ما يلبث العالم أن يتخلّص من وباء إلا ويظهر آخر يهدد الحياة، وفي حين أن مسبّبات مرض الطاعون من المفترض أن تكون عديمة الوجود مع مختلف التغيرات الحاصلة، إلا أنه ما زال حتى اليوم يلقّب بـ “الموت الأسود” بسبب إنتشاره في أكثر من 36 بلداً حول العالم.

في مقابل تهديد الطاعون لحياة الكثير من البشر، تظهر أوبئة جديدة وكأنها منشقّة عن أخرى ومتطوّرة، وأكبر دليل على ذلك حمى “لاسا” التي تنتشر بشكل رهيب في نيجيريا،  وكأنها منشقة عن “الإيبولا” !

إن ما يشهده العالم اليوم من أوبئة قديمة العهد تعود للتفشي من جديد وظهور أخرى تكاد تكون قاتلة بشكل كبير، أمور باتت تستدعي دقّ ناقوس الخطر وباتت تستوجب تقديم الإهتمام اللازم في المسببات، الوقاية، والعلاج.

في هذا الإطار، لا يزال مرض الطاعون الفتاك شديد العدوى، الذي قتل ملايين البشر على مدى 1400 سنة ماضية، ينتشر بشكل متقطع

دراسة جديدة من إنتشار الطاعون مؤخراً في شكل متقطّع في حوالي 36 بلدا حول العالم، رغم أن الفيروس المسبب له قد حيّر العلماء في كيفية بقائه على قيد الحياة رغم مرور الزمن واندثار البيئات الحاضنة له.

فيتساءل العلماء عن الأسرار الكامنة وراء هذا الأمر بحيث أنه لا يمكن للبكتيريا المسببة للطاعون، اليرسينيا الطاعونية، البقاء على قيد الحياة لفترات طويلة من الزمن في البيئة الحاضنة، دون حماية. وبالرغم من ذلك، تتكرر حالات تفشي مرض الطاعون باستمرار في العديد من المواقع.

الأمر الذي ردّه العلماء إلى قدرة البكتيريا على العثور على ملجأ، والبقاء على قيد الحياة لعدة سنوات، بعد تفشي المرض. لذا يحاولون  العلماء فهم كيفية استمرار حياة البكتيريا، لمنع انتشار المرض في المستقبل.

تبين الدراسة التي أجريت مؤخرا في مركز أبحاث الأمراض المعدية، في جامعة ولاية كولورادو، تشير إلى أن “الأميبا” الكائنات الشائعة في التربة والمياه، التي تتغذى على البكتيريا، يمكن أن تلعب دورا في حماية بكتيريا الطاعون، قبل تفشي المرض مجددا.

وجد العلماء أن بعض أنواع البكتيريا مقاومة للهضم، من قبل الأميبا، ومن المثير للاهتمام، أن هذه البكتيريا تشمل اليرسينية السلية الكاذبة، ويرسينيا القولون. ونتيجة للعيش في التربة، إلى جانب الأميبا، كان الأمر يتطلب من هذه البكتيريا تطوير طرق لتجنب تناولها.

ونتيجة لهذا التاريخ التطوري، افترض فريق البحث أنه عندما تطور الطاعون من اليرسينية السلية الكاذبة، قبل حوالي 10 إلى 40 ألف سنة ماضية، فإنها احتفظت بالقدرة على البقاء داخل الأمبيا.

وأثيتت  النتائج أن بكتيريا الطاعون قادرة على البقاء على قيد الحياة، والتكاثر داخل الأمبيا. ويفترض بعض العلماء أن الأميبا يمكنها توجيه البكتيريا غير الضارة، إلى أن تتطور وتصبح من مسببات الأمراض الخطرة.

ربما قد تقود هذه الأبحاص بالعلماء لإيجاد مانع أو علاج يوقف من ارتفاع عدد الوفيات بسبب الطاعون، إلا أن ما يعاني منه شعب نيجيريا داء لا دواء له!

“الحمى القاتلة”، حمى “لاسا” أو “الحمى النزفية الفيروسية” أحد الأمراض التي يمكن أن تسبب أوبئة خطيرة ليس لها لقاح في الوقت الحالي، ومنذ بداية العام 2018 ونيجيريا تعاني من هذا المرض الذي يتحوّل إلى وباء بسبب انتشاره السريع غير المسبوق في الآونة الأخيرة وتوسّعه إلى مناطق أبعد بكثير من المتوقّع.

حذّرت الدراسة مؤخراً من هذا المرض الذي تعمل منظمة الصحة العالمية مع السلطات النيجيرية من أجل إحتوائه، كما أرسلت الحكومة البريطانية فريقاً من الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية للكشف على الحالات المرضية.

رغم أن البعض قد لا تظهر عليه أية أعراض، إلا أن أعراض هذا المرض خفيفة مثل الحمى والصداع والشعور بالإنهاك  وقد تتشابه في الحالات الشديدة مع الحمى النزفية القاتلة (إيبولا) التي تسبب نزيفاً من الأنف والفم وأجزاء أخرى من الجسم.

لا يعتبر هذا المرض جديدياً على مناطق نيجيريا إلا أن حدّته باتت تهدّد المواطنين، بحيث أنه عادة ما يبلغ معدل الوفيات 1 في المائة ، إلا أن المرض أودى بحياة 20 في المائة من الحالات المؤكدة والمحتملة في نيجيريا خلال العام الجاري، وذلك وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض في البلاد.

يتعذر التفريق بين “حمى لاسا” وأمراض شائعة أخرى مثل الملاريا وحمى الدنك في المراحل الأولية من الإصابة بالمرض. والطريقة الوحيدة لتشخيص هذا المرض هو تحليل عينة من الدم أو الأنسجة في المختبرات المتخصصة.

ويسبب انتشار هذا المرض قلقاً في نيجيريا بسبب ارتفاع عدد حالات المصابين به في هذا الوقت من السنة. ويعمل المسؤولون في قطاع الصحة على تقصي أسباب ذلك.

إلى أن يجد العلماء حلاً أو توصيفاً واضحاً للمسببات والنتائج، ينصحون  الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة بأخذ الاحتياطات الأساسية التي تتمثل بسد الشقوق في جدران منازلهم لعدم السماح للفئران بالدخول، والتخلص من القمامة في حاويات مخصصة، والعمل على تخزين الأطعمة والمياه بإحكام.

ويتوجب على الناس ارتداء قفازات واقية عند رعاية أي شخص قد يكون مصاباً “بحمى لاسا”، كما يجب اتباع إجراءات دفن الموتى بطريقة آمنة.

وعلى الرغم من هذه التدابير الواقية، فإن احتواء “حمى لاسا” وغيره من الأمراض المعدية يعوقه غياب ممارسات طبية فعالة مثل الاختبارات التشخيصية والأدوية واللقاحات.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This