواع من الاشجار المثمرة الاخرى كالخوخ،الآجاص،الرمان، الدراق والكرز وكذلك تشتهر بزراعة كافة ،أنواع الخضار والقمح والشعير، الذرة الشامية الشهيرة والزهور.

ويكفيه أن يعلم أيضاً، أن أقدم كنيس يهودي في العالم ( وفيه أقدم توراة في العالم) كان موجوداً في قلب الغوطة  (مدينة جوبر) وأنه يوجد فيها أربعة عشر ديراً مسيحياً تاريخياً، تعود بعضها الى القرن الميلادي الأول، (لقد نَهَبَ عملاء الاستخبارات الإسرائيلية في الفصائل الارهابية المسلحة، محتويات هذا الكنيس اليهودي، وهرّبوها إلى الخارج عبر الأردن وتركيا).

يكفيه معرفة حجم التنوع البيئي الحيوي الموجود في تلك الغوطة، ليدرك  الضرر الذي تلحقه رحى الحرب الدائرة هناك هذه الأيام، بالبيئة السورية والتنوع الطبيعي فيها.

ومما لاشك فيه أن معرفة الرقم المُذهل الذي يشير الى عدد أشجار الزيتون في منطقة عفرين (يصل الى حوالي عشرين مليون شجرة، ثلاثة أرباع هذا الرقم في طور الإثمار)، ومعرفة أن تلك الأراضي الخصبة التي يشقها نهر عفرين(85 كم ) والنهر الأسود، تغص بملايين أُخرى من أشجار الفاكهة مثل الحمضيات والتفاحيات والعنب والرمان وغيرها، وأن مئات ألاف الهكتارات من السهول في الفج العميق والواسع جداً، الذي يحاذي مدينة عفرين مزروعة إضافة الى القطن، الشمندر السكري، والخضار بأنواعها، الحبوب، كالقمح، الأرز، العدس، الذرة الصفراء والبيضاء، والشعير وغيرها….

وأن المنطقة تعج بالمواقع الأثرية، النادرة جداً والمسجلة على قائمة التراث العالمي “اليونسكو”، فموقع تل عين دارة الأثري، الموجود في منطقة عفرين  ماهو إلا معبد يضم تماثيل مختلفة تمثل حيوانات مجنحة وتماثيل لأبو الهول ونقوش وآثار كثيرة، وقد عُثر في الموقع على لوحة بازلتية تمثل الآلهة عشتار ،إضافة الى ثلاثة محميات أثرية على جبل سمعان ومدرجة على لائحة “اليونسكو” وهي قرى أثرية تعود إلى العصرين الروماني والبيزنطي، مثل قرية “براد” الى الشمال من جبل سمعان، حيث ولد “مار مارون”.

يكفي أن يعرف العالم كله ذلك عن عفرين بقراها الأربعمائة (تقريباً)، ليعي حجم الضرر الهائل الذي تلحقه الحرب الدائرة في سوريا، بإحدى جنان الأرض ذات التنوع الحيوي الهائل، جنة كانت تدر ذهباً على الاقتصاد السوري .

تشهد”عفرين ” و”الغوطة ” على أن سوريا مهد الحضارات، لذلك سعت وتسعى، كل الدول التي تتباكى اليوم على مايسمى ثوار “الغوطة”، أن لا يبقى فيها حجر على حجر وأن تشوه التنوع البيئي والحيوي، بشكلٍ ممنهج وبمهنية عالية، وسعت لأن تمحو كل أثرٍ للحضارات التي مرت على بلادنا، وليس أدل على ذلك التهجير المُنظم والمُسَهَل، الذي تعرض ويتعرض له السكان الاصليين لسوريا (السريان)، ليعيد التاريخ ما ألمَ بالهنود الحمر.

كذلك فإن الفصائل المسلحة الارهابية، بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية والفرنسية، قامت بنهب الكنيس اليهودي في “جوبر” وترحيله الى الولايات المتحدة الأميركية ومنها الى اسرائيل (علماً أنه في عام 1943 كان وزير المعارف “حسني البرازي” قد رفض عرضاً فرنسياً لشراء الكنيس ب500مليون ليرة ذهباً) وهذا ليس إلا دليلاً أخراً دامغ على أن هدف رعاة الحرب هو التدمير.

اليوم وبعد ثمان سنواتٍ من الحرب، التدمير والتشويه التي تعرض لها، أصبح الشعب السوري، يعرف مَن عدوه ومَن صديقه، من يُريد تدمير البلاد وتشريد العباد، ومن يُريد إعادة إعمارها حقيقةً، وهذا الشعب مصمم على أن حصة الأسد من عملية إعادة إعمار البلاد ستكون للمعماريين الحقيقيين، وفي مقدمتهم الأصدقاء  الروس والإيرانيين والصينيين.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This