المرأة في لبنان والبلاد العربية والعالم تستحق كل الحب والإحترام والتقدير في يومها العالمي، الثامن من آذار.
يأتي العيد هذا العام في لبنان، في خضم استحقاق إنتخابي هام في تاريخ لبنان الحديث، حيث للمرة الأولى تدخل النسبية في قانون الإنتخاب، ولو بشكل نسبي وغير كامل، وتشوبها التشويهات المعيقة لتوفير حسن التمثيل بأرقى صوره الديمقراطية، الذي كان يمكن أن يحققه قانون إنتخابي مرتكز على النسبية المطلقة، في لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي.
أقفل باب الترشيح على تقدم 111 سيدة لبنانية للترشح للإنتخابات البرلمانية 2018. يدل هذا الإزدياد، بما يقارب العشرة أضعاف لعدد المرشحات في الدورة السابقة، على ما تحمله المرأة اللبنانية من شجاعة وقدرة وتأهيل لخوض هذا الغمار. إن لبنان أحوج ما يكون إلى تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، على كل المستويات وفي كل السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي كل قطاعات الدولة، الإقتصادية والتربوية والأمنية، عدا عن دور المرأة اللبنانية المتقدم والمزدهر في الحياة الثقافية والفنية.
شهدت نضالات الشعب اللبناني في السنوات الأخيرة مشاركة كبيرة جدا، وهامة جدا للمرأة، في نشاطات النقابات المهنية، وفي روابط الموظفين، وفي منظمات المجتمع المدني، والحركات الشعبية المطلبية، من أجل مطالب محقة في مجالات إقرار الحقوق بتحسين الأجور، وتحسين ظروف العمل، ودفاعا عن لقمة العيش ومستوى المعيشة، ومن أجل العدالة الإجتماعية وتعزيز دور الدولة في الرعاية الإجتماعية، والدفاع عن الحقوق وعن الإنجازات المحققة عبر عقود من النضال الشعبي، بمشاركة متزايدة من المرأة اللبنانية.
شهدت ساحات النضال في لبنان أيضا تزايدا للنضالات البيئية، لحماية الموارد الطبيعية والأوساط البيئية، من هواء وبحر وأنهار وينابيع ومياه جوفية، ولحماية الجبال من نهش المقالع والكسارات غير النظامية، ولحماية الشاطىء من التدهور ووضع اليد على الأملاك البحرية العمومية، وتدمير الغابات والحرائق، وتلوث هواء المدن من قطاع النقل والصناعة والخدمات المختلفة، وتلوث المياه السطحية والأنهر، وفي مقدمتها نهر الليطاني، أهم شريان مائي في لبنان، وبحيرة القرعون، نتيجة فشل سياسات التنمية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، منذ عقود وحتى الآن. ونتيجة الفشل في الحد من تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر ومجاري الأنهر والوديان. ونتيجة الفشل الذريع في إدارة ملف النفايات، وإغراق البلد بمدنه وقراه وسهوله وجباله وبحره وأنهاره بالنفايات من كل نوع. وسوء إدارة هذا الملف تماشيا مع مصالح فئوية تحقق عقودا بمئات ملايين الدولارات من المال العام، دون أي جدوى في إدارة النفايات السليمة بيئيا والآمنة صحيا ومعقولة الكلفة.
المرأة في لبنان والعالم، عرضة لكل أنواع الملوثات والمواد الكيميائية الضارة، دون أي التفات إلى الخصوصية الفيزيولوجية والإجتماعية التي تميز المرأة، أما حاملا ومرضعة، عاملة في الحقل أو في المصنع أو في المختبر والمؤسسة، أو مربية في المنزل، أو في المدرسة والجامعة مدرسة وأستاذة، أو في الإدارة موظفة في القطاعين العام والخاص، أو سيدة أعمال في مختلف القطاعات والمجالات.
في مجال التقييم البيئي وتقييم آثار الأنشطة الكيميائية، غالبا ما يتم تجاهل درس أوجه التأثير الخاص على المرأة. في واقع الأمر، هناك خصوصية مميزة تستحق الدرس والتقييم، لتعرُّض المرأة للملوثات والمواد الكيميائية والنفايات.
من الضروري درس المؤشرات والأنشطة الحساسة عند المرأة لتعزيز فعالية الخلاصات والإستنتاجات، حيث أن الإختلاف الفيزيولوجي لتأثيرات التعرض للمواد الكيميائية يتحدد باختلاف في الأنظمة الهرمونية بين المرأة والرجل، وتأثيرها على وظائف الجسم أثناء مراحل النمو وحتى البلوغ. ويتحدد أيضا بأن النساء أكثر عرضة للتأثيرات الضارة للملوثات والمواد الكيميائية، التي يمكن أن تخترق المشيمة أثناء نمو الجنين، وأن تنتقل عبر حليب الرضاعة أيضا. وتتحدد أيضا باعتبار أن الكثير من الملوثات والمواد الكيميائية يتراكم، مع استمرار التعرض، في الأنسجة الدهنية، الموجودة بنسب أعلى في جسم المرأة عامة.
إن الآثار الضارة للملوثات يمكن لها أن تصيب عدة أجيال دفعة واحدة. إن تعرض المرأة الحامل لا يعرض فقط الجيل الأول، بل أيضا الجيل الثاني، وكذلك الجيل الثالث الذي يليه. هذا مميز عند المواد ذات النشاط المخل بالغدد الصماء، أي بالنظام الهرموني، فهي تصيب الأم الحامل (الجيل الأول)، وتصيب الجنين (الجيل الثاني)، وتصيب الخلايا والأنسجة الجنسية عند الجنين فتؤثر على الجيل الثالث.
تتفاوت المراحل الأكثر تأثرا بالتعرض للملوثات والمواد الكيميائية الضارة بين الرجل والمرأة. بالنسبة للمرأة، تكون فترات المراهقة والحمل والرضاعة والدورة الشهرية هي الأكثر خصوصية لناحية الآثار الخاصة للتعرض.
هناك أيضا اختلاف في نماذج التعرض المهني بين الرجل والمرأة، حسب المنطقة والمهنة وفرص الوصول إلى المعلومات. مثلا، العاملات في مجال الزراعة في المناطق الريفية وتعرضهن للمبيدات الزراعية السامة، وتعرضهن للملوثات السامة الناتجة عن حرق المكبات العشوائية للنفايات. وكذلك العاملات في مصانع التكنولوجيا الدقيقة وتعرضهن للمواد والمذيبات الكيميائية السامة. والمرأة عموما معرضة بشكل أكبر للمركبات الكيميائية الداخلة في تركيب مستحضرات التنظيف والغسيل ومنتجات الزينة والرعاية والحماية الشخصية.
إن إشراك المرأة في آليات إتخاذ القرار يشكل ضرورة ملحة، وعلى كل مستويات العمل البلدي والبرلماني والحكومي، وعلى مستوى الأعمال والقطاع الخاص، وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني، الناشط في كل المجالات البيئية والصحية وحقوق الإنسان ورعاية الأطفال والتربية والتعليم.
إن المخاطر متنوعة وتزداد تنوعا واتساعا. تطرح اليوم على المستوى العالمي، والإقليمي والوطني مسائل ملحة تحتاج إلى أن نضعها على جدول الأعمال حماية للصحة العامة، وفي مقدمتها صحة المرأة والجنين والرضيع والطفل. لابد من الإسراع في وضع مقياس وطني يضع حدا للرصاص في الدهانات والطلاءات، بحيث نحمي أطفالنا من التعرض لهذا المعدن الثقيل السام، الذي يؤثر على نموهم العقلي والسلوكي. ولا بد أيضا من الإلتفات باهتمام أكبر إلى مسألة منع استعمال الزئبق في ملغم حشوة الأسنان. فلنبدأ بمنعه عند الأمهات الحوامل وعند الأطفال بأسنان الحليب، إسوة بالعديد من دول العالم والإتحاد الأوروبي. ولا بد أيضا من الإهتمام بجدية عالية بمسألة الحماية من التعرض للمبيدات الزراعية عالية السمية، وللمواد الكيميائية في المنتجات، والمواد الخطرة في دورة حياة المنتجات الكهربائية والإلكترونية. وكذلك في مواد ومنتجات النانو، وكذلك النفايات التي تحتوي على مواد النانو. ندعو إلى الإهتمام الخاص بالمواد والملوثات ذات النشاط المخل بالغدد الصماء والنظام الهرموني. وندعو إلى الإمتناع عن دعم أي مشروع أو نشاط يشكل مصدرا هاما للملوثات العضوية الثابتة عالية السمية، مثل الديوكسين والفوران، باعتبارها أهم ملوثات محارق النفايات وحرائق المكبات العشوائية.
علينا أن نجعل من السلامة الكيميائية للمرأة أولوية عالية الأهمية في برامج السياسات البيئية والصحية، وإدخال السلامة الكيميائية للمرأة باعتبارها قضية متكاملة في كل برامج ومشاريع التنمية.
بورك للمرأة في لبنان والبلاد العربية والعالم عيدها، وإلى مزيد من تفعيل الدور القيادي والفاعل للمرأة في كل مجالات الحياة.